سمير قسيمي.. روائي جزائري شاب. قدم أعمالاً قليلة بحكم السن لكنها لفتت أنظار النقاد والقراء. ووجد فيه الكثيرون امتداداً لمولود فرعون ومحمد ديب وآسيا جبار ومالك حداد والطاهر وطار ورشيد بوجدرة وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي وغيرهم من كبار الروائيين الجزائريين. لكن سمير قسيمي فاجأ الجميع بإعلان نيته هجر الرواية. لأنه حسب قوله كسب عداوات كثيرة من أولئك الذين يكرهون الابداع. ويظنون أنفسهم محور الكون في العملية الابداعية. ولا يقبلون بميلاد مبدع جديد. ويعتبرونه خطراً عليهم.. وكلمات أخري كثيرة. استعادت بها مقولة شوقي عن الشرق الذي شغلنا بهمه والمثل هذه المرة ينطبق علي المبدعين.. العملية الابداعية ليست مقتصرة علي نفسها. ليست مجرد الموهبة. لكنها تواجه شروطاً هي أقرب إلي التعجيز ثمة مبدعون آخرون دقوا الأوتاد في جوانب الارض التي تصوروها خالية. وثمة نقاد الشلة الذين يقرظون أو يرفضون. بقدر انتساب المبدع إلي الشلة أو العكس. ما ذنب المبدع الذي ينظر إلي العملية الابداعية باعتبارها قراءات وخبرات ورؤي ومحاولات للإبداع؟ ما ذنبه إن كان البعض ممن يزاوجون بين شحوب الموهبة وجهارة الصوت يري أن عدوك عدو كارك. هكذا بنص التعبير؟ لماذا يلجأ المهمومون بابداعاتهم بدعوي الرواج الإعلامي إلي تسول الظهور في قنوات التليفزيون وأعمدة الصحف. وإلي توالي التردد علي مكاتب كبار موظفي وزارة الثقافة وصغارهم؟ وما العائد الحقيقي إلا الرغبة في الوجود الشخصي! للجلوس علي المقاهي. والمشاركة في الندوات التي لا يزيد عدد متحدثيها عن عدد الحضور. والمؤتمرات التي تنظم لوجود ميزانية. وليس لوجود فكرة تلح في طلب المناقشة. القرار الذي اتخذه سمير قسيمي علناً هو القرار نفسه الذي اتخذه العديد من المبدعين الجادين في اقطار الوطن العربي. وان اعتبره كل منهم قراره الشخصي الذي لا يحتاج إلي إعلان. المبدع الحقيقي هو الذي يتصور النهاية في التوقف عن الابداع لا قيمة لأي شيء ما لم يكن المبدع مطمئناً إلي موهبته. وإلي قيمة ما يكتب. بعيداً عن ضجيج الإعلام. وانتماءات الشلة وصراعها أحياناً وصكوك النقاد التي يصعب أن تضيف قيمة إلي كتابة لا تستحقها. والعكس بالطبع صحيح. أذكرك بأستاذنا نجيب محفوظ الذي واجه حرباً قاسية في مطالع الخمسينيات من القرن الماضي. لكنه واصل الإبداع. وكسب المزيد من محبي فنه العظيم. حتي تحققت له المكانة التي يستحقها كأكبر روائي عربي. فضلاً عن عالميته التي اكدها فوزه بجائزة نوبل. عناد الثيران هو المعني الذي اختاره محفوظ تعبيراً عن إصراره في الدفاع عن فنه أفضل شخصاً تعبير عناد أمواج البحر. فعناد الثيران بمقتلها علي ايدي الميتادور ومعاونيه. أما أمواج البحر فهي لا تنتهي! هامش: كتب همنجواي عقب فوزه بجائزة نوبل: "إنها جائزة بلهاء. يمنحها قوم أشد بلاهة لكتاب أثرياء ليسوا في حاجة إليها. وكان الأجدر أن تمنح لكتاب فقراء أحزمة النجاة تلقي في البحر لمن يستغيثون في طلبها. ولا تعطي للجالسين المرفهين في صالونات البواخر الفاخرة.