ارتفاع أسعار الذهب الفورية اليوم الخميس 31-7-2025    نمو مبيعات التجزئة في اليابان بنسبة 2% خلال الشهر الماضي    فورد تتوقع خسائر بقيمة ملياري دولار هذا العام نتيجة رسوم ترامب    هاريس ستدلي بشهادتها في الكونجرس بشأن الحالة العقلية لبايدن والعفو عن 2500 شخص    ترامب يهدد كندا حال الاعتراف بدولة فلسطين: لن نعقد اتفاقا تجاريا    20 شاحنة مساعدات إماراتية تستعد للدخول إلى قطاع غزة    إصابة 4 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بشمال سيناء    ملعب الإسكندرية يتحول إلى منصة فنية ضمن فعاليات "صيف الأوبرا 2025"    سعر الدولار اليوم الخميس 31-7-2025 بعد تسجيله أعلى مستوياته خلال 60 يومًا    معتقل من ذوي الهمم يقود "الإخوان".. داخلية السيسي تقتل فريد شلبي المعلم بالأزهر بمقر أمني بكفر الشيخ    "ابن العبري".. راهب عبر العصور وخلّد اسمه في اللاهوت والفلسفة والطب    قناة السويس حكاية وطنl القناة الجديدة.. 10 سنوات من التحدى والإنجاز    الرئيس الفلسطيني يرحب ب"الموقف التاريخي والشجاع" لكندا    لليوم الرابع، ارتفاع أسعار النفط وسط مخاوف من تأثر الإمدادات بتهديدات ترامب الجمركية    دعمًا لمرشح «الجبهة الوطنية».. مؤتمر حاشد للسيدات بالقليوبية    المهرجان القومي للمسرح يكرم روح الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    قناة السويس حكاية وطن l حُفرت بأيادٍ مصرية وسُرقت ب«امتياز فرنسى»    الطب الشرعى يحل لغز وفاة أب وابنائه الستة فى المنيا.. تفاصيل    سلاح النفط العربي    حرمه منها كلوب وسلوت ينصفه، ليفربول يستعد لتحقيق حلم محمد صلاح    نحن ضحايا «عك»    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    طريقة عمل سلطة الفتوش على الطريقة الأصلية    المهرجان القومي للمسرح يحتفي بالفائزين في مسابقة التأليف المسرحي    بمحيط مديرية التربية والتعليم.. مدير أمن سوهاج يقود حملة مرورية    بينهم طفل.. إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بطريق فايد بالإسماعيلية (أسماء)    بعد الزلزال.. الحيتان تجنح ل شواطئ اليابان قبل وصول التسونامي (فيديو)    الدفاع الروسية: اعتراض 13 مسيرة أوكرانية فوق مقاطعتي روستوف وبيلجورود    اتحاد الدواجن يكشف سبب انخفاض الأسعار خلال الساعات الأخيرة    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    رامي رضوان ودنيا سمير غانم وابنتهما كايلا يتألقون بالعرض الخاص ل «روكي الغلابة»    نقيب السينمائيين: لطفي لبيب أحد رموز العمل الفني والوطني.. ورحيله خسارة كبيرة    السيارات الكهربائية.. والعاصمة الإنجليزية!    424 مرشحًا يتنافسون على 200 مقعد.. صراع «الشيوخ» يدخل مرحلة الحسم    الحقيقة متعددة الروايات    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    الحد الأدني للقبول في الصف الأول الثانوي 2025 المرحلة الثانية في 7 محافظات .. رابط التقديم    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    «الصفقات مبتعملش كشف طبي».. طبيب الزمالك السابق يكشف أسرارًا نارية بعد رحيله    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 31 يوليو 2025    اصطدام قطار برصيف محطة "السنطة" في الغربية.. وخروج عربة من على القضبان    لحماية الكلى من الإرهاق.. أهم المشروبات المنعشة للمرضى في الصيف    إغلاق جزئى لمزرعة سمكية مخالفة بقرية أم مشاق بالقصاصين فى الإسماعيلية    التوأم يشترط وديات من العيار الثقيل لمنتخب مصر قبل مواجهتي إثيوبيا وبوركينا فاسو    ختام منافسات اليوم الأول بالبطولة الأفريقية للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم 2026    في حفل زفاف بقنا.. طلق ناري يصيب طالبة    هل يعاني الجفالي من إصابة مزمنة؟.. طبيب الزمالك السابق يجيب    "تلقى عرضين".. أحمد شوبير يكشف الموقف النهائي للاعب مع الفريق    مدير تعليم القاهرة تتفقد أعمال الإنشاء والصيانة بمدارس المقطم وتؤكد الالتزام بالجدول الزمني    القبض على 3 شباب بتهمة الاعتداء على آخر وهتك عرضه بالفيوم    حياة كريمة.. الكشف على 817 مواطنا بقافلة طبية بالتل الكبير بالإسماعيلية    أسباب عين السمكة وأعراضها وطرق التخلص منها    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم العريض واجهة البحرين الثقافية «2-1»:الشعر أقوي من السياسة قبل أن تقرأ..


الحلقة السادسة
لم تجد «روزاليوسف» من هدية تناسب ولاء قرائها لهذه المطبوعة، سوي نشر سلسلة من اللقاءات والحوارات النادرة التي لم تنشر من قبل مع كبار المفكرين والكتاب والأدباء والفنانين، أجراها الكاتب والإعلامي الكويتي الكبير الدكتور نجم عبدالكريم في فترات مختلفة علي مدي أربعة عقود.
لقد ظلت البحرين مشهورة لدي المثقفين العرب باثنين لا ثالث لهما اللؤلؤ، وإبراهيم العريض.. هكذا كتب الدكتور محمد جابر الأنصاري.. وأما نحن فنعتبر العريض واجهة البحرين الثقافية.. وفي هذا الحوار النادر يكشف لنا الشاعر والمفكر والقاص والمترجم والسياسي والدبلوماسي إبراهيم العريض، جوانب جديدة في حياته لم يكشفها لأحد.
ظل اللقاء مع إبراهيم العريّض الذي تجاوز التسعين من عمره صعبًا لكائن من كان، فللرجل ظروف متعددة تحول دون أن يفتح أبوابه لوسائل الإعلام، رغم محاولات كثيرة بُذلت من أجل ذلك.
إلا أنني وبمساعدة الصديق كريم شكر مدير الإدارة الدولية في وزارة الخارجية البحرينية، والذي كان يشغل منصب سفير البحرين في لندن تمكنت من إجراء هذا اللقاء المطوّل مع إبراهيم العريض بعضه للبث التليفزيوني.
لم يشمل قانون التقاعد المعمول به في العالم الشاعر والمفكر البحريني الكبير إبراهيم العريض، فهو يتوجه في الساعة السابعة من صباح كل يوم إلي مكتبه في وزارة الخارجية البحرينية، باعتباره سفيرًا توكل إليه المهمات ذات الطابع الفكري والثقافي، وفي ذلك المكتب التقيته عام 1998، ودار بيننا الحوار التالي:
تجاوزت التسعين من عمرك، وأنا أريد العودة بك لاستذكار أهم المحطات في حياتك؟! - ولدت من أبوين عربيين عام 1908 في مدينة بومباي بالهند، والدي من عشيرة العريّض المعروفة في البحرين، ووالدتي عراقية من مدينة كربلاء، وقد أقام والدي السنين الأولي من حياتهما الزوجية في البحرين، ثم نزحا إلي الهند لأن والدي كان يعمل في تجارة اللؤلؤ.
وعلي إثر ولادتي، توفيت أمي دون أن أستطيع أن أرضعها، وقد تعهدت بتربيتي مربية هندية، حيث أولتني عنايتها لمدة سنتين كاملتين بعيدًا عن الوالد الذي كان متفرغًا لأعماله. وعندما بدأت أدبُّ علي الأرض في قرية مربيتي الهندية التي كانت تسافر بي في داخل الهند، وكنت وأنا طفل صغير أقف إلي جانب النهر كانت تأخذني إليه.. وكثيرًا ما كانت تنزلني فيه وتصب الماء علي رأسي فكنت أشعر وكأنني علي وشك الغرق..
ومن بعيد وراء هذا النهر كان يمتد شريط من الجسر الذي تمر عليه القاطرات، فإذا نظر الإنسان إليه ليلاً يجد المنظر وكأنه حيَّةٌ من الأنوار تسير سيرًا حثيثًا من الشرق وحتي الغرب، هذه صور من ذكريات عايشتها وسمعتها عن طفولتي وهي لازالت عالقة في ذهني وأنا الآن في التسعينيات من عمري.. إنها ذكريات السنوات الأولي من حياتي قبل أن أدخل المدرسة.
تلك الصور المحفورة في الذاكرة لأيام طفولتك في الهند، ماذا أكسبتك من تجارب في سني حياتك؟! - التجارب التي تتعلق بالإنسان - أي إنسان
- سواء في مراحل الطفولة أو فيما بعد الطفولة، لا تأتي لمجرد أن ذلك الإنسان يطمح أو يريد أن يتذكرها، وإنما هي هنا رهن بالمناسبة التي تجيء إلي الذهن لكي يتذكر.
ولا زلت أذكر حينما دخلت المدرسة في بومباي، كيف كنت أشعر وكأني أحمل غربتي معي، فالتلاميذ لم يكونوا يرونني واحدًا منهم إذ أن هناك بونًا شاسعًا أو قُلْ جدارًا أو برزخًا بُني بيني وبينهم، وكان حتمًا علي أن أعبر كل تلك الحواجز حتي أندمج معهم، فكنت أحرص علي التفوق في المراحل الدراسية، وأن أتخطي زملائي كي يكون لي موقع في الصفوف لقهر تلك الغربة التي كنت استشعرها آنذاك. وكنت أحب الرسم والتصوير بالألوان، وكنت أحرص علي أن أحرز نجاحًا في المباريات التي كانت تجري في المدرسة بصورة مستمرة في نهاية العام الدراسي، وأتذكر أنني رُشحت من قِبل مدرستي التي اختارت بعض رسوماتي للدخول في مسابقة تشمل جميع المدارس في الولاية، وكنت انتظر النتيجة بفارغ الصبر، إلي أن جاءني المدرس الذي يشرف علي مادة الرسم وقال لي: «يا عرباه لقد فشلت في المسابقة!!
وستأتي النتائج التي تؤكد علي خيبتك». فعدت إلي البيت، وظللت حائرًا مشغولاً بالتفكير طوال الليل. وفي الصباح لما ذهبت إلي المدرسة، وإذا بالنتائج قد جاءت بعكس ما قال المدرس حيث حصلت علي الجائزة الأولي في المسابقة، ولكن رغم ذلك قد تغيّرت مشاعري الداخلية، وأحسست بكراهية لمادة الرسم بسبب تصرف الأستاذ!! وهذا الذي جعلني أتحول من الرسم إلي حب الشعر، فبدلاً من أن أرسم اللوحات بالألوان أخذت منذ ذلك الحين أرسم اللوحات بالكلمات.
هذا الانقلاب العاطفي من الرسم إلي الشعر، وأنت في مستهل سنواتك الأولي، هل هو الذي ثبَّت أقدامك فوق أرضية صلبة حفلت بفنون الشعر والأدب فيما بعد؟
- تلك التجربة لا أستطيع نسيانها، وفي الفترات الأولي من أيام المدرسة وما تلاها عندما كنت أتذكر هذه الحادثة كنت دائمًا أذرف الدمع، ولكن ما عساي أن أفعل غير الاندماج بالشعر الذي بدأت أحبه برغبة وعناد وإصرار. ولما انتقلنا إلي مرحلة أخري من الدراسة، حيث كانت المواد تُعطي لنا باللغة الإنجليزية الخالصة.. أخذت أتعرف علي المزيد من الشعراء، وخاصةً الرومانسيين من أمثال شيللي، ييتس، بايرون، كولدريدج، وكنت عندما أقرأ قصيدة لأحد هؤلاء الشعراء ضمن مناهج الدراسة أشعر أن ذلك لا يكفي، فكنت أسعي لاستعارة دواوين الشعراء وآتي بها إلي البيت، وأقرأها صفحة صفحة أكثر من مرة، حتي حفظت شكسبير ومسرحياته، وكنت أردد الكثير من أبياته الشعرية، بل حفظت الكثير من قصائده كاملة.
في تلك السن المبكرة تمكنت من قراءة الشعر الإنجليزي الرومانسي، فأين تعرفت علي رباعيات الخيام؟!
- عن طريق متابعة شعراء الرومانسية هؤلاء، جاءت معرفتي برباعيات الخيام، حيث قرأت ترجمة لها بالإنجليزية لفيتزجيرالد، وكان عدد الرباعيات المخصصة أربعة ومقتبسة من كتاب واحد، ولكنني اكتشفت فيما بعد عندما حفظت رباعيات الخيام والمترجمة عن الفارسية إلي الإنجليزية، أن هناك الكثير من الرباعيات لأكثر من مترجم، ولكن الإنجليز يعتبرون ترجمة فيتزجيرالد إنما هي من عيون الشعر المترجم إلي لغتهم.. وهذا الذي حفزني إلي حفظها من أولها إلي آخرها، وكنت عندما أصل إلي قراءة هذه الرباعية: إلهي عقدت رجائي عليك وأطرقت رأسي بين يديك فإن أنت لم تعفُ عني هلكت وهل مفزع منك إلا إليك أبدأ بذرف الدموع متأثرًا بالشعر، وهذا يدل علي تعلقي بالخيام منذ بداية طفولتي يفسر ظاهرة سيطرته علي كليا منذ ذلك الحين، ولم أكن أعرف الخيام، سوي أنه عاش حياة معينة، وتُرجمت أشعاره إلي اللغة الإنجليزية، أما معرفتي لعمر الخيام الحقيقية، فقد جاءت فيما بعد وسنتحدث عن ذلك لاحقًا.
إذا كان تأسيسك الثقافي باللغتين «الأوردو» و«الانجليزية» فكيف دخلت إلي عالم اللغة العربية؟!
- كان زادي من اللغة العربية مجرد التقاطات قليلة لحوارات تحدث بين الحين والآخر، إلي أن قدر لي أن أرافق عمي في رحلتي الأولي إلي البحرين لقضاء فترة الصيف، وكان ذلك عام 1922 ثم عدت إلي بومباي بعد أن عشت في البحرين لأشهر قليلة. وفي سنة 1925 جاء عمي إلي الهند محملا باللؤلؤ ليبيعه، ثم اصطحبني معه عند عودته إلي البحرين ودخلت المدرسة الإبتدائية التي تأسست قبل مجيئي بسنة واحدة، ولأني لم أكن أعرف اللغة العربية فقد وضعوني في الصف الأول، مع أن عمري آنذاك كان أكثر من 14 عاما، وقد تجاوزت الصف الثانوي في بومباي. وبدأت الدراسة بسرعة متناهية بحيث تيسر لي أن أتجاوز أكثر من صف في الموسم الدراسي الواحد، فوصلت إلي الصف السادس وكنت متميزا علي زملائي، علما بأن الدروس في ذلك الوقت كانت تعتمد علي اللوح والدفاتر، فأتقنت في تلك الفترة الوجيزة علوم الفقة والجغرافيا والتاريخ.
معني ذلك أنك تعلمت اللغة العربية بعد أن تجاوزت الرابعة عشرة من عمرك؟!
- كما قلت كنت أعرف من اللغة العربية بعض الكلمات لأن الوالد كان يحادثني باللغة الهندية «الأوردو»، وفي السنة الأولي لوجودي في البحرين درست النحو العربي وعكفت علي قراءة العديد من دواوين الشعر العربي.. ولما كان لزاما علي أن أعود إلي الهند لكي أحصل علي الشهادة الثانوية فقد عدت وكانت نتيجة ورقتي هي الأولي علي أقراني، خاصة في ميداني الشعر والرياضيات.
لنختزل الزمن أمام محطتك التي انطلقت منها «البحرين»؟
- عندما جئت إلي البحرين بعد أن حصلت علي الشهادة الثانوية، كانت المدارس مغلقة في ذلك الحين بسبب إجازة الصيف فطلب مني بعض التجار أن أقوم بتدريس أبنائهم اللغة الانجليزية. وفي ذلك الوقت كان يشرف علي التعليم الشيخ عبدالله بن عيسي آل خليفة، الذي كلفني بالقيام بمهمة التدريس في نفس المدرسة التي كنت طالبا فيها قبل أن أعود إلي الهند، وظللت منذ عام 1927 وحتي عام 1930 مدرسا للغة الانجليزية.
لم تجبني عن سؤالي الخاص بعلاقتك باللغة العربية؟!
- كنت خلال الثلاث سنوات التي قضيتهامدرسا قد كونت علاقة طيبة مع الشيخ عمر يحيي الذي كان كثيرا ما يقرأ الشعر العربي، فمالت نفسي إلي نظم الشعر باللغة العربية، لأنني كنت أنظم الشعر باللغتين الانجليزية والأوردو
- وقد نشرت أعمالي بهاتين اللغتين
- وكان الشيخ عمر يحيي يشجعني في هذا الميدان، وأذكر البيت الأول الذي نظمته، كان من الوزن الطويل، غير أن الشطرين متصلان وحينما قرأته علي الشيخ عمر.. ضحك مني وقال لي: «هذا لا يجوز!! لأن «فعول مفاعيل فعول مفاعل تختلط مع مفاعيل فعول مفاعل في الشطر الثاني».. وهذا لا يجوز أن يحدث في الوزن الطويل.. وأفهمني أن هناك أشياء أخري متعلقة بالوزن والقافية.
فكيف إذن تربعت علي ناصية الشعر بعد سنوات قليلة من مجيئك إلي البحرين، بالإضافة إلي جدة علاقتك باللغة العربية؟!
- قد يكون السبب ناتجًا عن الغربة.. نعم فالغربة لم تفارقني أبدا حتي لما وجدوني أهلي ووجدتهم، فإنهم وجدوني كإنسان نشأ في ظروف غير ظروفهم ويحمل ذوقا يختلف عن مذاقهم فكان أهلي يعتبرون كتابة الشعر مثلا شيئا عبثيا قد يصل إلي درجة التحريم!
علما بأن الشعر الذي كان ينشر في العالم العربي - في ذلك الوقت
- كان دون المستوي بمراحل عندما نقارنه بالشعر هذه الأيام، فما كان سائدا من الشعر آنذاك هو علي غرار شعر القرن الثاني عشر والثالث عشر أي شعر العصور المتأخرة.
وقد بدأ الشعر نهضته الحديثة في مصر علي يد محمود سامي البارودي الذي كان ينظم علي غرار الشعر الكلاسيكي الذي نظم في أفضل العصور العباسية، وقد وضح أثره في المختارات التي أصدرها في مجموعته التي تناولت ثلاثين شاعرا بدءا من بشار بن برد ثم يكمل السلسلة التي تحتوي علي أساطين الشعراء.
ولما جئت إلي البحرين لم يكن فيها شاعر يرقي إلي مستوي الرصافي أو الزهاوي في العراق، أو شوقي وحافظ في مصر وبشارة الخوري في لبنان وبدوي الجبل في الشام وبذلك لا أستطيع أن أصنفه أو أن أضعه في خانة الشعر الإبداعي، لأن الحياة في البحرين في ذلك الوقت كانت متواضعة والشعر بطبيعته انعكاس لواقع المجتمع ولذا فقد كان شعرا متواضعا.
ماذا كان انتاجك بعد «الذكري»؟
- كتبت مسرحية شعرية باللغة الانجليزية للطلبة، وكذلك كتبت مسرحية باللغة العربية بعنوان «وامعتصماه» وكان ذلك في أوائل الثلاثينيات.
وهل مثلت تلك المسرحيات؟!
- نعم.
أين؟!
- في المدرسة الأهلية التي قمت علي تأسيسها.
قلت إنك قمت علي تأسيس المدرسة الأهلية في أوائل الثلاثينيات في البحرين هل وراء ذلك قصة؟!
- نعم.. لقد عدت من بغداد فوجدت اسمي ضمن القائمة السوداء بسبب اشتراكي في الإضراب مع الطلاب، وكان الاضراب لأسباب يطول شرحها، وهذا الذي دفع بي لتأسيس المدرسة الأهلية التي التحق بها عدد من الطلبة المفصولين من المدرسة الحكومية، حيث جاءوا جميعا وعلي مختلف السنوات الدراسية، وكانوا يشكلون نسيجا يؤكد علي تعايش أبناء البحرين مع بعضهم البعض برغم كل الانتماءات الروحية حيث كانوا من اليهود والمسيحيين بالإضافة إلي المسلمين من مختلف المذاهب ولك أن تتخيل المستوي الثقافي الذي كانوا عليه.. إذ أنهم كانوا يمثلون المسرحيات باللغة الانجليزية وباللغة العربية وخاصة مسرحية وامعتصماه.
وماذا حل بمدرستك الأهلية؟!
- اضطررت لاغلاقها لأسباب اقتصادية لأننا كنا نتقاضي من الطلاب مائة فلس عن الشهر الواحد، والمشكلة أن الطلاب كان معظمهم من أبناء التجار، لكن القليل منهم من كان يدفع رسوم الدراسة.. ونظرا لما كنا نعانيه من أزمات اقتصادية اقترحت علي آباء الطلاب إقامة مجلس للمدرسة من التجار الذين يشرفون علي مصالح المدرسة، وأن يقوم المجلس بإقرار بيع تذاكر يانصيب لتباع التذكرة بروبية واحدة، ونرصد جوائز بحدود الألف روبية، علي أن يكون ما يباع من التذاكر بحدود 1500 روبية، بحيث تستفيد المدرسة من ال500 بعد توزيع الألف روبية علي الرابحين. لكن الفتاوي بتحريم هذه العملية قد صدرت من كل حدب وصوب، مع العلم أن العملية هي أقرب ما تكون إلي جمع تبرعات بشكل تحفيزي تشجيعي ويعود الريع لمصلحة المدرسة والطلاب والأساتذة لكنهم اعتبروا ذلك حراما.
من أين كان يأتي الأساتذة إلي البحرين؟!
- كانوا يأتون من العراق وبلاد الشام كفلسطين والأردن وسوريا وفي أواسط الثلاثينيات بدأ الأساتذة المصريون يصلون إلي البحرين.
هل كانت البحرين ترسل أبناءها للدراسة في الخارج في ذلك الوقت؟!
- نعم.. ولكن كثيرا من الناس كانوا يتشددون في الحرص علي عدم ايفاد أبنائهم إلي الخارج. وأذكر علي وجه التحديد حينما بدأت الحكومة ترسل الشباب لتلقي العلم في الخارج كان من بين المرشحين الدكتور علي فخرو الذي أصبح وزيرا ويشغل الآن منصب سفير البحرين في فرنسا- أثناء اجراء هذا الحوار-.. كان والده يرفض ارساله إلي الخارج لما ذهبت إليه وخاطبته في هذا الأمر مشددا عليه للسماح لابنه بالسفر قال لي: «ربما سيعلمونه شيئا هناك فيه مخالفة للدين، ولا نريد أن نفقد ابننا» فقلت له: «اجعله يعيش زمانه، ودعه يذهب ليتعلم».
وبعد جهد جهيد وافق علي مضض وهو غير راض.. فإذا كان هذا هو حال أبي علي فخرو، وهو من المثقفين وآل فخرو قد عرفوا بثقافتهم وصلتهم بالعالم الخارجي عن طريق ناديهم فكيف هي الحال مع من هم دون ذلك؟!
هل كانت البعثات مقتصرة فقط علي الطلاب دون الطالبات؟
- نعم.. كان ذلك في البداية ولكن لما جاء تعليم البنات في الأربعينيات بدأت الحياة تنحو منحي أكثر تطورا.
إلي جانب اهتماماتك الأدبية، هل كان لك نشاط آخر بعد أن أقفلت المدرسة؟!
- نعم.. لقد فرضت علي ظروف الحياة أن أتنقل في عدة وظائف ومهام انيطت بي، فقد اشتغلت بشركة النفط التي كانت تنقب في قطر والإمارات.. حيث قمت بترجمة معظم الاتفاقات التي أبرمت مع شركات النفط العالمية.
متي قفزت بإنتاجك الأدبي من فوق أسوار البحرين؟
- في سبتمبر 1939 أذكر صبيحة ذلك اليوم كنت ذاهبًا إلي البريد انتظر أن ينزل من المركب البريد الذي يأتي من القاهرة عن طريق البحر، حيث الرحلة تستمر 15 يومًا، واستلمت مجلة (الرسالة) التي كان يصدرها الدكتور أحمد حسن الزيات، ووجدت احدي قصائدي قد نُشرت فيها.. ثم بدأت بعد ذلك بموافاة مجلة الرسالة بالموضوعات والقصائد التي كانت تأخذ طريقها إلي النشر.
هل كان اتصالك بعالم النشر في الخارج قد بدأ في مجلة الرسالة؟
- لا، فكما قلت لك أنني سافرت إلي بغداد وطبعت ديواني الأول (ذكري) وهناك التقيت بالزهاوي، واتصلت بالعديد من الصحف العراقية، وكذلك التقيت بالرصافي والشعراء الآخرين، كما التقيت بعدد كبير من الأدباء في بغداد والنجف، حيث بدأت نشاطي الأدبي في العديد من الصحف العراقية. ثم انتقلت بعد ذلك لنشر انتاجي الأدبي في الصحف السورية واللبنانية، إلي أن وصلت إلي الرسالة في مصر، علمًا أنني بدأت أرسل انتاجي إلي الرسالة عام 1934، وقد نُشرت ولكنني لم أطلع عليها بسبب عدم وصولها إلي البحرين.
عندما كتبت مسرحية (وا معتصماه)، هل كان ذلك بسبب تأثير أمير الشعراء أحمد شوقي عليك، إذ أنه كتب العديد من النصوص المسرحية حينذاك؟
- لا!! أنا قرأت الكثير من المسرحيات بلغاتها، وكنت قد حضرت العديد من المسرحيات في الهند، أينعم أنني قرأت (مجنون ليلي) لشوقي، ولكنني علي اتصال بعالم المسرح، وليس كما كتب بعض النقاد المصريين من أنني قد تأثرت بشوقي.
بماذا يتميز إبراهيم العريض في شعره ونثره؟!
- بالشعر القصصي، ولا أعتقد أن هناك من سبقني في هذا المجال، فما اكتبه هو بمثابة قصة، وما كتبه سواي عبارة عن حكايات اعتيادية لها بداية ووسط ونهاية. أما قصصي التي أضمنها أشعاري فهي التي طبعتني بخصوصية عرفت بها بين أوساط الأدباء، وعلي سبيل المثال في المجموعة التي كتبتها في الثلاثينيات رواية عنوانها (التمثال الحي)، وهي عبارة عن فتاة بائسة وتعاني من الجوع، ويلتقطها فنان لكي يصورها نحتًا وينسي أنها جائعة.. أقول فيها: تمت الدمية لا ينقصها غير الحوار فانثني يضحك للغادة في شبه اعتذار انظري صنع يدي، فهو جدير باعتبار إنها معجزة خالدة.. مثل النهار ورآها لم تحرك شفه والجسم عار فدنا منها وفي أضلعه جمرة نار وإذا بالخود في موضعها مثل السوار جسد من غير روح مستمر في انتظار إنما الثغر، كما يهواه، في حال افترار.
وانحني بين يديها باكيًا سوء مآله وطوي حاشية الثوب عليها، في اعتلاله أنا أدعوك.. وهل يسمع ميت صوت آلة؟
! .. إلي أن يقول: ومضي يعثر بالشيء ويهذي في اختبالة
عندما ألقيت هذه القصيدة في الستينيات في الإسكندرية في مؤتمر شعري، كان هناك أحمد رامي وبنت الشاطئ ومحمود أمين العالم وغيرهم ممن يهتمون بالشعر، حيث لقيت تلك القصيدة لديهم إعجابًا منقطع النظير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.