في رد دبلوماسي وغير كاف على الغضب العارم الذي اجتاح المسلمين في العالم على تصريحاته بشأن الإسلام والمسلمين، رفض بابا الفاتيكان، بنديكت السادس عشر الاعتذار للمسلمين عما بدر منه، وقدم أسفه على غضبة المسلمين فقط، وتحاشي تقديم اعتذار شخصي عن خطأه في حق الإسلام، معتبرا أن ما حدث كان سوء فهم لما قاله خلال محاضرة ألقاها يوم الثلاثاء الماضي في ألمانيا. وقال البابا في عظة قداس الأحد التي ألقاها بمنزله الصيفي في كاستلغاندولفو قرب روما, إن تصريحاته بشأن الإسلام أخرجت من سياقها وأسيء فهما, معربا عن أسفه للغضب الشعبي العارم الذي انتاب المسلمين في أنحاء العالم.
وقال البابا إن الاقتباس الذي أورده في كلمته التي ألقاها في جامعة ريغينسبرغ بألمانيا الثلاثاء الماضي عن الجهاد والحرب المقدسة, لم يكن يعكس وجهة نظره الشخصية بل كان موجودا في كتاب من العصور الوسطى كان قد قرأه في وقت سابق.
وأعرب البابا عن أمله أن تهدئ هذه الكلمات مشاعر المسلمين وأن توضح ما كان يعنيه في الكلمة التي ألقاها بألمانيا والتي "كانت بمجملها دعوة لحوار صريح ومخلص يسوده الود والاحترام المتبادل".
تأتي كلمة البابا بعد موجة غضب إسلامي واسعة طالبت بتوجيه اعتذار شخصي للمسلمين عن الإساءة لدينهم. وكانت كلمة البابا قريبة من بيان الفاتيكان الصادر يوم أمس الذي أعرب عن أسف البابا لإيذاء مشاعر المسلمين.
وأورد البابا في كلمته بألمانيا إشارة إلى انتقادات للنبي محمد صلى الله عليه وسلم جاءت على لسان الإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني باليولوغوس في القرن ال14 الذي ذكر في حوار مع رجل فارسي أن كل ما جلبه النبي محمد كان شرا مثل "أمره بنشر الدين الذي يدعو إليه بحد السيف".
وأضاف البابا الذي استخدم تعبيرات مثل "الجهاد" و"الحرب المقدسة" خلال كلمته أن العنف "يتعارض مع الطبيعة الإلهية". غير أن وزير الدولة في الفاتيكان الكردينال تارسيسيو بيرتوني قال إن البابا البالغ من العمر 79 عاما يكن احتراما وتقديرا للمسلمين, ويأمل في أن تفهم كلماته "بمعناها الصحيح". وأضاف أن المقصود من الكلمة كان "رفضا واضحا وجذريا لوجود دافع ديني وراء العنف أيا كان مصدره". وكان الفاتيكان قد اكتفى بإصدار بيانا أمس قال فيه البابا: إنه يشعر بالأسف بعد أن رأى المسلمون أن كلمته عن الإسلام كانت مسيئة لمشاعرهم، معربا عن احترامه لعقيدتهم، وعن أمله في أن يفهموا "المعنى الحقيقي" لكلماته.
وعلى صعيد ردود الفعل على خطاب البابا المثير الذي ألقاه الثلاثاء الماضي، أعلن وزير الخارجية التركي عبد الله جول أنه يتوقع أن يزور البابا تركيا كما كان مقررا في نوفمبر المقبل رغم الغضب الذي تفجر بين المسلمين في أنحاء العالم بسبب تصريحات البابا.
وقال جول للصحفيين في مطار أنقرة الأحد قبل توجهه إلى نيويورك لحضور الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة: "من وجهة نظري، ليس هناك نية لأي تغيير (في موعد الزيارة)".
وقالت صحيفة "أقسام" التركية الأحد: إن جول كتب إلى بنديكت السادس عشر يحثه على عدم إلغاء زيارته إلى تركيا المقررة في الفترة من 28 إلى 30 نوفمبر المقبل، قائلا إنها فرصة مهمة لتعزيز الحوار بين الثقافات المختلفة.
ونقلت "أقسام" عن جول قوله في خطابه: "مسئولية الزعماء الروحيين والسياسيين هي إبراز أوجه التماثل، وليس نقاط الخلاف بين الأديان".
ووصف جول في وقت سابق تصريحات البابا بأنها "مؤسفة"، وقال: إنها ستعرقل جهود تشجيع التفاهم بين الثقافات والديانات في وقت يزيد فيه التوتر في العالم.
أما رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، فحث البابا السبت على الاعتذار عن تصريحاته "القبيحة"، قائلا: "تحدث البابا كأنه سياسي أكثر منه رجل دين". وعندما سئل أردوغان عما إذا كان البابا سيزور تركيا رغم ذلك قال: "لا أعرف".
وكان سياسيون ومسئولو نقابات في تركيا قد لمحوا إلى سحب الدعوة الموجهة إلى البابا بنديكت إذا لم يقدم اعتذارا كاملا عن تصريحاته المسيئة للإسلام وللنبي الكريم.
وسبق لبنديكت أن أثار غضبا في أنقرة قبل أن يصبح بابا عندما أبدى اعتراضه على انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، قائلا: إن هذا البلد لا مكان له في أوروبا.
وكان البابا قد استشهد -خلال محاضرة الثلاثاء حول الخلاف التاريخي والفلسفي بين الإسلام والمسيحية- بحوار دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي ومثقف "فارسي" حول دور نبي الإسلام.
وخلال هذا الحوار قال الإمبراطور للمثقف: "أرني ما الجديد الذي جاء به محمد؟ لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف". كما طالب البابا في محاضرته المسلمين بوقف الجهاد.
وأثارت تصريحات البابا ردود فعل شعبية غاضبة في العالم العربي والإسلامي الذي شهد تظاهرات تنديد ومطالبات للفاتيكان بتقديم اعتذار رسمي.
وجاءت تصريحات البابا في نفس الشهر الذي نشرت فيه قبل عام صحيفة دانماركية العام الماضي رسوما كاريكاتيرية مسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام؛ وهو ما أثار حينها موجة غضب عارمة في العالم الإسلامي.
كما تزامنت مع الذكرى الخامسة لهجمات 11 سبتمبر 2001 على الولاياتالمتحدة، التي أسفرت عن شن واشنطن حربها على "الإرهاب"، التي لم تستهدف سوى المسلمين.
ومنذ شن هذه الحرب غزت القوات الأمريكية -بمساعدة من حلفائها- دولتين مسلمتين هما أفغانستان في أكتوبر 2001، والعراق في مارس 2003. كما ساندت واشنطن العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان في 2006.