سيدنا موسي صلي الله عليه وسلم من الأنبياء الذين صنعهم الله علي عينه. منذ قدومه إلي الحياة من بطن أمه. فها هو كليم الله يتمتع بهذه الرعاية والعناية من الخالق سبحانه. فحينما ألقت به أمه في ماء النهر كانت العناية الإلهية تحرسه وسط الأمواج التي كانت رحيمة به. قلب الأم أصبح فارغاً إلا من ذكر وليدها. يقطر حزناً وهلعاً لفراقه. وازداد رعبها عندما تواري عن عينيها. أخذ الشيطان يوسوس لها. فقالت في نفسها. لو أنني ذبحت ولدي بيدي وكفنته لكان أحب إليّ من أن ألقيه في دولاب ثم أقذف به في الماء لكي تلتهمه دواب البحر وحيتانه. حديث أخذ يذهب بالأم كل مذهب وما تدري أن عين الرحمن تراقب هذا النبي الصغير. حياة سيدنا موسي كانت وستظل مثار حديث مختلف الأوساط في كل العصور علي مدي الأيام. فمنذ وصل ذلك الصندوق الصغير إلي مرفأ المسقي الخاص بجواري امرأة فرعون بعد أن تقاذفته مياه النهر حتي دفعته إلي هذا المكان. وحينما أخذته الجواري رفضن أن يفتحن هذا التابوت خوفاً من أن امرأة فرعون لن تصدق أي أقوال لهن حملنه كما هو فلما فتحته رأت فيه غلاماً. وبمجرد أن وقعت عينها عليه ألقي الله محبته في قلبها بصورة ليس لها مثيل مطلقاً. بينما الأم ترتعد خوفاً من أن زبانية فرعون سوف يذبحونه. وفعلاً وصل الذباحون ومعهم الأدوات بعد أن شاع الخبر في كل الأماكن. فقالت لهم امرأة فرعون. اتركوه فهذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل. وماذا سيضيف هذا المولود. انتظروا حتي يأتي فرعون. وسوف استوهبه منه. فإن وهبه لي كنتم أحسنتم بهذا الصبر والانتظار. وإذا أمر بعملية الذبح فلن أوجه لكم لوماً. قلب امرأة فرعون يخفق بحب هذا المولود الذي حملته الأمواج إلي قصرها.. سبحان الله. بعد فترة قصيرة وصل فرعون فقالت له: دعه قرة عين لي ولك فقال فرعون: هذا بالنسبة لك أما أنا فلا حاجة لي فيه. عناداً ومكابرة. وصدق رسول الله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم حين قال: "والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون قرة عين له كما أقرت امرأته لهداه الله كما هداها ولكن حرمه الله ذلك" انها حكمة رب العالمين فهو القائل: "ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها". بعد مناقشة قصيرة بين فرعون وامرأته حول مصير المولود حيث تركه لها. وهنا انصرف الذباحون. وبدأت المرأة في البحث عن مرضعة لكي تحافظ علي الصغير وأرسلت وفوداً إلي كل مكان. وفي كل مرة يتم إحضار مرضعة وبمجرد أن تضع ثديها في فم الصغير يرفض بشدة. ثم تأتي ثانية ويتكرر الموقف مرات أخري بلا فائدة. ثم تمضي الأمور كما أرادها الحق سبحانه. فقد حرَّم الله عليه المراضع لكي يعود إلي ثدي أمه ولكي تشعر الأم أن وعد الله لها حق. ولكي يعرف كل البشر أن قيوم السماء والأرض يدبر الأمور بحكمة ودقة تتضاءل أمامها أي قوة للبشر. فاعتبروا يا أولي الأبصار. في وسط هذا التوتر في قصر الفرعون ظهرت أخت سيدنا موسي تنفيذاً لتكليف أمها. فأخبرت الحاضرين بأن لديها مرضعة. امرأة فرعون قالت: احضريها فوراً لأن قلبها يقطر حناناً علي الصغير إذ تخشي عليه أن يفقد حياته لعدم الرضاعة. ذهبت الأخت فأحضرت الأم وبمجرد أن وضعته في حجرها وقدمت له الثدي بينما امرأة فرعون تراقب الموقف لكنها لم تصدق عينيها حين التقط ثدي أمه وأخذ يرضع متمتعاً بحنان الأم. خاصة انها في كنف حاكم أمر مصر. هذا قدر الله وإرادته الحكيمة. وبمجرد أن اطمأن الصغير في حضن المرضعة الجديدة والتي لا يعرف أحد أنها أمه. تم الاتفاق علي أن تصطحبه إلي منزلها. وبعد فترة ترعرع موسي فطلبت امرأة فرعون أن تراه. فأحضرته الأم في أحد الأيام فلما رأته انفرجت أساريرها. وأصدرت تعليماتها بضرورة ألا يحضر كل من يعرفونها من الحاشية والمقربين إلي القصر إلا ومعه هدية لهذا الصغير فانهالت الهدايا علي الأم ووليدها وصدق ربنا "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً" بينما يدخل موسي وأمه في النعيم.. إنها عناية الله ومشيئته.