تنسيق المرحلة الأولى 2025.. قرار من التعليم العالي بشأن تقليل الاغتراب    برلماني: المشاركة في انتخابات الشيوخ واجب وطني ورسالة لوحدة الصف    تجهيز 476 لجنة انتخابية ل«الشيوخ».. 12 مرشحا يتنافسون على 5 مقاعد فردي بالمنيا    بعد تأكيد الحكومة تجاوز الأزمة.. هل الأسعار في طريقها للانخفاض؟    الري: تنفيذ 87% من قناطر ديروط الجديدة.. وفتح بوابات قنطرة الإبراهيمية    في يوم حقلي بالبحيرة.. "الزراعة" تقدم هجن طماطم مصرية جديدة بإنتاجية عالية    عائلات المحتجزين الإسرائيليين تطالب حكومة نتنياهو بوقف «الجنون» في غزة    عبد المنعم سعيد عن منظمي الوقفات الاحتجاجية أمام سفارة مصر بتل أبيب: لا يستحقون عناء الرد    حكومة غزة: 73 شاحنة مساعدات دخلت القطاع يوم الجمعة ونهبت أغلبها    نقابة الموسيقيين تعلن دعمها الكامل للقيادة السياسية وتدين حملات التشويه ضد مصر    تفاؤل في لوس أنجلوس بإتمام صفقة سون    بدون ربيعة.. العين الإماراتي يهزم إلتشي الإسباني وديا    استقبال رسمي لبعثة التجديف بعد التألق في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    مهدد بالحبس.. القصة الكاملة لاتهام أشرف حكيمي بالاغتصاب خلال889 يوما    وزير الشباب والرياضة يفتتح ملعبًا بمركز شباب المعمورة - صور    انفاتينو يقضي إجازته في العلمين.. ومدبولي يهاتفه    إصابة 5 أشخاص إثر حادث انقلاب سيارة ميكروباص في الشرقية    تراجع منخفض الهند «عملاق الصيف».. بيان مهم بشأن حالة الطقس الأسبوع الجاري    إصابة 9 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص بالشرقية    حكم بعدم دستورية قرار وزاري بإنهاء عقود الوكالة التجارية لمجاوزته حدود القانون    حفل أسطوري .. عمرو دياب يحقق أعلى حضور جماهيري في مهرجان العلمين    نادية مصطفى تنعي محمود علي سليمان: رحل صاحب السيرة الطيبة والخلق الرفيع    ريستارت يصعد للمركز الرابع في شباك التذاكر.. والمشروع X يتراجع للمركز الخامس    وفاء عامر تنفي سفرها للخارج: أنا داخل مصر وأثق في نزاهة القضاء    رئيس جامعة بنها يصدر قرارات وتكليفات جديدة في وحدات ومراكز الجامعة    من الطور إلى نويبع.. عروض فنية ومواهب طفولية تضيء جنوب سيناء (صور)    لا تتسرع في الرد والتوقيع.. حظ برج الجوزاء في أغسطس 2025    أفضل أدعية جلب الرزق وقضاء الديون وفقًا للكتاب والسنة    ما حكم الدعاء داخل الصلاة بقضاء حاجة دنيوية وهل تبطل الصلاة بذلك؟.. الإفتاء تجيب    صلاة الأوابين.. الأزهر للفتوى يوضح أهم أحكام صلاة الضحى    الصحة: فحص 18.4 مليون مواطن ضمن مبادرة الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    الصحة تُطلق منصة تفاعلية رقمية بمستشفيات أمانة المراكز الطبية المتخصصة    ولادة طفل من جنين مجمد منذ 30 عاما|القصة الكاملة    3 مستشفيات تعليمية تحصد جوائز التميز من المنظمة العالمية للسكتة الدماغية    استجابة ل1190 استغاثة... رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر يوليو 2025    طعنة غادرة أنهت حياته.. مقتل نجار دفاعًا عن ابنتيه في كفر الشيخ    النقل: استمرار تلقي طلبات تأهيل سائقي الأتوبيسات والنقل الثقيل    «الخارجية الفلسطينية» تحذر من دعوات تحريضية لاقتحام واسع للمسجد الأقصى غدا    الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ 2025    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب قبالة سواحل مدينة كوشيرو اليابانية    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    تعرف على أسعار اللحوم اليوم السبت 2 أغسطس 2025    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    «خدوا بالكم منه».. إعلان عودة معلول ل الصفاقسي يهز مشاعر جماهير الأهلي    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم العريض واجهة البحرين الثقافية «2-2»: الشعر أقوي من السياسة


الحلقة السابعة
قبل أن تقرأ..
لم تجد «روزاليوسف» من هدية تناسب ولاء قرائها لهذه المطبوعة، سوي نشر سلسلة من اللقاءات والحوارات النادرة التي لم تنشر من قبل مع كبار المفكرين والكتاب والأدباء والفنانين، أجراها الكاتب والإعلامي الكويتي الكبير الدكتور نجم عبدالكريم في فترات مختلفة علي مدي أربعة عقود.
لقد ظلت البحرين مشهورة لدي المثقفين العرب باثنين لا ثالث لهما اللؤلؤ، وإبراهيم العريض.. هكذا كتب الدكتور محمد جابر الأنصاري.. وأما نحن فنعتبر العريض واجهة البحرين الثقافية.. وفي هذا الحوار النادر يكشف لنا الشاعر والمفكر والقاص والمترجم والسياسي والدبلوماسي إبراهيم العريض، جوانب جديدة في حياته لم يكشفها لأحد.
ظل اللقاء مع إبراهيم العريّض الذي تجاوز التسعين من عمره صعبًا لكائن من كان، فللرجل ظروف متعددة تحول دون أن يفتح أبوابه لوسائل الإعلام، رغم محاولات كثيرة بُذلت من أجل ذلك. إلا أنني وبمساعدة الصديق كريم شكر مدير الإدارة الدولية في وزارة الخارجية البحرينية، والذي كان يشغل منصب سفير البحرين في لندن تمكنت من إجراء هذا اللقاء المطوّل مع إبراهيم العريض بعضه للبث التليفزيوني.
لم يشمل قانون التقاعد المعمول به في العالم الشاعر والمفكر البحريني الكبير إبراهيم العريض، فهو يتوجه في الساعة السابعة من صباح كل يوم إلي مكتبه في وزارة الخارجية البحرينية، باعتباره سفيرًا توكل إليه المهمات ذات الطابع الفكري والثقافي، وفي ذلك المكتب التقيته عام 1998، ودار بيننا الحوار التالي:
كتابة الشعر القصصي التي تميزت بها، هل لها أتباع يسيرون بها بعد إبراهيم العريض؟
إذا انت اقتصرت علي الأدب العربي فلا تجد فيه شيئًا من هذا النوع، وإنما تجد الشعر المسرحي والشعر العاطفي.. وهذا الذي يعتبره الأوروبيون شعرًا غنائيًا.
والشعر القصصي له طور خاص، فالغربيون لا يخلطون بين الشعر القصصي والشعر الغنائي علي أساس أنه يختلف، لأنه في الشعر القصصي يشرف الشاعر علي الأحداث من علٍ، يعني يقف الشاعر موقفًا موضوعيًَا، فإذا وصف حالة العشق التي يعانيها الحبيب، لابد أن يسترسل في الظروف التي أحاطت بهذه الحالة، دون أن يسترسل بكلام تفرضه عليه طبيعة القافية كما نلاحظ في الكثير من القصائد العربية.
هل نستطيع أن نحدد لأعمالك ملامح فلسفية خاصة بها؟
الناس فيما يتعلق بالأذواق التي يتذوقون بها الأشياء، يعتمدون علي خلفيتهم مهما تكن تلك الخلفية، إلا أنهم يصبغونها بأبعاد نابعة من ذواتهم!.. وفي سنة 1946 كتبت فصولاً في الشعر كنت حريصًا علي أن أعبر فيها عن ذاتي، ولماذا أنا اختلف عن الآخرين، فوصلت إلي نتيجة عبر عنها الشاعر أبو نواس عندما قال:
يزيدك وجهه حسنًا إذا ما زدته نظرا
فإذا ما وجدت أمامك كلامًا لا تشتهيه عليك أن تعيد النظر وترجع إليه لتحقق منه موقفك.
أستاذ عريض، أنت في التسعين من عمرك، ومفرداتك لا تزال مفعمة بالشعر، في حين أن العالم من أمامنا - بل اقتحمنا - بثورة علمية تكنولوجية، فأين الشعر من عالم الكمبيوتر والإنترنت والوسائل التكنولوجية الأخري؟!
التكنولوجيا انتقال بالإنسان من ظروف العاطفة إلي ظروف بعيدة عن تلك العاطفة، الشعر أساسًا هو تلك الحلاوة التي تأتي من خفقات القلب والتكنولوجيا إذ جئت مثلا إلي لعبة الشطرنج لأنها تقتضي التفكير، والتفكير كما تعرف ينطوي علي مجالات الحزن والخوف أو التأثر والتأثير والرغبة.. وهذه كلها مشاعر من العواطف الإنسانية لا تستطيع التكنولوجيا التعامل معها أو التعبير عنها، فالتكنولوجيا التي أحالت لعبة الشطرنج إلي الآلة غير قادرة علي أن تتعامل مع الشعر مهما تعددت فنونها.
إذن أنت تري أن هناك حالة من التصادم بين ما يمنحك إياه الشعر من عاطفة تعبر عن النفس الإنسانية، وبين الثورة التكنولوجية التي يعيشها إنسان القرن الحادي والعشرين؟
في التكنولوجيا يحدث التطور علي شكل قفزات، أما في الشعر فالأمر مختلف.
هل من الممكن أن توضح هذه النقطة؟!
في التكنولوجيا كان الإنسان يطمح إلي الطيران، واستطاع الأخوان «رايت أن يحققا هذا الانجاز، ثم حاول الإنسان النزول بالبراشوت، ولم يكتف بالنزول فقط، إنما أخذ يقوم بأعمال بهلوانية في الجو، والطائرة أصبحت تسير في سرعة أقوي من الصوت!
وهكذا تسير هي الأمور في عالم التكنولوجيا، حيث تكون البداية متواضعة ثم سرعان ما تتطور.
لكن الشعر وهو أداة التعبير عن طبيعة النفس البشرية، يختلف في تطوره عن التكنولوجيا.. نعم، دخلت عناصر الشعر أشياء شبه مصطنعة، قال عنها المتأخرون إنهم تجاوزوا بالشعر عهد العاطفة ووصلوا به إلي الصنعة، عندما كثرت عمليات الجناس والطباق وما شابه ذلك.. وعلي سبيل المثال:
إذا ما امرءًا لم يكن ذا (هبة) فدعه، فدولته ذاهبة أو
أيها القاضي ب قم ... قد عزلناك ف قم
والشاعر هنا يتصور أنه قد تجاوز الشعر إلي خطوة أعلي، ولكن هيهات إذ لا يمكن أن يتم تعبير الإنسان عن خلجاته بهذا النوع من الجناس والطباق.
فتعبير الخنساء عن معني الأخوة ومشاعر الأخوة عندما تقول:
يذكرني طلوع الشمس صخرًا
وأذكره لكل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي
علي إخوانهم لقتلت نفسي
ولا يبكون مثل أخي ولكن
أعزي النفس عنه بالتأسي
... فالخنساء ماتت، وأخوها مات، لكن هذا الشعر لا يموت.
ماذا تقول عن الشعر الحر؟
إن الشعر الحر هو أصعب ألوان الفن لأنه لا يعتمد - كالشعر القديم علي الإيقاع والتناسب وتوازن أجزاء البيت، والألاعيب البلاغية.. إنه كصور (بيكاسو) تأخذ جمالها من انعدام النسب واضطراب الخطوط، وتداخل الظلال وموت المسافات في بعضها.. هذا ماقا له لي نزار قباني.
بمناسبة نزار قباني، ما رأيك في شعره؟
التقيت نزار عندما كان ملحقًا للسفارة السورية في أنقرة، ولاشك إنه من الشعراء، وكان قد اطلع علي كتابي (الأساليب الشعرية)، التي عرفت فيه المستويات التي يمكن أن يظهر فيها الشعر، وأثبت أن (الذات) هي التي تفضي بالحديث، و(الذات) هي التي تتلقي الحديث..وعرفت الوجوه المختلفة والكثيرة التي يمكن أن تكون عليها (الذات)!! فهناك (الذات) التي تخطب ود الجمهور لتحقيق غرض خاص، و(الذات) القائدة التي يطمح صاحبها أن يوصل ما يريد إيصاله إلي السامعين، وهناك المؤرخ الذي يقف بموضوعية أمام السرد للأحداث، وهناك (الذات) التي تعتبر نفسها نديمًا وتخاطب الإنسان.. وعلي هذا الأساس هناك المهرج، وهناك الإنسان الذي يتعبد، والإنسان الذي يهيم في نفسه ولا يعرف إلا نفسه، وهناك الروائي الذي يأخذ بجميع المذاهب.
ثم بحثت في العلاقة بين الذاتين المتلقية والتي تُلقي، وفي كل هذا كان بحثي مقتصرًا علي الشعر فقط، وكان لابد لي أن أعرض إلي الشعر الغنائي، وأتعرض للشعراء وخاصة الأكفاء منهم ممن يعيشون في حالة دهشة، ووقفت في دراستي تلك أمام الشاعر المسحور بنفسه، أو الشعر الرمزي..
وكنت استشهد بنزار قباني الذي كان في أول عهده بالشعر في ديوانيه (طفولة نهد) و(قالت لي السمراء)، فأنا إذن صحبت نزار منذ سنوات طويلة واستشهدت بمعطياته فيما كتبت، وظللت متابعًا له إلي أن كتبت له قصيدتي الأخيرة إثر وعكته ودخوله المستشفي وقلت فيها:
أفي عنفوانك؟.. ها أنت حقًا
علي الجنب في بعض مثواك ملقي
سلامة عمرك!!.. عشت لتبقي
جلجل بصوتك رعدًا وبرقًا
ثم لا تنسي أن السنين قد جعلت بيننا من الود والتواصل والصداقة.
هناك من الشعراء من يُسرف في الرمزية، أتوافقهم علي ذلك؟
- لا .. القضية هي الصنعة في الإنسان نفسه، إذ إن الناس طبائع، فإذا ما عشق الإنسان فهو يجعل من معشوقته أسطورة في شعره.
بيد أن بعض الشعراء يكتفون بكلمات يأخذونها من القواميس وهي محدودة المعاني، والبعض منهم يحمل الكلمات بالمعاني والرموز ما لا طاقة لإنسان علي استيعابه، فتجده كأنه يخاطب نفسه، وهذا هو الذي يجتاح الساحة الآن للأسف، بيد أن الشعر في جوهره لا يحتمل التراكيب الكيماوية والأحاجي والألغاز، فأنت إذا ما جئت إلي تلميذ ابتدائية وقلت له هذا البيت من الشعر:
كلنا طيره في قفص
إنما يطلقه المجذوب منا
فلو قلت للتلميذ: (قفص) يعرف موقعها من الإعراب وما ترمز إليه في ثنايا البيت الذي جئنا عليه.. هذا المعني شعري، استعان به الشاعر كي يمرره عن طريق الكلمة المفهومة عند الناس..
فالمتنبي عندما رثا أخت سيف الدولة (خولة) قال:
طوي الجزيرة حتي جاءني خبر
فزعت فيه بآمالي إلي الكذب
حتي إذا لم يدعني صدقه أملاً
شرقت بالدمع حتي كاد يشرق بي
هذه العبارة الشعرية إذا قرأها أحد لا يعرف أو يستوعب الشعر، فإنه لن يدرك مضمونها.
محطة هامة في تاريخك وهي علاقتك ب «عمر الخيام»؟!!
عرفت عمر الخيام وأنا في الرابعة عشرة من عمري، وكنت أذرف الدمع إذا ما قرأت أبياته المترجمة عن فيتزجيرالد، وكنت مفتونًا به إلي أبعد الحدود، وعندما جئت إلي البحرين قمت بجمع التراجم التي طبعت للخيام آنذاك بدءًا من البستاني ومحمد السباعي وأحمد الصافي النجفي وأحمد رامي وغيرهم..
وقرأت أكثر من ثلاثين ترجمة سواء باللغة العربية أو الإنجليزية والأوردية، واكتشفت أن فيتزجيرالد ووديع البستاني والسباعي قد انصبت ترجمتهم علي اللغة الإنجليزية، فخشيت أن أتأثر بهم أو أصاب بحالة (التكهرب) التي تحدث للإنسان عندما يقرأ شيئًا ثم يتشبع به.. فعكفت علي دراسة أصول الرباعيات التي كتبت بالفارسية، وتبين لي من دراساتي أن الغربيين قد ترجموا الخيام منذ (250) سنة، ووقعت أقدم مخطوطة للخيام في يد فيتزجيرالد والتي يفخر بها قراء الإنجليزية، باعتبارها من عيون الشعر المترجم.. ولكنني لم أقتنع بها!!
وأخذت أنقب عن تاريخ الخيام الرجل، الشاعر، والذي تخصص في الرياضيات والفلك، وكان يتقن اللغة العربية.. وأحب هنا أن أقول: إن الرباعيات التي ترجمت إلي الإنجليزية كان عددها (150) رباعية، ثبت لي أن البعض منها كان موجوداً في دواوين كتبت قبل الخيام!! والبعض الآخر وجد في دواوين شعراء عاصروا الخيام، بل وجدت بعض الرباعيات لمتأخرين عن الخيام، وقد نسبت إليه!
وتحت يدي أكثر من ثلاثين كتاباً، أحدها مطبوع في برلين احتوي علي (756) رباعية. وكتاب آخر بالفارسية احتوي علي (800) رباعية! وفيتزجيرالد نفسه قد وجد المخطوطة التي ترجم عنها رباعيات الخيام في الهند.
هذا المنسوب والمنحول إلي الخيام من رباعيات، إذا ما قورن مع ما كتبه الخيام، هل هناك أوجه للشبه؟!
هناك رباعيات ربما كانت أجمل مما كتبه الخيام، لكن الفارق بينهما شخصية الخيام، فهذا الرجل نظر إلي حياة الإنسان كفرد، وما مدي حياة هذا الفرد في علاقتها بالكون، وتساءل عما هو الكون والوجود وما هي الرابطة بين الإنسان والحيوان والمادة.. هذه الحالة الوجودية في شعر الخيام ميزته في رباعياته عما نسب إليه، خاصة تلك الرباعيات التي أسرفت في تصوير الخمريات، مما جعل البعض يتصور أنه زنديق متهتك، بينما في واقع الأمر أن الخيام ليس كذلك.
فهو الذي يقول:
إلهي! رحماك أين الصباح؟
فقلبي يكاد أسي يستباح
وغفراً.. لساق سعت بي إليها
جنوناً وراح تمادت براح
فالخيام بريء من الكثير الذي نسب إليه من الرباعيات، والتي تصل إلي (500) رباعية معظمها مزورة!.
هل أبرزت ذلك المزور علي الخيام، وأظهرته للناس؟!
- نعم.. في كتابي (الدراسات الفنية عند مترجمي الخيام)، أتيت علي (145) رباعية من الأصل الفارسي، وهي التي يؤكد عليها جوسل الألماني، وجاء من بعده فيتزجيرالد فجمعها تقريباً، وأجريت مقارنة في الاختلافات الموجودة فيها.
وأحمد رامي يقول إنه ترجمها عن الفارسية، ولست أدري عن أيها، فهناك أكثر من (50) نسخة فارسية مطبوعة!.. وفي واقع الحال فإنه من الصعب تحديد النسخة غير المشكوك فيها!!
بل إن الإيرانيين أنفسهم لم يكونوا مهتمين إلي وقت قريب بعمر الخيام إلا بعد أن بزغ ذكره في سماء الغرب، وللأمانة العلمية أنا ترجمت (145) رباعية، ولكنني أقول للقارئ لا أزعم لك إنها كلها للخيام!!
وذلك أنني انتقيتها من كتب مطبوعة منسوبة للخيام، وهناك أكثر من (20) مترجماً قد أخذوا من نفس المصادر التي أخذت منها، مثل أحمد الصافي النجفي الذي ترجمها عن الفارسية أو رامي أو عبد القادر المازني.. وغيرهم ممن وضعتهم في اعتباري عندما قمت بترجمتي للرباعيات.
لو لم تكن قد تجاوزت التسعين من عمرك، لما طرحت عليك هذا السؤال الخاص بمعركة القديم والحديث في الشعر العربي!!
أنا أدليت بدلوي في هذه المعركة، وقد تناولت هذا الموضوع أولاً بأول.. وقلت: إن العرب كانوا يعتقدون أن الشعر العربي يكتب للعرب فقط، كأنهم ينظمونه لأنفسهم فحسب، مع أن العرب قد اهتموا بالفلسفة وبالحكمة وبالعلوم المختلفة التي انتشرت من خلالهم لتعم الإنسانية جمعاء إلا في الشعر.. ما أريد الوصول إليه، لو أن العرب قد كتبوا القصيدة ووضعوا في حسابهم أنها ستقرأ بجميع اللغات، لأصبح للشعر العربي مكانته العالمية، ولتفاعل الناس مع الشعر عن مأساة فلسطين وكأنهم يتحدثون عن مأساتهم، في حين أننا قرأنا ترجمات عن مأساة الفيتناميين ومأساة البولنديين مما كتبوه من أشعار بلغته الأصلية..
ونظراً لما كان يحمله هذا الشعر من قوة ومتانة فقد فرض نفسه وترجم إلي مختلف اللغات في العالم، والشعر الأفريقي خصوصاً الذي عبر فيه الشعراء الأفارقة عن تطلعهم إلي حياة أفضل.. مع أن اللغات الأفريقية ليست في ذلك الثراء الذي تتمتع به اللغة العربية!
وقد كانت لمحة ذكية من نزار قباني الذي كتب قصيدة بالأسلوب الجديد وليس الأسلوب القديم، وعنوانها:
«من شاعر سوري إلي مواطن أمريكي».. يحدثه فيها عن الحروب التي تجرعها العرب، وقد استشهدت بهذه القصيدة في القاهرة في مؤتمر الأدباء العرب، وأثنيت علي هذا النوع من الشعر الجديد الذي لو ترجم إلي اللغات الأخري لأوصل صورتنا إلي أسماع العالم، لأن الإنسان يتفاعل مع القصيدة أكثر من تفاعله مع البيان السياسي.
لكي أكون أكثر دقة في معركة القديم والحديث، أسألك عن شعر أدونيس؟!
أدونيس مثقف، وهو يفهم ماذا يقول.. وأنا لا أتذوق شعره، لكن ثقافته عالية، ويعرف المأساة في الشعر.. كل ما هناك أن الشاعر يعطي معني الكلمة في اللغة، فإذا كان يحس بعاطفة شديدة وقادرا علي أن يستعرض الكلمة، لا أن يحملها معني غير عادي علي أساس أنه علي علم بخصائص اللغة، فهذا ما يجعل قارئ القصيدة يسير في متاهات تباعد بينه وبين تذوق الشعر.
قاسم حداد - وهو من البحرين - يعد واحداً من أقطاب شعر الحداثة.. هل تقرأه؟!
قاسم حداد مثقف ولكن أنا لا أعتبره شاعراً، لأنه يريد أن يلغي الشعر العربي من أوله إلي آخره، يريد شطبه بالقلم الأحمر، المفروض أن من يكتب الشعر العربي يبدأ من الصفر.. وظاهرة قاسم حداد قد جنت علي شبابنا في البحرين، لأنها أدخلت في خلدهم أنهم يستطيعون أن يكتبوا الشعر الحديث دون المرور بالأصول الأولي للشعر العربي!
كما اعتنيت بعمر الخيام، فإن عنايتك بالمتنبي جعلتك تنفرد بآراء ما قال بها أحد من قبلك!!
أنا أول من درس شخصية المتنبي بعد محمود شاكر، ودرست المتنبي من خلال شعر المتنبي، والحمد لله أن باباً للحرية مازال مفتوحاً في أن نقول في الشعر ما نقول، وأن نفسر الكلمات علي أكثر من معني، بعد أن أصبحنا متشبثين بالأصولية والسلفية المتشددة. فنحن نستطيع القول إن أعذب الشعر أكذبه!!
واستطاع نقاد الشعر والأدب في تاريخنا استغلال فسحة الحرية في مجال البحث في الشعر، فألفوا الكثير من الدراسات عن الشعر والشعراء.. فالجرجاني مثلاً وجد أن المتنبي مغروراً ومقهوراً في عصره، فكتب في القرن الخامس كتابه (الوساطة بين المتنبي وخصومه).. وقال: إذا كان المتنبي يهبط بالشعر كما يقول خصومه فإن الشعراء أكثرهم لديهم ذلك الهبوط.. ثم أخذ الجرجاني (13) بيتاً من شعر المتنبي، وأبرز أخطاءه فيها وكتب أن المتنبي قال: كذا.. وكان ينبغي له أن يقول: كذا.. ومن جملة الأبيات التي ذكرها الجرجاني هذا البيت:
وإني لمن قوم كأن نفوسنا بها أنف أن تسكن اللحم والعظما فصححه وقال: لو أن المتنبي قال :
وأني لمن قوم كأن نفسوهم (بدلاً من نفوسنا)، لكانت أقوي..
من غيرك وغير محمود شاكر ممن اعتنوا بدراسات المتنبي؟!
- هناك الكثير: الأستاذ عبد الرحمن عزام طبع كتاب (ذكري المتنبي)، وكذلك طه حسين والعقاد، وكتبت عن المتنبي العشرات بل المئات من الدراسات.
هناك من يتهم الدكتور طه حسين بأنه أخلص للمعري في كتابه (مع أبي العلاء في سجنه) ولكنه لم يعط المتنبي حقه من البحث!!
- طه حسين لا يعرف شيئاً عن المتنبي!! بدليل أنه يعتبر إحدي روائع المتنبي شطحة من شطحات الشباب، وإلا هل يعقل أن أبا الطيب يقول: شرقت بالدمع حتي كاد يشرق بي.. ثم يأتي من هو بحجم طه حسين ليتساءل: كيف يشرق الدمع بالإنسان؟!.. مع أن طه نفسه يحاول نظم الشعر وشعره مضطرب، ولهذا فإن دراسته عن المتنبي أو دراسته عن أبي تمام في حديث الأربعاء لم يصل فيها إلي الدقة!!
يبدو لي أن طه ما كان له أن يخوض في الشعر والشعراء.. ولكنه قد أبدع في كتاب الأيام أو الفتنة الكبري.. أما الشعر فلا!!
قال الثعلبي - وهو من أعداء المتنبي : «إن شعر المتنبي يجمع بين الدرة والبعرة»، فما قولك في ذلك؟!
- أكتفي بما جاوبه المعري يوم ألف كتاباً باسم: (معجز أحمد).. ويعني بأحمد: أبو الطيب المتنبي.. وعندما كان يستشهد بأبيات له في ذلك الكتاب يقول: (قال الشاعر)، أما إذا استشهد بغيره فإنه يقول: (قال فلان)، والكل يعرف قصة المعري عندما وصل إلي بغداد وقام بزيارة لبيت الشريف المرتضي، فكانت بينهما خصومة بسبب المتنبي.. وهي قصة:
لك يا منازل في القلوب منازل
.. إلي أن تصل ل:
وإذا أتتك مذمتي...
هل نستطيع القول إن لإبراهيم العريض مدرسة لها تلاميذ وأتباع ؟!
- أنا أؤمن أن الشعر موهبة من الله.. بل حتي تذوق الشعر موهبة، فإذا كان لي ممن أفخر بهم وأصبحوا شعراء يشار إليهم بالبنان مثل الدكتور غازي القصيبي، وابنتي ثريا، فليس لي في ذلك فضل عليهما ولا علي سواهما، وإنما هي الموهبة.
ثم إن الشعر منازل ودرجات، فهناك الشعر المسرحي، والشعر القصصي، والشعر الملحمي، وهناك أيضاً الطبقة أو البيئة التي يترعرع فيها هذا الشعر..
فشعر الصعاليك عند العرب له نكهة خاصة يتميزون بها، وكذلك شعر الملوك، وشعر الفقراء، وشعر المقاتلين، وهناك الكذابون والمداحون.. فالشعر عالم قائم بذاته.. وأنت ذكرت فيما إذا كانت لي مدرسة أو أتباع!!.. وأنا لا أؤمن بأن تكون لي مدرسة أو أن يكون لي أتباع، لأن العصر والمزاج يختلف!.. فلو أخذنا رجلاً مثل الدكتور غازي القصيبي، وهو من الشعراء المشهود لهم، نجد أنه يمتاز بصفتين:
الأولي: أنه معايش لزمانه..
والثانية: أنه منفتح علي جميع الأفكار..
وغازي إنسان مرح. يتحدث بمرح، وأحياناً ينظم شعره بمرح، مع أنه لم يكن من تلامذتي، إلا أنني درست أشقاءه فهد وخليفة وإبراهيم ومصطفي وعادل ونبيل.. وغازي كتب العديد من الدواوين الجيدة أرخ فيها لمرحلته وعصره.
قبل أن نختتم هذا اللقاء، ما الذي يريد أن يقوله إبراهيم العريض؟!
- أقول : العطية من الله، ونحن بصدد الامتحان في هذه العطية، كيف نتصرف بها ؟!. وأؤمن أن اللغة ما خلقت إلا من أجل اتصال الإنسان بأخيه الإنسان، فيجب العناية باللغة حتي يتم الاتصال بين البشر علي الوجه الأكمل.
وفي نهاية هذا اللقاء أقول هذه الرباعية التي أتوجه بها إلي عمر الخيام: أخيام أما في الوري من يعي همو سخرة الجاهل المدعي
فلو هم يعون لما ضللوا
ببدعة جيل.. عن الإبداع
أبرز أعماله
إسهامات العريض زادت علي 50 عملًا تنوعت بين الشعر والترجمة والبحث والقصة والمسرحية منها:
- العرائس: وهي مجموعته الشعرية الثالثة وقد صدرت عام 1946 في بيروت.
- قبلتان: قصة شعرية عن الأندلس صدرت في بيروت عام 1948.
- الأساليب الشعرية: بحث تحليلي صدر عام 1950 في بيروت.
- أرض الشهداء: عن المأساة الفلسطينية، صدر عام 1951 في بيروت.
- الشعر والفنون الجميلة: صدر في القاهرة عام 1952.
وهناك الكثير من الأعمال الفكرية والأدبية الأخري، من أهمها ترجمته لرباعيات الخيام، وكتابه عن فن المتنبي بعد ألف عام.
وإبراهيم العريّض يرتبط بوشائج محبة وصداقة مع العديد من رجال الفكر والأدب في العالم العربي، ونلمس ذلك في الكثير من الرسائل بينه وبينهم.. فهذا جزء من رسالة بعث بها إليه نزار قباني عام 1950 من أنقرة يقول فيها: «وهكذا يا إبراهيم كنت سبّاقًا فاتحًا، فإن كتابك الصغير يُعتبر دائرة معارف للشعر العربي منذ أن كان حداءً ودمدمة.. إلي أن صار همسًا وهوسًا وفتونًا..».
أما ميخائيل نعيمة فإننا نجتزئ من رسالة طويلة كان قد بعث بها إلي إبراهيم العريّض حيث قال: «أنت تأخذ بيد القارئ برفق لتسير به في شعاب يطل منها علي مواطن الجمال في الشعر، وأنعم بك من رفيق دليل».
شهرته:
وقد كتب إبراهيم العريّض يومًا يقول: «إنني خارج من دائرة الشعور بالمحلية، فلقد عرفني العالم العربي، قبل أن يعرفني أحد في البحرين، ولن يستطيع أحد أن يتصور مدي المشقة التي عانيناها لفتح منافذ للنشر علي العالم العربي».
وقد صدق الرجل!! فلو كان هناك من هو بحجم إبراهيم العريّض في إحدي العواصم العربية ممن يُتاح لمفكر بها أن يكونوا علي سطح الأحداث، لكان إبراهيم العريّض أكثر شهرة من كثير من الأسماء التي لمعت في سماء الثقافة العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.