صدمني التحذير قبل أن أبدأ تلخيص كتاب "مروج الذهب" للمسعودي. بمبادرة طيبة من صديقي المحقق والباحث سعيد عبدالفتاح. لا أحاول العبث بحذف ولا إضافة ولا تلخيص. والدعاء علي من يتدخل في مادة الكتاب علي أي نحو. بالمرض والعذاب والموت ومصائب أخري. اعتبرت الكلمات تخويفاً لسارقي الكتب في زمن المسعودي. السرقات الأدبية- كما تعلم- ليست وقفاً علي زمننا الحالي. صدر عن المتنبي العظيم كتاب عنوانه "الإبانة عن سرقات المتنبي". أرجع فيه معاصرو الشاعر وشعراء الأجيال التالية. الكثير من قصائد المتنبي إلي شعراء آخرين. وإلي فلسفة أرسطو. تناسيت تحذير المسعودي وبدأت إعادة القراءة. فقد قرأت الكتاب في طبعة "كتاب التحرير" الذي أصدر الكثير من كتب التراث المهمة. فضلاً عن كتب المعارف العالمية. بمبادرة من المثقف الكبير الراحل إسماعيل شوقي. قام بكل الخطوات. بداية من الاختيار إلي متابعة احتياجات القراء. ولقي- للأسف- جزاء قاسياً لقاء حرصه علي وصل التراث القديم بثقافتنا المعاصرة..أتممت قراءة ما يغري بالتلخيص. وبدأت الكتابة علي الكمبيوتر. لكن البطاقة التي ظهرت- فجأة- تعتذر عن الخطأ. وأن اتخاذ بعض الخطوات سيعيد إلي شاشة الكمبيوتر ما كنت كتبته. لكن الشاشة ظلت بيضاء. أغلقت الجهاز. وعدت إلي الكتابة. أرجعت الأخطاء الكثيرة التي لم أعهدها في نفسي إلي التوتر الذي نشأ عن تحذير المسعودي نقرت علي الديليت. وبدأت من الأول. بضعة أسطر. ثم تحول البرنامج- بلا مناسبة- من العربية إلي الإنجليزية. ليست اللغة الإنجليزية. وإنما الكتابة من الشمال إلي اليمين. حاولت التعديل. نقرت علي الأيقونات فعادت الأسطر من اليمين. جريت ببضعة كلمات قبل أن تعود البداية إلي اليسار. حذفت ما كتبت. وبدأت من جديد. توالت الأسطر. فأخرجت لساني للمسعودي وواصلت الكتابة. صفحتين. ثلاث صفحات. وتصورت التلخيص بعد أن أتم القراء التلخيص. وأثبت أن كلمات المسعودي ليست إلا محاولة تخويف لا قيمة لها..في الصفحة الرابعة انطفأ النور فجأة. لم أكن قد حفظت الكتابة. فأغقلت الجهاز. وشردت في تحذير المسعودي: هل ظل الكتاب- طيلة عشرات القرون- بلا محاولات للاقتباس. أو التلخيص. أو الاختصار؟ لما عادت الإضاءة. ترددت في إعادة تشغيل الجهاز: هل المسعودي جاد في تحذيراته. هل مواصلة التلخيص تصيبني بالعمي والشلل والعجز والموت. والمفردات القاسية الأخري التي وعد بها المسعودي من يعبث بكتابه؟ قاومت التردد لثوان. ثم عدت إلي الجهاز. ضغطت زر التشغيل. وفتحت ملفاً جديداً. جريت علي الصفحات بأصابع خائفة في البداية. واثقة في الخطوات التالية. والتصور أمامي بأني سأنهي قراءة الكتاب. وألخصه. بما يجاوز تحذيرات المسعودي وتخويفاته!