أليس الانسان بريئا حتى تثبت ادانته ؟ .. أنا أعلم أن هذا التعبير في مفهوم العدالة هو تعبير مطلق سواء في مفهوم العدالة الاسلامي أو مفهوم العدل في القوانين الوضعية . وأليس العدل أساس الملك ؟ .. ما يجعلني أتحدث عن هذه المفاهيم على شكل السؤال هو ما يجري هذه الأيام في أرض الكنانة والذي تحولت معه القاعدة القانونية لتصبح أن الانسان مدان الى أن تثبت براءته . وعلى رغم القاعدة القانونية التي تؤكد أن البينة على من ادعى فقد أصبح الادعاء هو الأمر الأسهل للغاية فيكفي أحدهم ان يملأ ورقة بقائمة اتهامات مرسلة ضدك ويتقدم بها للنيابة العامة أو الى جهاز الكسب غير المشروع فيصبح اسمك في لمح البصر في كل مواقع الانترنت ووسائل الاعلام المسموعة والمكتوبة والمرئية مقرونا بكل الاتهامات التي قد تكون وردت في قائمة الاتهامات المرسلة . ولأن كل القواعد والأعراف والأخلاق التي كانت متبعة تفرض عدم الكشف عن الاسم الكامل لأي متهم بأي من طرق النشر ما لم يصدر حكم نهائي بات لا استئناف له بادانته فانني مندهش من حال الفلتان التي تسمح بتداول اسماء للابرياء من البشر بصفتهم متهمين بل وتنشر صورهم على رغم أن مجرد وصف انسان بأنه متهم هو في حد ذاته انتهاك لانسانيته التي تمنحه البراءة والحرية بمجرد ولادته . وفي ظل وسائل الاعلام غير المنضبطة التي لا تفرق بين اتهامات مرسلة في بلاغ وبين اتهام رسمي جاء بعد تحقيقات قانونية فالأمر يتحول من مجرد اتهام مرسل لم يتم التحقق منه بعد الى ما يشبه الادانة وبهذا تتأثر سلطات التحقيق فتستسهل اتخاذ قرارات مثل الحبس على ذمة التحقيق أو الاحالة الى المحاكم . واذا كانت مثل هذه الأجواء كفيلة باثارة نوع من أنواع الادانات الجماعية وكأن كل البشر فاسدون وحرامية وقطاع طرق مما يؤثر على المجتمع اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا فان المقهورين أكثر يكونون هم هؤلاء البشر الذين يجدون أنفسهم في مواقع الادانة المعنوية والأدبية قبل حتى بدء سلطات التحقيق عملها . ولم نسمع ابدا أن النيابة العامة اتخذت قرارا واحدا باحالة صاحب بلاغ ثبت كذبه الى المحاكمة من اجل ردع الكذابين . لا يعجبني : رفض جماعة الأخوان المسلمين السماح لوسائل الاعلام بتغطية اجتماع اول مجلس شورى للجماعة في العلن . فعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية تحديدا وقبلها طبعا عانت جماعة "الأخوان المسلمين " كثيرا من القمع الأمني وكانت الجماعة تبذل جهودا حثيثة من أجل مكافحة سياسة الحظر الاعلامي على أنشطة الجماعة التي كان الاعلام الحكومي يصفها بالمحظورة . وكانت هناك بعض المؤسسات الاعلامية التي تحرص على تغطية أخبار الجماعة على رغم الخطر الذي كان يمثله ذلك بالنسبة اليهم . لذلك يصبح قيام الجماعة نفسها بفرض حظر على وسائل الاعلام الراغبة في متابعة أنشطتها وترك الأمر فقط لموقع الجماعة على شبكة الانترنت أمرا عجيبا ومثيرا للغرابة . فلا اعتقد أن الجماعة بعد حصولها على حقها في العمل العلني ترفض وجود رقابة اعلامية على مثل هذا الاجتماع المهم لمجلس شورى الجماعة أيا ما كانت المبررات الا اذا أعلنت الجماعة ان الاجتماع سري ! . يعجبني : كل ما تكتبه الدكتورة لميس جابر في مقالها الأسبوعي بصحيفة "المصري اليوم " فالدكتورة أكدت تميزا كبيرا ككاتبة صحفية لا يقل روعة عن تميزها في الكتابة الدرامية التي تابعناها في مسلسل "الملك فاروق" قبل عامين . أهم ما تتميز به الدكتورة لميس هو أسلوبها الساخر الذي تخلط فيه ما بين خفة الدم والانتقادات الحادة لسلوكيات جماعية ومجتمعية . وعلى رغم مواقفها المبدئية المؤيدة لثورة 25 يناير الا أن الدكتورة لميس لم تتوقف عن انتقاد سلوكيات الكثيرين من الذين ركبوا الموجة الثورية وجعلوها تتذكر كل المشاهد المأساوية التي وقعت في مصر بعد ثورة يوليو 1952 من محاولات لاهالة التراب ودفن اي صور ايجابية في مصر قبل الثورة . ولاحظت الدكتورة لميس – كما لاحظ كثيرون غيرها – حالة الضعف والهزال التي أصابت النشرات الاخبارية في التلفزيون المصري حيث عاد اعلام الخبر الى الرؤية الأحادية والعين الواحدة والرأي الواحد . وعن هذا تقول : " يعني قبل 25 يناير كان رأي واحد "شمال" بعدها بقى رأي واحد برضه بس "يمين" وكأنك يا أبو زيد ما عملت اي حاجة في عيشتك , " ولعل أوضح الأمثلة على ذلك أن المذيع التلفزيوني تامر حنفي اضطر الى عمل مقدمة طويلة جدا في برنامج "من القاهرة" من أجل تبرير اقدامه على الاشارة الى خبر وجود مئات المتظاهرين الرافضين لمحاكمة الرئيس السابق حسني مبارك أمام مبنى التلفزيون ملمحا الى خوفه من عقاب ما على تجرؤه بالاشارة الى خبر حقيقي ! . لايعجبني : التنافس المحموم بين وسائل الاعلام القومية "الحكومية سابقا " وخصوصا في الصحافة المكتوبة في اثبات أنها اصبحت "ثورية " وذلك بمضاعفة حجم الصفحات التي تمتليء شماتة من النظام السابق . ولو كانت المعلومات التي تضمها تلك الصفحات صحيحة لكان الأمر هينا لكن أن تكون في معظمها معلومات مفبركة واخبارا استنتاجية فتلك هي المصيبة . والاتهام بالفبركة والمبالغات ليس من عندياتي لكنه ورد على لسان المستشار عبد العزيز الجندي وزير العدل في حواره مع صحيفة "الأهرام " العريقة يوم السبت (أول أمس ) واليكم ما قاله حرفيا : سؤال :هل ما تنشره وسائل الإعلام من تحقيقات لمبارك وعائلته حقيقي؟ الوزير : ما ينشر في جميع وسائل الإعلام من تحقيقات مع مبارك وعائلته وأي متهم سياسي عار تماما من الصحة ومجرد توقعات وفبركة, حيث إن التحقيقات مع أي مواطن متهم سرية ما بين المحقق والمتهم والدليل ما أدعته الصحافة عن أنه قد تم التحقيق مع أولاد صفوت الشريف الثلاثة في حين أنه تم التحقيق مع نجله ونجلته فقط لأن شقيقهم شريف مسافر في الخارج . ما يحدث حاليا من إثارة للترويج والدعاية لوسائل الإعلام لأن الأشخاص أصحاب الحق غير قادرين علي تكذيب ما ينشر وينسب إليهم حاليا. اللهم احفظ مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان .