“هناك شخص واحد شعر بنشوة غير عادية عقب توقيع الغرب للصفقة مع إيران، إنه الديكتاتور السوري الذي يعول على طهران لاستمراره في خوض الحرب الدائرة في بلاده”، هكذا وصف موقع “ديلى بيست” الأمريكي حال الرئيس السوري بشار الأسد عقب توقيع الاتفاق النووي مع مجموعة “5+1″. هذا “الديكتاتور” كان أول المهنئين بتوقيع الاتفاق النووي، أرسل برقية للرئيس الإيراني يصف فيها “الاتفاق بنقطة التحوّل الكبرى في تاريخ إيران والمنطقة والعالم، ويعتبره اعترافًا من دول العالم بسلمية البرنامج النووي الإيراني الذي يضمن الحفاظ على الحقوق الوطنية لإيران”. لذا فإن الأمل والثقة كبيران بأن إيران ستتابع وبزخم أكبر دعم النظام السوري، هذا ما أكدته حتى المستشارة السياسية والإعلامية للنظام السوري بثينة شعبان، عندما قالت: “إن الاتفاق النووي سيجبر الغرب على تخفيف موقفه من دمشق والتعامل مع حكومتها للبحث عن حل تفاوضي للحرب الأهلية في سوريا”، بل توقعت شعبان أن تصبح الولاياتالمتحدة أكثر تكيفًا مع رؤية موسكو للأزمة السورية. تساؤلات عدة يثيرها تقرير “ساسة بوست” حول ربح النظام السوري من توقيع الاتفاق النووي. لماذا النظام السوري هو الرابح الأكبر من توقيع الاتفاق النووي؟ يؤمن النظام السوري أن عودة الحليفة إيران إلى الأسرة الدولية بعد توقيع الاتفاق النووي سيمنحه الكثير من المنافع، فعلى مدار ما يزيد على ثلاثة عقود، كان النظام السوري والإيراني حليفين إستراتيجيين. إيران توفر الأسلحة والمساعدة التقنية والقوات لتمكين الأسد من البقاء، لأنها ترى أن بقاءه يشكل أولوية بالنسبة لها، كون سوريا ذات الحكم الشيعي بوابة النفوذ الإيراني في بلدان المشرق العربي. وكون استبدال نظام الأسد الشيعي بنظام سني معادٍ لإيران يقطع خط الإمدادات الرئيسي بين طهران وميليشيا «حزب الله» الشيعية التابعة لها في لبنان. يؤكد الكاتب السوري أكرم البني على أن هذا الاتفاق يفتح نافذة طال انتظارها، للتخفيف من عزلة سوريا والحصار المفروض عليها، خاصة أن تحرير أرصدة إيران ورفع العقوبات عنها، يمنحانها قدرة أكبر على دعم النظام السوري اقتصاديًّا وعسكريًّا. كما يتوقع المحللون أن يعمل هذا الاتفاق على تفكيك التحالفات الإقليمية في سوريا، بحيث تصبح إيران الضامن الإقليمي لأي اتفاق يتم التوصل إليه لتسوية الصراع الداخلي السوري، ويساندها روسيا باعتبارها الضامن الدولي. ويتوقع المحللون في الفترة المقبلة وجود دعم أمريكي لخطة إيرانية تقوم على وقف إطلاق نار إنساني في سوريا، يتبعه تشكيل حكومة مؤقتة تشمل النظام السوري والمعارضة، وعندما تستقر الأوضاع يتنحى “الأسد” ويفتح الطريق أمام إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وهو المقترح الذي ترفضه المعارضة المسلحة والذي يعد تحولًا جذريًّا في موقف الإدارة الأمريكية بعد عام من رفضها مشاركة إيران في مؤتمر للأمم المتحدة بشأن سوريا. ماذا ستقدم الأموال الإيرانية المجمدة للنظام السوري؟ يؤكد موقع “إنترناشونال بيزنس تايمز” الأمريكي أن بشار الأسد هو الفائز الحقيقي من الاتفاق النووي، فالمساعدات الإيرانية السنوية لدمشق المقدرة بنحو 35 مليار دولار، ستزداد مع رفع العقوبات عن طهران. كما يؤكد تقرير آخر أعده موقع “ديلى بيست” الأمريكي أن تخفيف حدة العقوبات الغربية المفروضة على الاقتصاد الإيراني تدريجيًّا سيوفر للحكومة الإيرانية الأموال اللازمة لدعم الاقتصاد السوري الذي يعاني جراء استمرار الصراع الدائر هناك للعام الرابع على التوالي، مما يرجح كفة بقائه في السلطة. ويرى موقع “ديلى بيست” الأمريكي أن الأسد يحتفي الآن بمواصلة إيران تمويل ودعم نظامه المنهار عسكريًّا، فضلًا عن الاستمرار في إشعال حروب الوكالة في المنطقة، وبأن طهران ستتمكن من الحصول على المزيد من الصواريخ والأسلحة والذخيرة، لا سيما إرسال المزيد من المليشيات لدعم جزار سوريا. وينوه الموقع إلى أن إيران قدمت مساعدات إلى نظام الأسد تبلغ ستة مليارات دولار سنويًّا لمساعدته على البقاء، فضلًا عن حصول النظام السوري على قرض بقيمة مليار دولار قبل عدة أيام من طهران، لذا من المتوقع زيادة المساعدات الإيرانية بعد رفع العقوبات الاقتصادية. ويعتبر المحلل العسكري اللواء الأردني فايز الدويري أن الاتفاق النووي نوع من أنواع إعادة تأهيل النظام الإيراني والذي يأتي بهدف دمجه في المجتمع الدولي، وتابع القول: “بما أنه قد يتم إنهاء تجميد أصول إيرانية بنحو 140 مليار دولار، فهذا يعني أن إيران قد تسعى جاهدة إلى إعادة دعم النظام السوري وتثبيت أركانه”. وشدد الدويري على أن هذه الأموال لن تستخدم في إسعاد الشعب الإيراني وترفيهه، بل لتحقيق أهداف إقليمية قد يستفيد منها النظام السوري وحزب الله والحوثيون، إذ إن إيران قد تزوّد النظام السوري بالأسلحة، أو تدعمه ماديًّا، لأن النظام السوري متهالك. لماذا اعتبرت دولة الاحتلال الإسرائيلي بشار الأسد الرابح الأكبر من الاتفاق النووي؟ “إن الرابح الأكبر من الاتفاق النووي الذي أنجزه الغرب مع إيران هو رئيس النظام السوري، بشار الأسد”، هذا التحليل الأول الذي قُرأ بعد توقيع الاتفاق النووي كان من قبل المحللة الإسرائيلية المختصة بالشؤون العربية سمدار بيري. ففي مقالها “الرابح الأكبر.. الاتفاق سينقذ الأسد” أكدت بيري: “أن الاتفاق مع إيران يضمن لبشار مواصلة الدعم له وتمويل المساعدة العسكرية، وكل ما هو ضروري لبقائه، فطالما أن إيران لا تنتج قنبلة، فإنه لن يمس أحد بالملعب السوري”. وتابعت بيري القول: “رفع العقوبات عن إيران يعدّ تحريرًا ل150 مليار دولار مجمدة في الخارج، و إلغاء الحظر على السلاح وفتح البوابات أمام أسرة الأعمال هي مثل العسل بالنسبة لبشار”. وتؤكد بيري أن الاتفاق سيمنع من المطالبة بإسقاط الأسد، وسيمنع الطرف الغربي من إبداء الملاحظات للوفد الإيراني عن المساعدة المالية للأجهزة في سوريا (بين 6 مليارات و35 مليار دولار في السنة)، أو عن إرساليات السلاح، أو عن قتل السوريين برعاية الحرس الثوري الإيراني، أو عن قاسم سليماني، قائد الوحدة المختارة التي جعلت سوريا و”قصر الشعب” لبشار ملعبها البيتي، حسب تعبيرها. من جانبه، قال الكاتب الإسرائيلي إيلى فودة إن: “الوحدة الإيرانية السورية القائمة بشكل متواصل منذ ثلاثين سنة، وترجع أهمية سوريالإيران بسبب موقعها الجيو-إستراتيجي في قلب المعركة الإقليمية، يعني أن إيران تدرك جيدًا القاعدة الغربية التي تؤكد أن من يريد أن يسيطر على الشرق الأوسط عليه أن يسيطر على سوريا أو يحظى بصداقتها”. مضيفًا في مقاله بصحيفة “هآرتس”: “مستقبل سوريا بات غير معروف الآن، ولكنه في كل الأحوال سيكون معلقًا بيد إيران، التي تعد الأولوية الإستراتيجية لها في الشرق الأوسط العربي هي دعم نظام بشار الأسد والحفاظ عليه”. كيف نظرت المعارضة السورية لتوقيع الاتفاق النووي؟ “لا نرغب في سقوط نظام بشار الأسد”، هذا القول الذي على لسان وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند ربما يمثل موقف الغرب من النظام السوري قبل وبعد توقيع الاتفاق النووي كما يرى المحللون، فالغرب يؤمن بما أضافه هاموند بأنه: “لن نحصل على النتائج المرجوة إذا انهارت مؤسسات النظام، فالنتيجة المطلوبة هي حصول تغيير سياسي في النظام، وعدم تكرار الأخطاء في ليبيا والعراق”. بسبب الموقف السابق وغيره يزداد الإيمان عند المعارضة السورية بأن إدارة أوباما لم تعد ملتزمة بإسقاط نظام الأسد، إذ إن الكثير من المعارضين ينتابهم الشك حاليًا من أن أمريكا تفضل الشيطان الذي تعرفه في دمشق “بشار الأسد” على البديل غير المعروف، وربما يكون منتسبًا ل تنظيم «القاعدة»، ويعدد مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن “ديفيد شينكر” مؤشرات تطلع عليها المعارضة السورية وتؤكد تغير الموقف الغربي من الثورة السورية، ومنها حسب شينكر أن “المعارضة الغربية التي كانت متحدة من قبل لأي دور دبلوماسي إيراني في الأزمة السورية بدأت تضعف وتتضاءل، فعلى سبيل المثال، دافع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن ضم إيران إلى مؤتمر السلام الوشيك “جنيف 2″ بشأن سوريا، كما ألمح وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ إلى أن طهران تستطيع أن تلعب “دورًا مثمرًا” في المفاوضات – وأرسل دبلوماسيًّا إلى إيران لمناقشة مسألة التعاون”. وفيما يتعلق بتوقيع الاتفاق النووي على وجه التحديد، يقول رئيس “اتحاد ثوار حلب” أحمد أبو صالح إن “الاتفاق النووي، هو ضوء أخضر لإيران للاستمرار في قتل الشعب السوري، ورفع العقوبات عن إيران سيمكنها من مواصلة دعمها للنظام”، مضيفًا: “الاتفاق سلبي وضار، ويهدد أمن الشرق الأوسط، وأمن الخليج، كما أنه سيعزز المساعي الإيرانية لمواصلة مشروع الهلال الشيعي الذي أطلقته منذ عقود”. من جهته، يعقب الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان على هذا الموقف بالقول: “لو كانت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها يريدون فعلًا إسقاط النظام السوري، لما اضطروا مكرهين على توقيع الاتفاق النووي مع إيران، ورفع الحصار عنها، والاعتراف بها كدولة نووية، وتطبيع العلاقات معها”، ويضيف عطوان: “أمريكا جيشت العرب وأموالهم وإعلامهم في سوريا للضغط على إيران، وعندما توصلت إلى اتفاق معها تخلت عن حلفائها العرب، مثل مناديل (الكلينيكس)”.