هذا الاعتذار غير كاف.. هذا ما اتفق عليه المسلمين في العالم بعد الأسف المقنع الذي أبداه البابا بينديكت السادس عشر على غضب المسلمين من تصريحاته التي أساء فيها للإسلام وللمسلمين يوم الثلاثاء الماضي خلال محاضرة له في ألمانيا، وطالبت الدول الإسلامية وكبار علماء المسلمين باعتذار شخصي من البابا عما بدر منه في حق الإسٍلام والمسلمين، مهددين بإقامة غضبة عارمة يوم الجمعة المقبلة في كل العواصم الإسلامية احتجاجا على استخفاف البابا بعقول المسلمين وتقديم اعتذار غير كاف عما بدر منه. فمن جانبه، دعا العلامة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى تحويل يوم الجمعة المقبل إلى يوم "للغضب السلمي" ضد تصريحات البابا بنديكت السادس عشر المسيئة للإسلام، رافضا اعتبار ما ورد على لسان البابا أمس اعتذارا. كما دعت الكنيسة القبطية بابا الفاتيكان إلى "معالجة" عواقب تصريحاته.
وقال القرضاوي خلال برنامج "الشريعة والحياة" الذي بثته قناة الجزيرة الأحد: "نأسف غاية الأسف أن يقع رجل كبير يمثل طائفة من الطوائف الكبرى في المسيحية مثل البابا في هذا الخطأ وأن يسيء إلى دين عظيم وأمة تبلغ أكثر من مليار".
وأصدر البابا بيانا قال فيه: إنه يشعر بالأسف بعد أن رأى المسلمون أن كلمته عن الإسلام كانت مسيئة لمشاعرهم، معربا عن احترامه لعقيدتهم، وعن أمله في أن يفهموا "المعنى الحقيقي" لكلماته. كما أبدى بابا الفاتيكان "أسفه الشديد" للغضب الذي سببته محاضرته التي تناول فيها الإسلام بإشارات سلبية.
واعتبر القرضاوي تلك التصريحات "إهانة أخرى" تسم المسلمين بعدم الفهم، وقال: "حين يكون الكلام صريحا لا نسأل عن النيات".
وأضاف: "ما قاله البابا ليس اعتذارا. الاعتذار الحقيقي هو أن يسحب هذا الكلام وأن يحذف هذه الكلمات من نص المحاضرة".
وقال القرضاوي: "إذا أردنا علاقة حقيقية فيجب أن نبدأ صفحة جديدة، نحن تحاورنا مع الكاثوليك، ولكن هذا الحوار أصبح فاشلا بهذه التصريحات".
وقال القرضاوي: إن تصريحات البابا تؤصل لفكرة الرئيس الأمريكي جورج بوش التي تحدث عنها قبل عدة أسابيع عن "الفاشية الإسلامية". وأوضح قائلا: "هذا الذي نقرؤه هو تبرير لما تقوم به القوة العظمى الوحيدة وما يفعله اليمين المتصهين، وهو يعطي غطاء دوليا لما يفعله بوش".
ودعا الفقيه البارز سفراء العرب والمسلمين في الفاتيكان إلى أن "يقدموا احتجاجا واضحا ولا يشاركونهم في احتفالاتهم.. فالمسلم عزيز ولا يرضى بالهوان".
ومن جهة أخرى دعا القرضاوي المسلمين إلى التظاهر يوم الجمعة المقبل للتعبير عن رفضهم لتصريحات البابا مشددا على ضرورة أن تكون تلك التظاهرات سلمية.
وقال: "ندعو المسلمين في يوم الجمعة القادم، آخر جمعة من شهر شعبان، أن يجعلوه يوم غضب عاقل، نريد غضبا سلميا غير متهور".
وأضاف: "يجب أن يكون غضبا حكيما.. فالجمعة يوم مؤتمرات وخطب، من استطاع أن يتظاهر فليتظاهر، ومن لم يستطع فليعتصم بالمساجد الكبرى".
وطالب المسلمين بعدم التعرض للكنائس ودور العبادة، وأعرب عن أسفه لحوادث الاعتداء على كنائس في الضفة الغربية خلال اليومين الماضيين.
وتأتي تصريحات البابا في نفس الشهر الذي نشرت فيه صحيفة "يولاندز بوستن" الدانماركية العام الماضي 12 رسما كاريكاتيريا مسيئا للرسول صلى الله عليه وسلم، التي أثارت مظاهرات واسعة في أنحاء العالم الإسلامي أوائل العام الجاري تحولت إلى العنف في بعض الأحيان بعدما قام عدد من الغاضبين باستهداف سفارات غربية في عدد من العواصم الإسلامية احتجاجا على الإساءة للنبي.
وتصدى علماء مسلمون لأعمال العنف تلك وطالبوا الشعوب العربية والإسلامية بتغليب الحكمة وب"الغضب العاقل" على الإساءة. وهذا ما أيده أمين عام الاتحاد محمد سليم العوا الذي قال لفضائية "الجزيرة": "ما لم يسحب النص من المحاضرة فستبقى الإساءة قائمة". والإخوان المسلمون في مصر اعتبروا أن توضيحات البابا غير كافية والمطلوب هو اعتذار واضح. بينما بعث الحاخام السفارادي (لليهود الشرقيين)الأكبر في "إسرائيل" شلومو عمّار برسالة إلى الشيخ يوسف القرضاوي في قطر عبّر فيها عن أسفه على أقوال البابا بنديكت السادس عشر حول النبي محمد والإسلام.
وأفاد موقع هآرتس الالكتروني أمس الأحد أن الحاخام عمار كتب للشيخ القرضاوي أن "طريقنا هي احترام كل ديانة وكل أمة وشعب وفقا لطريقتهم, وحتى عندما يكون هناك صراع بين شعوب لا يتوجب تحويله إلى حرب أديان".
وبعث الحاخام عمار رسالته إلى الشيخ القرضاوي الموجود في قطر باللغة العربية مساء أمس بواسطة زعيم الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية في "إسرائيل" الشيح عبد الله نمر درويش. وأشارت هآرتس إلى أن عمار لم يكتب رسالته على ورق رسمي وإنما قالها لحاخام مستوطنة تقواع في الضفة الغربية مناحيم فرومان الذي سلمها بدوره إلى الشيخ درويش.
وأضاف الحاخام فرومان إلى رسالة الحاخام عمار الموجهة إلى الشيخ القرضاوي أن "كل يهودي تعلم في كتابات حاخامينا الكبار وأولهم الرمبام (المقصود الحاخام موسى بن ميمون) عليه السلام, يعلم بأن كبار مفكرينا كتبوا باللغة العربية وعاشوا داخل دول إسلامية وشاركوا كبار العلماء المسلمين جهودهم في تفسير أقوال الله بموجب أصول الحكمة". وتابع فرومان "نحن نعلم أنه في الصراع الدموي القاسي عندنا منذ بداية الصهيونية مع الإسلام بأن الحرب بين اليهود والمسلمين هي من أعمال الشيطان الملعون, ونحن نعلم أن الإسلام على اسم السلام".
شنودة يطالب البابا بالاعتذار وفي القاهرة، وفي إطار ردود الفعل على تصريحات البابا، قال بطريرك الكرازة المرقسية وبابا الإسكندرية البابا شنودة الثالث إنه كان ينبغي على بابا الفاتيكان أن يضع في اعتباره ردود الفعل الغاضبة من المسلمين قبل أن يستشهد بمقولات قديمة تثير مشاعرهم الدينية.
وأضاف في مؤتمر صحفي عقده بمقره البابوي الأحد "كنت أود أن يحسب حسابا لردود الفعل للتصريحات، أما وقد صرح وانتهى الأمر فيبقى عليه أن يعالج ردود الفعل الغاضبة وهو يعرف كيفية العلاج".
كما دعا شنودة "الأقباط المصريين إلى أن يحتفظوا بمحبتهم على المستوى المحلي ولا يتأثروا بما يحدث في الخارج من أفكار".
وقال بابا الإسكندرية كان ينبغي على بنديكت السادس عشر أيضا أن يذكر ما ورد من ردود العالم المسلم على الإمبراطور البيزنطي في وصف الإسلام والمسلمين، لا أن يجتزئ الحوار.
عاكف يدعو لتجاهل إساءات بينديكت من جانبه، جدد محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين رفضه لتصريحات بابا الفاتيكان شكلاً وموضوعًا، ودعا إلى إخمادِ نيران الفتنة التي تؤججها مثل هذه التصريحات، معتبرًا أنَّ واجب كل المسلمين التصدي بقوةٍ لمحاولاتِ إشعال فتيل الفتن بين المسلمين والمسيحيين والتي من العجيب أن يؤجج نيرانها أحد رموز الديانة المسيحية. واعتبر عاكف ما قامت به الجموع المسلمة للتعبير عن غضبها إزاء هذه التصريحات سواء عن طريق الحكومات والأنظمة أو الاحتجاجاتِ الشعبية موقفًا مهمًّا وضروريًَّا حتى يعلم العالم كله أنَّ المسلمين لا يقبلون مثل هذه الاتهاماتِ غير المنطقية أو المبررة.
وقال المرشد العام: إنَّ تصريحاتِ بابا الفاتيكان لو أخذناها بحسنِ نية فإنها تُعبِّر عن جهله التام بالإسلام كدينٍ وبالمسلمين كأمةٍ لها تاريخها، أما إذا أخذناها من المأخذ الآخر فسيعتبره السواد الأعظم من المسلمين حليفًا لقوى الشرِّ في العالم بقيادةِ الصهيونية الأمريكية ضد العالمين العربي الإسلامي بل ضد كل ما هو إنساني.
وأضاف: إننا كمسلمين مأمورون أن نتعامل بمنطقِ سماحة ديننا ورحابةِ شريعتنا مستندين على أصلٍ رباني هو قول الحق: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: من الآية 13). ورغم ما حوته التصريحات من إساءةٍ للإسلام والمسلمين إلا أنَّ المرشدَ العام أعرب عن أمله في اعتبارها صفحةً طُويت دون الرجوع إلى ملابساتِ الإدلاء بها حتى لا تُمثل حجر عثرةٍ في علاقةِ المسلمين بالمسيحيين على مستوى العالم، وهو ما يجب على كل مسلمٍ أن يلتزم به، ضاربًا المثال والنموذج في القدرةِ على البناءِ والتواصلِ، سواءٌ اعتذر البابا أم لا، وسواء أصدر أحد كرادلته بيانًا يُصحح فيه موقفه أم لم يُصدر. وقال محمد حبيب نائب المرشد العام للإخوان المسلمين: "نحن نعتبر تصريحات البابا تراجعا عن تصريحاته السابقة (..) وهي خطوة جيدة في اتجاه الاعتذار". غير انه أضاف على موقع الجماعة الالكتروني أن "تراجع البابا غير كاف (..) ولن نقبل بأقل من الاعتذار". ويبدو أن شكل الاعتذار الذي قدمه البابا يوم أمس لم يكن كافيا للمسلمين. فقد اعتبرت ماليزيا تصريحات البابا غير كافية، وطالبته باعتذارات عميقة. وقال وزير الخارجية الماليزي السيد حميد البار إن "المسلمين يشعرون بالإهانة وإعلان البابا الذي عبر فيه عن أسفه للغضب الذي أثارته تصريحاته بألمانيا, لن يهدئ الغضب لأن البابا أعلى سلطة في الفاتيكان".
شيراك يدعو لتفادي التوتر الديني ومن جانب أخر، دعا الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى تفادي كل ما من شأنه إثارة التوترات بين الشعوب أو بين الأديان, وإلى تجنب الخلط بين الإسلام وبين التطرف. وتأتي تصريحات شيراك التي نقلتها عنه إذاعة أوروبا الأولى, كمحاولة لتهدئة الغضب العربي والإسلامي على تصريحات البابا بنديكت ال16 المسيئة للإسلام. وقال شيراك للإذاعة قبل توجهه إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة إن "الإسلام دين محترم ويستحق بالطبع الاحترام, ولا يجب الخلط بينه وبين الإسلام المتطرف, لأنه شيء مختلف تماما, وهو تيار ذو طبيعة سياسية". غير أن الرئيس الفرنسي أوضح بأنه "ليس من اختصاصه أو نيته التعليق على تصريحات البابا", مشيرا إلى أنه يتحدث "على الصعيد العام وفي إطار الحوار بين الحضارات والثقافات". واعتبر شيراك بصورة عامة أن التوترات والاختلالات في العالم تزداد حدة. وفي جاكرتا، عبر الرئيس الاندونيسي سوسيلو بامبانغ يودويونو عن أسفه للتصريحات التي أدلى بها البابا بنديكت السادس عشر حول الإسلام والجهاد, داعيا في الوقت نفسه الى حماية "الوفاق" بين مختلف الديانات في اندونيسيا اكبر بلد اسلامي لجهة العدد. وأضاف, "أقول للشعب الاندونيسي وخصوصا للمسلمين, وان كنت اتفهم مشاعرهم, تحلوا بالصبر وتمالكوا انفسكم ولنسمح للوحدة بالاستمرار بما في ذلك الوفاق بين المؤمنين". وفي موسكو دعا الرئيس فلادمير بوتين الذي تعد بلاده 20 مليون مسلما (15 بالمئة من السكان) "قادة كافة الطوائف في العالم إلى التحلي بالمسؤولية وضبط النفس". في هذه الأثناء هددت مجموعتان مسلحتان عراقيتان في بيانين نشرتاهما اليوم على مواقع إسلامية, بالانتقام من الفاتيكان ودعت احدى المجموعتين "امة الإسلام" الى الحذر من اليهود والنصارى الذين "يناصبون ديننا العداوة والبغضاء".
ويبدو ان حالة التوتر ستتواصل في الايام القادمة على الاقل, خاصة مع وجود العديد من الأصوات التي عبرت عنها اليوم الصحافة العربية, التي تطالب البابا باعتذار واضح وليس بمجرد الاسف او التعبير عن الحزن.
واعتبرت العديد من صحف الخليج اليوم ان تعبير البابا بنديكت السادس عشر عن الاسف لتصريحاته التي اعتبرت مسيئة للاسلام "غير كاف" وطالبت بان يعتذر البابا عن هذه التصريحات لتهدئة غضب المسلمين.
وأغلقت المدارس الدينية في إيران اليوم أبوابها احتجاجا على تصريحات البابا في حين قال حجة الإسلام احمد خاتمي أمام مئات المتظاهرين: إن "على البابا ان يقدم اعتذارا" للمسلمين. ومن المقرر ان يتظاهر طلاب إيرانيون اليوم الاثنين أمام سفارة الفاتيكان في طهران. كما قررت النقابات المهنية في الأردن تجمعا مماثلا الاثنين أمام ممثلية الفاتيكان في عمان. من جهتها، طلبت وزارة الداخلية الايطالية من جميع رؤساء الشرطة رفع مستوى حماية الامن القومي بعد التهديدات التي صدرت عن بعض الجماعات الاسلامية ردا على تصريحات البابا كما ذكرت وكالة الانباء الايطالية اليوم .
وأوضحت الوكالة ان المرسوم يدعو رؤساء الشرطة الى تكثيف التحريات في الاوساط الإسلامية لتفادي حدوث "تظاهرات او تحركات عنيفة" مضيفة ان الدعوة الى تعزيز الامن صدرت مساء السبت. وكانت جماعة "جيش المجاهدين" العراقية هددت باستهداف روما والفاتيكان ردا على أقوال البابا. وجاء في البيان الصادر عن الهيئة الشرعية للجماعة "قسما برب الكون إن صليبهم في قلب روما لا نشك سيسحق, روما سيفتحها جنود محمد".