لقد أثني الله كثيراً في كتابه الكريم علي صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار. وذلك مثل قوله تعالي: "والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم" وقوله: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهارخالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم" وقوله: "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون "8" والذين تبوؤوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون". وخص بالثناء والرضا اصحاب بيعة الرضوان. وسبب هذه البيعة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم خرج مع أصحابه في السنة السادسة من الهجرة متوجهين إلي مكة يريدون العمرة. وساقوا معهم الهدي. ولم يخرجوا لقتال. فعلمت قريش. فغضبت وعزمت علي عدم السماح لهم بدخول مكة. فبعث اليهم عثمان بن عفان ليخبرهم انهم ما جاءوا لقتال. ولكن للطواف ببيت الله الحرام. فاحتبسته قريش عندها. فأشيع بين المسلمين انه قتل. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لا نبرح حتي نناجز القوم" أي نقاتلهم. فبايعه من كان معه من الصحابة علي القتال حتي الاستشهاد. وكان عددهم يفوق الألف وأربعمائة. كانت هذه البيعة تحت شجرة بالحديبية. فعلمت قريش ما نوي عليه الرسول صلي الله عليه وسلم وأصحابه. فأطلقوا عثمان. وأرسلوا إلي الرسول يفاوضونه علي أن يرجع هذا العام. ثم يأتي في العام الذي يليه. قال تعالي: "لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فانزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا "18" ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً" أي ان الله علم ما في قلوبهم من الصدق والوفاء والسمع والطاعة. فأنزل في قلوبهم الطمأنينة. وأثابهم فتحا قريباً. وهو ما يعرف بصلح الحديبية. وقد كان هذا الصلح في ظاهره الأمر مجحفاً بالمسلمين. ولكن كان فتحا باعتبار ما فيه من المصلحة وما آل الأمر اليه. فقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم مشغولاً قلبه بما تشنه قريش من حروب عليه. فلما أمن جانبهم بهذا الصلح تفرغ للدعوة خارج المدينة. وأرسل سفراءه للملوك والرؤساء يدعوهم للدخول في الاسلام. وفتحت خيبر. وتم تقسيم غنائمها علي من حضروا صلح الحديبية. وفتحت مكة. وانتشر الاسلام في ربوع الأرض شرقا وغرباً. قال تعالي: "إنا فتحنا لك فتحا مبينا "1" ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيماً "2" وينصرك الله نصراً عزيزاً".