مكامير الفحم مشكلة مزمنة فهي تعمل بطريقة بدائية تلوث البيئة بأدخنة تحوي غازات سامة تضر بصحة الأهالي الذين يعيشون بالقرب منها وبالعاملين فيها وبالأراضي الزراعية والمجاري المائية.. وهي أحد اسباب السحابة السوداء التي تخنق البلاد في الخريف ويساعد عليها عوامل جوية محددة في هذا التوقيت من العام. كل محاولات تطوير هذه الصناعة باءت بالفشل حتي الآن.. فوزارة البيئة دخلت طرفا لانها المسئولة عن البيئة لكنها حولتها لحقل تجارب.. ما بين إلزام أصحاب المكامير ببناء نموذج بمواصفات معينة تم ترخيص اعتمادها وترخيصها دون ابداء الاسباب بعد تكبدهم تكاليف مرتفعة!!.. ثم تعود وتقدم نموذجاً آخر عرفة أصحاب المكامير بالقفص أو الفرن الحديدي لكنهم رفضوه لتكلفته الباهظة التي تزيد علي ربع المليون جنيه وحاجته لصيانة دورية مكلفة ايضا!!.. هناك أيضا نموذج وحيد مطابق للمواصفات تمت اقامته في احدي قري القليوبية ويطالب اصحاب المكامير بتعميمه لكن مطلبهم يواجه بالرفض من وزارة البيئة!! اخيرا قالت الوزارة انها عقدت اتفاقا مع إحدي الشركات الاوكرانية لاستيراد فرن مطور لانتاج الفحم النباتي وانه تم تسليم نموذج منه لتجربته في القليوبية وتم الاتفاق علي تخصيص قطعة أرض بالمنطقة الصناعية لتكون نواة لذلك المشروع.. لكنها كلها مجرد اتفاقات لم تدخل حيز التنفيذ لتصبح المكامير حقل تجارب بلا نهاية. واذا كانت كل الاطراف تعاني وتتألم فإن الصناعة نفسها تصرخ طالبة سرعة التطوير فعدد المكامير علي مستوي الجمهورية يبلغ 942 معظمها في القليوبية التي تضم وحدها 165 مكمورة.. وهي صناعة تساهم في انتاج سلعة يتم تصديرها لأوروبا والدول العربية وتستوعب عمالة تقدر بعشرت الآلاف.. والأهم انها تستوعب بقايا الاخشاب المستخدمة في صناعات عديدة ونواتج تقليم الاشجار واهمالها يعني خلق مشكلة بيئية بمحاور مختلفة!! حسين فتحي - منتج فحم بمركز طوخ يؤكد استعداد أصحاب المكامير لتطوير صناعتهم شرط الجدية حتي لايتكرر ما حدث من وزارة البيئة التي قامت بتوزيع نموذج للبناء مطابق للمواصفات ليتم الحرق بداخله وقام حوالي 50 من أصحاب المكامير بالبناء حسب المواصفات التي تريدها الوزارة ثم فوجئوا بعد البناء بسحب الترخيص رغم تكبدهم مبالغ كبيرة فالمبني يتكلف حوالي 80 ألف جنيه!! يضيف ان طوخ بها حوالي 300 مكمورة يعمل بها 20 ألف عامل في مراحل الانتاج المختلفة وإذا لم يتم التطوير فهذا العدد من العمال معرض للتشرد!! محمود غزال- صاحب مكمورة قدمت وزارة البيئة أيضا مشروع القفص الحديدي أو الفرن الحديدي الذي يريدون تعميمه لصناعة الفحم بدلا من المكامير التقليدية لكنه مشروع فاشل بسبب تكلفته العالية التي تصل إلي 280 ألف جنيه بالاضافة لتكلفة الصيانة الدورية لتآكل الحديد بفعل النيران!! يؤكد كلامه مهدي الديب - صاحب مكمورة موضحاً ان مساحة القفص صغيرة ولا تنتج سوي عشرة اطنان شهرياً من الفحم وهذه الكمية ضعيفة جداً ولاتغطي متطلبات السوق الداخلي والخارجي وستكون النتيجة ان عدداً كبيرا من العمال سيصبحون بدون عمل. يوضح محمد جاد الله - ومحمد حسن - صاحبا مكامير فحم- أن صناعة الفحم تقوم علي مخلفات الثروة الخشبية في البلاد والتي لاتدخل في أي صناعة أخري حيث يتم تجميعها وحرقها فإذا انتهت هذه الصناعة فأين يذهب الفلاح بمخلفات أشجاره؟ هل يتم حرقها مثل قش الارز.. لذلك لابد من الحفاظ علي هذه الصناعة بتطوير أساليب الانتاج غير الضارة بالبيئة وبصحة المواطنين خاصة بعد اقتراب الكتلة السكانية من مناطق الانتاج فالحل الامثل بعيد عن حالة التخبط التي حولت المكامير لحقل تجارب هو نموذج فرن الحرق الموجود بقرية ترسا مركز طوخ والذي افتتحه محافظ القليوبية السابق ووكيل وزارة البيئة ويعمل الآن تحت اشراف وزارة البيئة وبالمواصفات البيئية المطلوبة وهو مزود بجموعة من الفلاتر واحواض المياه المضاف إليها بعض المواد الكيميائية مما يقلل انبعاث الادخنة والغازات بشكل كبير جدا. بالاضافة لاستيعابه لكميات الخشب ذات الاحجام الكبيرة وحرقها بشكل جيد عكس الفرن الحديدي الذي لا يستوعب سوي القطع الخشبية الصغيرة ونتيجة التفحم ومستواها ضعيف حتي ان الاشجار الكبيرة لاتصلها النيران ولا تتم عملية التفحم لها!! هشام صلاح مطر- صاحب النموذج الوحيد المرخص له بالعمل والموجود في قرية ترسا يشرح تجربته قائلا جاءت لجنة من وزارة البيئة وبعض الجهات الهندسية الاخري وقاموا بإعطائي رسما هندسيا وطلبوا مني البناء بنفس المواصفات الموجودة بالنموذج وبالفعل قمت بالبناء وعادت اللجنة لاستلام المبني والتأكد من مطابقته وتم تشغيله بعد تركيب أجهزة تتحكم في كميات الادخنة وثبت من خلال التجارب المتكررة انه لايوجد اثر لانبعاث الغازات أو الادخنة.. بعدها قامت الوزارة باستخراج الترخيص وكان ذلك عام 2006 مازال الفرن يعمل بشكل جيد ولا أعلم لماذا لا يتم تعميمه علي باقي المكامير بالمنطقة. محمد العقل - صاحب مكمورة يقول ان القليوبية أكبر محافظة منتجة للفحم لذلك نطالب بتعميم نموذج فرن قرية ترسا وتوحيد جهات الاشراف في وزارة البيئة فقط حتي يمكن توفيق الاوضاع دون بلبلة. عنتر الديب - صاحب مكتب تصدير يقول ان هذه الصناعة توارثناها عن اجدادنا ونقوم بتصدير الفحم إلي الدول الاوروبية والعربية ويتراوح سعر الطن بين 600 و 1000 دولار تساهم في الاقتصاد القومي.. لذلك فالمطلوب تطويرها وتحديثها.. فمركز طوخ ومنطقة اجهور ينتجان وحدهما 80% من الكميات المصدرة علي مستوي الجمهورية. فهيم هنيدي- يؤكد انه الوحيد والذي بادر من أصحاب المكامير بنقل نشاطه إلي منطقة صحراوية بالخطاطبة منذ عام 1997 عندما استشعر ان هناك تأثيراً سلبيا علي المواطنين والبيئة.. فصناعة الفحم مربحة ولكن لها تأثير سيئ علي صحة المواطنين وقائدي السيارات والزراعة والمجاري المائية بسبب التلوث والعوادم الناتجة عن عمليات الحرق. يطالب زملاءه أصحاب المكامير بالاقتداء به ونقل نشاطهم إلي خارج الكتلة السكنية بالصحراء خاصة ان عوامل الانتاج من كهرباء ومياه متوافرة هناك وبالنسبة للأيدي العاملة يتم نقلهم والعودة بهم وبنفس التكلفة تقريبا.. بالاضافة لاتساع الاماكن التي تسمح بانتاج أفضل بعيدا عن مشاكل البيئة. وليد عزت بربش- محامي - أبدي انزعاجه لوجود المكامير داخل الكتلة السكانية فمنزله يقع علي طريق بنها- القناطر ويتركز علي جانبيه وبالقرب منه أكبر عدد للمكامير علي مستوي الجمهورية وطوال اليوم يتنفس السكان أدخنة سوداء.. حركة السير للسيارات في الفترة من السادسة مساءً حتي فجر اليوم التالي تكون صعبة جداً حيث تنعدم الرؤية بشكل كامل علي الطريق وتكثر الحوادث. يطالب بنقل المكامير بعيدا عن الكتلة السكنية إنقاذا للأهالي من الامراض الصدرية المزمنة خاصة ان كل محاولات التطوير باءت بالفشل. إبراهيم حنكوش- موظف أشار إلي ان معظم الاطفال اصيبوا بأمراض صدرية أقلها الحساسية والربو وضيق التنفس والحياة أصبحت اشبه بالكابوس بسبب التلوث فالمنازل اصبحت اشبه بالزنازين بسبب إغلاق الابواب والشبابيك ليلا ونهاراً هربا من الدخان. ناصر حلاوة- صاحب محل لقطع غيار السيارات يقول ان منزلي بعيد عن منطقة المكامير بحوالي أربعة كيلو مترات لكن رائحة الدخان تصل إلينا ليلا وتحيل حياتنا إلي جحيم لدرجة انني اغلق المحل مع بداية تصاعد الدخان مما يضر بتجارتي.. بالإضافة لتعرض السيارات المارة بالطريق للسرقة بسبب السير ببطء أو الوقوف علي الطريق لانعدام الرؤية أو تعرض السائقين لاختناق بالادخنة. يطالب بالنظر بموضوعية لتلك المشكلة بتطويرها وعدم الغائها لانها تحل مشكلة البطالة في المحافظة بسبب العمالة الكثيفة التي تستوعبها.. كما ان اصحاب المكامير انفسهم غير راضين عن طريقة عملهم التي تلوث البيئة وتضرهم هم والعمال. د. خالد القاضي- أستاذ علوم البيئة جامعة حلوان يري ان المكامير هي أخطر صور التلوث البيئي علي صحة الانسان لانها تنتج كميات كبيرة من الغازات والاكاسيد خاصة ثاني أكسيد النيتروجين والكربون مع تصاعد العوالق الميكانيكية في الهواء مما يتسبب في الإصابة بأمراض الربو المزمن والحساسية والاطفال أكبر الفئات المضارة.. بالاضافة لتلوث التربة الزراعية وتحولها لتربة غير صالحة للزراعة وتلوث المجاري المائية. يضيف أن كل محاولات التطوير لم تؤد حتي الآن لنتيجة ايجابية لذلك لابد من غلقها ونقلها بعيداً عن الكتلة السكنية وعلي الدولة توفير أماكن بديلة لانها صناعة ذات مردود اقتصادي هام ويجب مراعاة البعد الاجتماعي للعاملين بها أيضا عند اتخاذ أي اجراء. وزارة البيئة حاولنا الاتصال بالمسئولين في وزارة البيئة لمناقشتهم فيما قاله أصحاب المكامير وحالة التخبط التي يعانون منها مع محاولات التطوير وبعد جهد اكتفت الوزارة بارسال فاكس غير منسوب لاحد من المسئولية خلاصته انها نجحت في عقد اتفاق مع احدي الشركات الاوكرانية لاستيراد فرن مطور لانتاج الفحم لتجربته كبديل للطريقة التقليدية المتبعة حاليا.. مؤكدة ان الفرن تكلفته متوسطة وكفاءته عالية واستخدامه سهل وانها في طريقها لتجربته في القليوبية أيضا اضافة للاتفاق علي تخصيص قطعة أرض لتنفيذ المشروع الجديد كحقل تجارب لافكار التطوير.. لكن إلي متي المكامير هذا هو السؤال؟