في أحد أيام شهر مارس 1954 قال جمال سالم وهو واحد من الضباط الأحرار وعضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 "لقد وصل الخلاف بين جمال عبدالناصر وأعضاء مجلس القيادة إلي ذروته مع اللواء محمد نجيب".. الذي ظهر للجميع عند إعلان الثورة علي أنه قائدها. قال: الواضح أن نجيب استطاع أن يكسب المعركة.. وليس أمامنا سوي أن نتراجع مؤقتاً ولهذا أعد جمال عبدالناصر خطة سرية بحيث يتخلي المجلس مؤقتاً عن مسئوليته وأن يختفي تحت الأرض حتي يعد تنظيم نفسه ويجمع قواه ثم يعود إلي مسئولياته من جديد. كانت التطورات تتلاحق بسرعة رهيبة وتتدافع علي طريق الأزمة بين نجيب والمجلس.. رغم أنه كان قد استعاد جميع مناصبه كلها. لكنه كان يشعر في قرارة نفسه بأنه مجرد من سلطة علي الجيش - خصوصاً بعد تعيين عبدالناصر وعبدالحكيم عامر لمعظم قادة الوحدات ولذلك كان يريد العودة إلي القيادة العامة حتي يضمن نتيجة الصراع وطلب من الدكتور عبدالرازق السنهوري الفقيه الدستوري أن يعد مشروعاً بأن يكون تعيين قيادات الوحدات في القوات المسلحة بقرار جمهوري.. كذلك طرح رئاسة الجمهورية للاستفتاء الشعبي لأنه كان يشعر أنه رئيس جمهورية "بالتعيين"!! وهكذا أصبح الأمر معقداً وحرجاً بالنسبة لجمال عبدالناصر وأعضاء مجلس الثورة ولم يكن أمامهم غير التراجع بشكل أو بآخر حتي يمكن تجاوز هذه الأزمة. الغريب أن عبدالناصر في بداية الثورة كان يعارض الحكم الديكتاتوري العسكري الذي يفرض سلطته بالقوة علي الشعب.. وفي نفس الوقت وجدت الأحزاب والقوي السياسية المضادة في هذا التمزق الخطير بين عبدالناصر ونجيب فرصة لتوجيه ضربة انتقامية ضد الثورة.. ولكنها لم تفلح.. خصوصاً أنه لم تكن هناك علاقة بين مجلس قيادة الثورة والأحزاب التي تم حلها.. ولكن كانت هناك علاقات راسخة مع الإخوان المسلمين التي بدأت عندما قام حسن البنا بإجراء اتصالات بأفراد الجيش منذ بداية الحرب العالمية الثانية فقد كان يوجه الدعوة إلي بعض الوحدات العسكرية في المناسبات الدينية ويتحدث إلي الضباط والجنود عن الإسلام وقد تعرف حسن البنا بأنور السادات من خلال تلك اللقاءات.. وكانت لها صدي واسع مما جعل عدداً كبيراً من الضباط والجنود يحرصون علي حضور دروس الثلاثاء التي كان يلقيها بالمركز العام بالحلمية. في شهر أكتوبر سنة ..1942 انضم النقيب جمال عبدالناصر إلي اجتماع درس الثلاثاء.. وهكذا تكونت الخلية الرئيسية التي ضمت مجموعة الضباط الأحرار. وقد ذكر أحد أعضاء المجموعة أنه ألمح علي الشيخ حسن البنا أن يعلن برنامجاً واضحاً يقدم خلاله حلولاً عملية لمشاكل الناس فاجأبه لو وضعت برنامجاً لأرضيت البعض وأغضبت آخرين وأنا لا أريد ذلك.. وظلت خلية عبدالناصر تعمل سراً حتي توقف نشاطها بعد قيام حرب 48 ومقتل الشيخ حسن البنا سنة ..1949 وبعد قيام الثورة استمرت العلاقة بين الإخوان والثورة إلي أن شعر عبدالناصر أن هناك خطراً منهم علي نظام الحكم.. فقرر الابتعاد عنهم ثم اعتقل عدداً كبيراً منهم.. وكانت هذه الاعتقالات تتوالي كلما رأت المخابرات أن هناك محاولات لقلب نظام الحكم - كما كان يقال.