كلما غاب عن ذاكرتي حدث من أحداث ثورة 25 يناير علي مدي عمرها الذي امتد أكثر من عام حتي الآن سارعت إلي المرجع الجامع الذي جمع تفاصيل وقائعها يوماً بيوم ولحظة بلحظة وضمها "كتاب الجمهورية" بعنوان "2011 عام الثورة" لمؤلفه الزميل الشاب عثمان الدلنجاوي" لأجد فيه من المعلومات ما تقربه عيني وينشط ذاكرتي. هذا الكتاب الذي وقع في أكثر من ألف صفحة لم يغادر صغيرة ولا كبيرة من أحداث الثورة الا أحصاها خبراً وتحليلاً واستنتاجاً وعرضها في تسلسل رشيق سهل لابحار الباحث في استخراج المعلومة التي يريدها وكأنه معجم مفهرس. "2011 عام الثورة" ضم تسعة فصول بدأت بأسباب قيام الثورة سواء أكانت أسبابا مباشرة أم غير مباشرة. وكيف كان النظام السابق يري المجتمع المصري يموج بغضب مكتوم في الصدور ولا يصدق أن البركان سينفجر حتي وقع ما وقع من مظاهرات في 25 يناير تحولت إلي ثورة عارمة. وتتسلسل فصول الكتاب واحدا بعد الآخر من "أيام الغضب والثورة حتي تم اسقاط رؤوس النظام في 18 يوماً فقط" انها أيام مليئة بأحداث جسام انقشع خلالها ظلام الظلم وهوي الطاغوت ولكن الثمن كان باهظا بسقوط مئات الشهداء وآلاف المصابين من شباب مصر الأعزاء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فأوفوا بالعهد لبلدهم مصداقا لقول الله عز وجل "إن العهد كان مسئولاً". وتنجح الثورة.. ويترتب علي النجاح تعديلات دستورية تتواكب مع متطلباتها ومسيرتها بإصدار اعلان دستوري جديد وقوانين ترسم طريق المستقبل للفترة الانتقالية.. ولا يغفل الباحث المدقق عثمان الدلنجاوي المعارك الخلافية التي دارت بين الأطياف السياسية حول مبادئ الدستور.. ثم ينتقل إلي الحدث الذي شغل مصر والعالم كله وهو محاكمة مبارك وأعوانه والتي أطلق عليها "محاكمة القرن". ويخوض بنا الدلنجاوي بحر هذه المحاكمات بتفاصيلها والاتهامات الموجهة إلي رؤوس النظام السابق بقتل المتظاهرين في أحداث متلاحقة من موقعة الجمل إلي مذبحة ماسبيرو إلي شارع محمد محمود ثم مجلس الوزراء. وفروع هذه المعارك في كل المحافظات. ثم يعرج بنا إلي ثروات أهل القمة من رؤوس هذا النظام والانحرافات التي أدت إلي تضخمها.. وما صاحب هذه الأحداث من احتجاجات واعتصامات ومظاهرات فئوية حتي ينتهي إلي بداية اقامة الحياة الديمقراطية السليمة بإجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة تحت اشراف قضائي ومتابعات ومراقبات داخلية وخارجية شهد بها العالم أجمع. وإذا كانت النتائج تقاس دائما بالمقدمات فإن هذا الكتاب محصلة هائلة لجهد رائع بذله عثمان الدلنجاوي أياما وليالي طويلة جفاه فيها النوم حتي تحقق له ما أراد الأمر الذي جعل الزميل الأستاذ خالد بكير رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير يثمنه ويقدره ويثني علي مؤلفه. الكتاب إلي جانب ما يضمه من أحداث يحمل في طياته العبرة لكل من تسول له نفسه من الحكام سلوك طريق البغي والجبروت وقهر الشعوب. "إن ربك لبالمرصاد". صدق الله العظيم