صَعَّدَت العديد من الأطراف الدولية والسودانية الداخلية من ضغوطها على حكومة الخرطوم لقبول خيار إرسال قوات حفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة إلى إقليم دارفور غرب السودان؛ حيث أكَّد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان عدم مشروعية الأعمال العسكرية التي يقوم بها الجيش الحكومي السوداني في الإقليم، وطالبت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس الخرطوم بقبول الخيار الدولي في الإقليم. من جهة أخرى اتَّهم حزب المؤتمر الشعبي المعارض في السودان مُجدَّدًا حكومةَ الخرطوم بالوقوف وراء مشكلة دارفور؛ بسبب عدم وفائها بما قال إنَّه إقامة النظام الفيدرالي المتفق عليه مع الأطراف المعارضة للحكومة السودانية.
وقال المسئول السياسي للحزب الدكتور بشير آدم رحمة- في تصريحات لقناة (الجزيرة) الفضائية-: "إنَّ حزب المؤتمر الوطني الحاكم قد تراجَع عن تنفيذ هذه الفيدرالية بعد انشقاقه وبات هذا المبدأ مجرد تسمية غير موجودة على أرض الواقع".
ورأى رحمة أنَّ تفعيل مبدأ تقاسم الثروة والسلطة وضمان حقوق الأقاليم هو السبيل للخروج من أزمة دارفور والأزمات الأخرى التي تعاني منها السودان، وزعم أنَّ تَوَجُّه الحكومة السودانية نحو الحسم العسكري لأزمة دارفور في العام 2003م ودخولها كطرف في الأزمة بوقوفها إلى جانب بعض الميليشيات قد زاد الأمور سوءًا في دارفور؛ بسبب المجازر وعمليات النزوح الجماعي التي نجمت عن هذا التوجه, بحسب قوله.
وفي موقف غريب دافع رحمة عن دعم حزبه لقرار مجلس الأمن الدولي الجديد رقم (1706) الداعي إلى نشر قوات أممية في دارفور بدلاً من قوات الاتحاد الأفريقي، وادَّعَى أنَّ هذا القرار "لم يأتِ من فراغ، بل كان مبنيًّا على القرار الأممي 1590 والذي وافقت حكومة الخرطوم بموجبه على دخول قوات دولية لتنفيذ اتفاق نيفاشا الموقَّع بينها وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان".
وقال إنَّ القرار الجديد جاء بسبب رفض الحكومة وقف ما دعاها ب"عمليات القتل في دارفور"، مشيرًا إلى أنَّ الحزب قد قَبِلَ بهذا القرار رغم معارضته له من حيث المبدأ "حرصًا منه على حياة المدنيين في الإقليم".
وحول مواقف الأطراف السياسية السودانية من هذا الملف قال المسئول الحزبي السوداني المعارض إنَّ عددًا من السياسيين والأحزاب المشاركة في الحكومة تدعم هذا القرار، مثل النائب الأول للرئيس السوداني، وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان سالفا كير ميارديت، والحزب الشيوعي والحزب الوحدوي الديمقراطي فضلاً عن غالبية أهالي دارفور، بحسب قوله.
أما من رفضوا القرار فهم المؤتمر الوطني الحاكم والأحزاب الرافضة لتنفيذ اتفاق أبوجا للسلام في الإقليم، مثل حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان؛ لأنَّ القرار الأممي الجديد دعا إلى المضيِّ قُدُمًا في تنفيذ هذا الاتفاق.
من جهة أخرى حذر الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان السودان أمس الاثنين 11 سبتمبر 2001م من أنَّ أعمال القصف التي ينفِّذها الجيش الحكومي السوداني وإجراءات نشر قواته في منطقة دارفور "غير مشروعة" و"توقع المزيد من الكوارث ما لم يتم نشر قوات للأمم المتحدة" بحسب قوله، ولكن عنان لم يحدد وجهة عدم مشروعية هذه الإجراءات على المستوى القانوني أو السياسي.
وأعاد عنان التذكير بالإبادة الجماعية التي وقعت في رواندا في العام 1994م، قائلاً: "هل يمكن للمجتمع الدولي الذي لم يفعل ما يكفي لشعب رواندا في وقت احتياجه أن يكتفي فقط بالمشاهدة بينما تتعمَّق هذه المأساة"، وقال أمام مجلس الأمن الدولي: "هذا ليس وقت أنصاف الحلول والإجراءات غير الكاملة أو المزيد من النقاش".
وأضاف عنان أنَّ الآلاف من الجنود السودانيين قد تمَّ نشرُهم في دارفور "في انتهاك صريح" لاتفاق السلام الموقَّع من قبل الحكومة وأحد فصائل المتمردين في مايو الماضي، وتابع قائلاً: "والأسوأ من ذلك أنَّ المنطقة عُرضةٌ لأعمال قصف جوي مُتَجَدِّد.. أنا أُدين بشدة هذا التصعيد، ويتعيَّن على الحكومة السودانية أنْ تُوقف هجومها على الفور".
ونقلت وكالة (رويترز) للأنباء عن عنان قوله إنَّ رفض الحكومة السودانية لإرسال قوات سلام دولية إلى دارفور يمكن أن يؤدي إلى "المزيد من الوفيات والمعاناة ربما على نطاق كارثي" بحسب قول عنان، وحذََّر من أنَّه "لا يجب أنْ يتصور أحد من أولئك الذين يقررون هذه السياسات أو الذين ينفذونها أنَّهم لن يُحاسَبوا" في إشارةٍ إلى إمكانية فرض عقوبات على مسئولين سودانيين.
من جهته قال سفير السودان الدائم لدى الأممالمتحدة ياسر عبد السلام أثناء مناقشات مجلس الأمن الدولي إنَّ الأعمال التي تقوم بها الخرطوم تأتي ضمن اتفاق سلام أبوجا، وقال إنَّ الخرطوم ملتزمةٌ باتفاق مايو للسلام الذي نص على دمج قوات المتمردين مع قوات الحكومة.
وأشار إلى أنَّه سوف يتم نشر 6 آلاف جندي حكومي بحلول الثلاثين من سبتمبر الحالي و10 آلاف آخرين بحلول 31 ديسمبر المُقبل، وأدان قرار مجلس الأمن رقم (1706) الذي صدر في 28 أغسطس ووصفه بأنَّه "إجراء مُتسرِّع" يرقى إلى أنْ يكون "حوارًا من طرف واحد".
كذلك أحجمت الدول المؤيدة للموقف الرسمي السوداني من أعضاء جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي عن تأييد إرسال قوة دولية إلى دارفور، وقال عنان- في إشارة واضحة إلى هذه الأطراف-: إنَّ صوته ليس كافيًا، وإنًَّ "زعماء في أفريقيا وغيرها يجب أن يستخدموا نفوذهم"، وأضاف قائلاً إنَّ على المجلس أنْ يُصْدِر "رسالةً قويةً وموحدةً".
واشنطن لم تكن غائبةً عن المناقشات؛ حيث قال المبعوث الأمريكي ويليام برينكيك إنَّ تعليقات عنان يجب "أنْ يتردد صداها من هذه القاعة إلى القصر الرئاسي في الخرطوم"، وقال في مَعْرِض ردِّه على عبد السلام إنَّ "النقطة التي أغفلها هي التزام محدد من الحكومة السودانية لمعالجة الوضع الإنساني في دارفور بالموافقة على نشر قوات الأممالمتحدة".
وقال برينكيك إنَّه بصدد توزيع بيان رئاسي كي يصدر عن مجلس الأمن الدولي ويجعل المجلس "يتحدث بصوت واحد ويقول للسودان: اعمل معنا لأنَّ الوضع في دارفور لا يمكن أنْ يستمر".
من جهتها قالت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس أمس إنَّها دعت الحكومة السودانية "بأقوى التعبيرات الممكنة" إلى قبول نشر القوة التابعة للأمم المتحدة في منطقة دارفور، غير أنَّ رايس التي اجتمعت مع وزير خارجية السودان لام أكول في واشنطن قالت إنَّها لم تلمس "فيما يبدو" أي بادرة تشير إلى أنَّ الخرطوم ستتخلَّى عن اعتراضها على نشر مثل هذه القوة.
وقالت رايس للصحفيين: "لا أقول إنَّنَا حقَّقْنَا تقدمًا، بل أقول إنَّني نقلت أقوى رسالة ممكنة بأقوى التعبيرات الممكنة إلى الحكومة السودانية، والتي تُفيد بأنَّ أيَّ أمل في تحسين العلاقات بين الولاياتالمتحدة والسودان يتوقف على تعاون السودان في ملف القوة الدولية".