في أول زيارة رسمية بعد مقاطعة دامت ثلاثين عاما منذ محاولة اغتيال المخلوع حسني مبارك بالعاصمة الأثيوبية "أديس أبابا" يلقي قائد الانقلاب كلمه يوم الأربعاء المقبل أمام البرلمان الأثيوبي في زيارة تدوم لثرتة أيام يبحث فيها الطرفان العلاقات الثنائية وتدشين مرحلة جديدة من التعاون المشرتك في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية. طريق رؤساء مصر إلى القارة السمراء وفي القلب منها إثيوبيا مر بمحطات مختلفة بدأت من جمال عبد الناصر وتوقفت عند السادات وعادت من جديد في عهد المخلوع مبارك حتى حادثة محاولة اغتياله وبعد ثورة يناير تأرجحت العلاقة بين الدولتين ما بين خفي حنين عاد بهما الرئيس "محمد مرسي" من زيارتة لإثيوبيا للمشاركة بالقمة الإفريقية وبين مساع جديدة للسيسي لعودة العلاقات إلى سابقها. في عهد عبد الناصر أول من سبق الخطى إلى هناك وارتمى في أحضان إثيوبيا هو جمال عبد الناصر حين وافق على قرار الأممالمتحدة الصادر في عام 1950 والذي ينص على ضم إريتريا إلى إثيوبيا لتفتح الأبواب أمام علاقة صداقة قوية بين البلدين تمخضت عنها إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية. الازدهار الذي شهدته العلاقات المصرية الإثيوبية في عهد عبد الناصر لم يكن على المستوى السياسي والاقتصادي فحسب والذي أثمر توقيع اتفاقية 59 التي نصت على حصة مصر التاريخية من مياه النهر، بل شغل الجانب الديني حيزًا كبيرًا في تلك العلاقات فرجال الدين لم ينقطعوا عن زيارة إثيوبيا لتعليمهم الوعظ كما حضر الإمبراطور الإثيوبي هيلا سلاسي للمشاركة في الاحتفالات الدينية بمصر استجابة لدعوة عبد الناصر. في عهد السادات ومضت العلاقات المصرية الإثيوبية طوال عهد عبد الناصر إلا أنها أخذت في التوتر إبان حكم الرئيس الراحل أنور السادات الذي لم يزر واحدة إلى أديس أبابا طوال فترة حكمه وبدأ الصدام الذي انتهى بالقطيعة بعد توقيع معاهدة الدفاع المشترك مع السودان التي دعمت حركة تحرير إريتريا. وزاد الصدام برفض السادات مقابلة الوفد الإثيوبي الذي زار مصر في عام 1976 ليدخل الصدام في طور جديد بعد إعلان السادات مشروع تحويل جزء من مياه النيل لري 35 ألف فدان في سيناء مع إمكانية إمداد إسرائيل الأمر الذي رفضته إثيوبيا بزعم أن هذا المشروع ضد مصالحها وتقدمت بشكوى إلى منظمة الوحدة الإفريقية في ذلك الوقت تتهم فيها مصر بإساءة استخدام مياه النيل. وكانت الشوكة التي قسمت العلاقة بين الدولتين تحالف السادات مع إيران ضد المد الشيوعى وهو ما رفضه إمبراطور إثيوبيا "منجستو هيلا مريام'' ذو الانتماء الشيوعي والذي دفعه الغضب إلى إلقاء زجاجة من الدم على العلم المصرى لتنقطع بعدها العلاقات بين الكنيسة المصرية والكنيسة الإثيوبية. في عهد مبارك الفترة ما بين 1981 حتى عام 1995 بدأت خلالها العلاقات المصرية الإثيوبية تتحسن شيئا فشيئا ففي عام 1985 زار الرئيس المخلوع حسني مبارك إثيوبيا لبحث العلاقات الثنائية بين الدولتين إلا أن سرعان ما تعكرت العلاقة بمحاولة اغتيال حسني مبارك أثناء زيارته لها ما جعله يقاطع دخولها ويتجاهل القارة السمراء كافة وتوقف مجلس الأعمال المصري الإثيوبي طوال فترة حكمه. وزادت حدة الاحتقان بين الدولتين وصلت لحد العداء، بحديث إثيوبيا عن سد الألفية، ومع تطور الأحداث انقطعت العلاقة بين الكنسية المصرية والإثيوبية، واستمرت هذه القطيعة حتى يوليو 2007، حين توسط بطريرك أرمينيا بين الكنيستين، من أجل عودة العلاقات مرة أخرى، إلا أنها بدأت توتر تارة آخرى مع انتشار شائعات عن وجود تحالف إثيوبي إسرائيلي ومحاولة بناء سد الألفية الجديدة. وبلغ الصدام أشده مع تصريحات واتهامات الجانبين لبعضهما البعض، وبحسب تسريبات ويكيليكس فإن مبارك هدد بتدخل عسكري في إثيوبيا، إذا أقدمت على بناء السد، وهو ما رد عليه "زيناوي"، رئيس وزراء إثيوبيا وقتئذ مصر لا يمكنها كسب حرب مع إثيوبيا على مياه نهر النيل، وإنها تدعم جماعات متمردة في محاولة لزعزعة استقرار البلاد. في عهد المجلس العسكري وبقيت العلاقات المصرية الإثيوبية على حالها حتى اندلاع ثورة 25 يناير وإبان الحكم العسكري الذي تولى قيادة المرحلة الانتقالية حاولت بعض الشخصيات العامة والقوى الثورية تحريك الماء الراكد في بحر العلاقات المصرية الإثيوبية فشكلوا وفدًا شعبيًا وانطلقوا إلى إثيوبيا فهدأت حدة التوتر إلى حد ما. في عهد الرئيس "محمد مرسي" وبعد مقاطعة دامت عقودًا طويلة حل الرئيس محمد مرسي على إثيوبيا مرتين رغم الفترة القصيرة التي حكم فيها مصر الأولى جاءت بمناسبة افتتاح أعمال القمة الإفريقية والثانية على خلفية القمة الإفريقية الاستثنائية ولم تلق زيارة مرسي استقبال حار في إثيوبيا فكان في انتظاره وزيرة التعدين وبعد مغاردة مرسي الأراضي الإثيوبية بساعات قليلة أعلنت إثيوبيا الشروع في بناء سد النهضة وعادت الشكوك من جديد. وبعد إعلان إثيوبيا البدء في تنفيذ سد النهضة عقد محمد مرسي اجتماع سري مع القوى الوطنية لبحث الأزمة أما المفاجأة التي أساءت للعلاقات أكثر وهي إذاعة المؤتمر على الهواء وفيه تحدث بعض الحاضرين عن توجيه ضربات عسكرية لإثيوبيا ما زاد من تعند الجانب الإثيوبي وأغلق باب المفاوضات. في عهد الانقلاب غادر الرئيس عبد الفتاح السيسي، مطار القاهرة الدولي، متجهًا إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا للمشاركة في القمة الإفريقية المنعقدة في دورتها الرابعة والعشرين انطلقت الطائرة التي تحمل أول زيارة للسيسي إلى إثيوبيا بعد الانقلاب. لتكن آخر محطات رؤساء مصر إلى إثيوبيا في طائرة تنقل السيسي غدًا إلى إثيوبيا في أول زيارة ليست بغرض المشاركة في القمة الإفريقية ولكن بهدف بحث التعاون المشترك بين الدولتين.