معهد واشنطن: فى ضوء ما تشتهر به مصر من ضعف الصيانة وقدرات الاستدامة ومهارات طياريها التى تحيط بهم الشكوك.. ربما يكون العديد من المروحيات خارج الخدمة! فى مطلع الأسبوع المقبل سوف يوافق الكونجرس الأمريكى على تشريع جديد يحد من القيود على نقل الأسلحة الأمريكية إلى مصر. وحتى الآن، يحظر القانون على إدارة «أوباما» توفير ذخائر إلى الدول التى يطيح فيها الجيش بالحكومات المنتخبة ديمقراطيا. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية لم تُصنف الإجراء العسكرى فى 3 يوليو الذى أطاح بالرئيس «محمد مرسى» على أنه انقلاب عسكرى، فإنها علقت تسليم بعض نظم الأسلحة -أبرزها عشر طائرات أباتشى هجومية- الأمر الذى شكل ضغوطا على العلاقات الثنائية. ويتحاشى القانون الجديد ضرورة عدم وقوع انقلاب عسكرى، ويربط بدلا من ذلك تقديم المساعدات العسكرية بإجراء مصر استفتاء على الدستور (وهو ما أكملته البلاد لتوها)، إلى جانب إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية (والتى تقرر مؤقتا إجراؤها فى وقت لاحق من هذا العام). وقد يرى البعض أن هذا التغيير التشريعى يشكل تحولا بعيدا عن دعم الولاياتالمتحدة للديمقراطية؛ وقد يراه آخرون اعترافا بالواقع على الأرض فى مصر. ومهما كان الحال، فإن التسليم المعلق لطائرات الأباتشى هو البند الذى يحظى بأكبر قدر من الاهتمام فى القاهرةوواشنطن. بيد أنه حتى مع تحسين مناخ العلاقات الثنائية، فإن القانون الجديد وتسليم مروحيات هجومية إضافية من غير المرجح أن يحدثا وحدهما تأثيرا ملموسا فى مسار التمرد الناشئ فى مصر. تمر القاهرة حاليا فى وسط حملة لإرساء الأمن فى سيناء، حيث كسب المنتسبون إلى تنظيم «القاعدة» موطئ قدم هناك خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذى يثير مخاوف بشأن انتقال عدوى الإرهاب إلى وادى النيل. فمنذ يوليو 2013 -عقب الإطاحة بمرسى مباشرة- قُتل نحو 350 فردا من الشرطة والجيش فى شبه الجزيرة. وفى أواخر أغسطس، أطلق الجهاديون قذائف صاروخية على سفينة عابرة قناة السويس، ولحسن الحظ لم تتعرض السفينة لأضرار جسيمة. وبعدها بأيام، نجا وزير الداخلية محمد إبراهيم بأعجوبة من تفجير بسيارة مفخخة فى العاصمة. الأباتشى لضرب سيناءوغزة وبالإضافة إلى الرؤى الإيجابية المرتبطة بتجدد تدفق الأسلحة، ترى واشنطنوالقاهرة أن تسليم المزيد من الطائرات المروحية ربما يفيد فى الحملة ضد المقاتلين الذين مقرهم فى سيناء. وتستخدم مصر طائرات الأباتشى الحالية المزودة بصواريخ هيلفاير، باعتبارها المنصة المفضلة فى شبه الجزيرة، ووفقا لروايات الجيش قتلت هذه المروحيات 184 مسلحا حتى الشهر الأخير. وقد حصلت على خمس وثلاثين من هذه الطائرات من الولاياتالمتحدة منذ عام 1995، ودفعت 164 مليون دولار من «التمويل العسكرى الخارجى» مقابل الطائرات العشر التى جرى تعليق استلامها، أو ما يقرب من ثمن الشراء بالكامل البالغ 171 مليون دولار. وتمثل تلك الطائرات العشر الأخيرة أهمية فى ضوء عدم وضوح العدد الصالح للتشغيل من بين الطائرات الخمس والثلاثين الأولية. وفى ضوء ما تشتهر به مصر من ضعف الصيانة وقدرات الاستدامة -ناهيك عن مهارات طياريها التى تحيط بهم الشكوك- ربما يكون العديد من المروحيات خارج الخدمة. ورغم عدم ورود أى تقارير عن تحطم أية طائرات أباتشى خلال العمليات الأخيرة فى سيناء، فإن طائرتين نفاثتين -من بينهما واحدة من طراز (إف 16)- تحطمتا أثناء التدريبات خلال الشهور الأربعة الماضية وحدها. وبطبيعة الحال فإن طائرات الأباتشى وحدها لن تكون كافية لسحق التمرد. وفى الواقع فإن أساليب الجيش الخشنة فى سيناء، مثل نشر صواريخ هيلفاير المضادة للدبابات والتى يتم إطلاقها من مروحيات فى مناطق كثيفة السكان، قد تغذى الدعم الذى تحصل عليه «القاعدة». ويمكن استلهام النموذج الأكثر فعالية من اغتيال إسرائيل للزعيم الإرهابى على أبو مصطفى فى عام 2001، عندما أطلقت طائرات الأباتشى صاروخين مضادين للأفراد من خلال نافذة فى رام الله، أفضيا إلى قطع رأس مصطفى أثناء جلوسه فى مكتبه، ويبدو أن الاستهداف المصرى لم يصل إلى تلك الدرجة من الدقة. وفى أغلب الأحوال، جرى منع الصحفيين المصريين من تغطية الأضرار الجانبية، بل وجرى اعتقالهم بسبب تلك التغطية. بيد أن الشيخ «إبراهيم المنيعى» رئيس اتحاد قبائل سيناء، أخبر أحد الصحفيين أن أكثر من خمسين مدنيا لقوا حتفهم حتى بداية سبتمبر، وتم تدمير أكثر من 200 منزل حتى نوفمبر. وليس هناك شك بأن الأرقام قد زادت منذ ذلك الحين. إن الجيش المصرى ملتزم فى الوقت الحالى بحملة مكافحة الإرهاب فى سيناء، بل إنه يهدد باستهداف «حماس» عبر الحدود فى غزة. وكان حفظ الأمن فى سيناء يقتصر منذ فترة طويلة على «دائرة المخابرات العامة»، ومن ثم فإنه يشكل مسئولية جديدة نسبيا للجيش المصرى. وهذا تطور مرحب به بالنسبة إلى واشنطن التى كانت تمارس ضغوطا على الجيش لكى يقوم بدور أكثر قوة فى محاربة الإرهاب داخل شبه الجزيرة منذ انهيار «دائرة المخابرات العامة» فى عام 2011. بيد أن قدرات قوات الجيش الضعيفة ربما لا تكون مناسبة بشكل مثالى لأداء هذه المهمة. لقد أثبتت سيناء منذ زمن بعيد أنها تشكل تحديا للقاهرة، حتى عندما كانت شبه الجزيرة تخضع ل«دائرة المخابرات العامة» التى ركزت على مكافحة الإرهاب فى ذروة نشاط هذه «الدائرة»؛ فعلى سبيل المثال، نفذ الإرهابيون بين عامى 2004 و 2006 سلسلة من الهجمات الكبيرة التى أودت بحياة أكثر من 100 أجنبى ومصرى. والدرس المستفاد من سيناء والعراق والضفة الغربية وغيرها من الأماكن هو أن سياسات مكافحة الإرهاب الناجحة لا تتطلب أنشطة حركية من الجيش فحسب، بل وجودا طويل الأجل لأفراد الشرطة/المخابرات، وفى كثير من الأحيان التزاما حقيقيا بالتنمية الاقتصادية. ورغم أنه قد يكون من السابق لأوانه أن نحكم على الحملة الوليدة للجيش المصرى فى سيناء، فإن التقارير ومقاطع اليوتيوب الواردة من المنطقة تفيد بأن الأضرار التى لحقت بالمنازل والبنية التحتية كانت هائلة إلى حد ما. ولهذا، فعلى الرغم من أن تسليم طائرات الأباتشى الإضافية ونشرها قد يزيد من ضحايا الإرهابيين، فإن استمرار الأضرار الجانبية سوف يزيد من جموح سكان سيناء البدو الذين لا يحصلون على ما يستحقونه من خدمات، وربما يجعلهم متعاطفين مع «القاعدة». وإذا جاز لنا أن نعيد صياغة ما ورد فى مذكرة وزير الدفاع الأمريكى السابق «دونالد رامسفيلد» فى عام 2003 تحت عنوان (الحرب على الإرهاب)، لا يتضح ما إذا كانت أعداد الإرهابيين الذين تأسرهم مصر فى سيناء أو تقتلهم أو تردعهم أو تثنيهم تزيد على أعداد الإرهابيين الذين تجندهم «القاعدة» وتدربهم وتنشرهم جراء حملة مكافحة الإرهاب المستمرة. ورغم أن قليلين سيثيرون تساؤلات حول الحكمة من وراء الهجوم الحالى الذى تشنه القاهرة، فإن الحكومة ستحسن صنعا إذا عززت استراتيجيتها العسكرية بعناصر أخرى أقل فتكا من القوة الوطنية لكى تضمن أن لا تكون انتصاراتها باهظة الثمن أو قصيرة الأجل. * مدير برنامج السياسة العربية فى معهد واشنطن