كن خلوقاً.. لا تكذب.. لا تشتم.. لا تحتقر أحداً ولا تظلم أحداً.. تصرف مع الناس بأدب واحترام وعاملهم كما تحب أن يعاملوك.. التزم بالصبر مع من يختلف معك أو يختلف عنك.. ولا تفحش في القول.. لا تسرق ولا تعتدي علي المال العام.. أيقظ ضميرك وراقب ربك وحاسب نفسك.. ساعد الضعيف والمحتاج.. وإياك وشهادة الزور. هذه مدونة مختصرة لمنظومة الأخلاق في مجتمع يحتاج فعلاً إلي إحياء الأخلاق التي تدهورت.. وأستطيع. وتستطيع أنت ايضا أن تضيف إليها سطوراً وصفحات.. وتنشرها في الجرائد وتذيعها في كل القنوات التليفزيونية والإذاعات.. وتبعث بمن ينادي بها في الأسواق والشوارع والحارات عبر الميكروفونات.. لكننا للأسف لن نحقق بها شيئاً مما نريده ونستهدفه.. لأن هذه الطريقة القديمة جداً لم تعد مناسبة.. ولم يعد أحد يقتنع بها. رسالة الأخلاق الحميدة ليست سلعة يراد الترويج لها عبر وسائل الإعلام ومنابر المساجد والكنائس.. ولن تصل وتؤثر في الجمهور المستهدف من خلال إعلان مبادرة أو تشكيل جمعية وجماعة ومجلس أمناء.. أو الدعاية لها بإعلان تليفزيوني.. رسالة الأخلاق علم وتربية وسلوك.. وهي عملية معقدة ومتشابكة لا تتم بالتلقين وإنما بالممارسة والتفاعل وتقديم النموذج والقدوة.. وخلق بيئة صالحة ترفع من قدر وقيمة الأخلاق وتستهجن وترفض من يخرجون عليها. إذن البداية تأتي من النموذج والقدوة التي تمثلها النخبة المجتمعية وقادة الرأي.. الزعيم السياسي وصاحب المنصب الرفيع والوزير والقاضي وشيخ المسجد والكاتب الصحفي والأديب والنجم الرياضي والفنان الذي يتحدث علي الشاشة وغير هؤلاء ممن يحبهم الناس ويشاهدونهم هم في الواقع الركائز الأساسية لمنظومة الأخلاق.. إذا صلحوا صلح الناس وإذا فسدوا أخلاقياً فسد الناس.. ما هي القيم التي يروج لها هؤلاء في أقوالهم وأفعالهم التي تقلدها قطاعات عريضة في المجتمع؟! الرسائل السلوكية التي يثبها قادة الرأي هي التي تشكل جزءاً كبيراً من منظومة الأخلاق العامة.. ولذلك يجب علي المسئولين في المجتمع المهتمين بإحياء منظومة القيم والأخلاق أن يدققوا ويحللوا مضمون تلك الرسائل جيداً.. مع العلم بأن الناس لا تفصل بين القول والسلوك.. والسلوك يؤثر فيهم أكثر من المواعظ.. وهم يقلدون الفنان المحبوب "القدوة" الذي داس علي القانون بقدميه وذهب ليأخذ حقه بذراعه.. أو الفنانة المحبوبة التي استطاعت أن توقع بالرجل الكبير وتحصل علي أمواله لأنه كان يسئ معاملتها عندما كانت تعمل خادمة في بيته وهي طفلة.. هذه السلوكيات تهدم كل الأقوال والمواعظ التي يتحدث بها خطباء المساجد والقساوسة في الكنائس علي مدي سنوات طوال. ولو دققنا في الأسباب الحقيقية لانهيار منظومة الأخلاق في مجتمعنا فسوف نكتشف أن الاغنيات البذيئة والأفلام والمسرحيات الهابطة لعبت دوراً كبيراً في هذا الانهيار ومازالت تروج لثقافة العشوائيات والانحطاط والعنف اللفظي والفعلي بدعوي الواقعية وحرية التعبير.. يضاف إلي ذلك لغة البرامج الساذجة والتافهة التي يجري الترويج لها من أجل تدمير الأخلاق العامة. ثم يأتي بعد ذلك دور البيت والمدرسة.. وهو دور صار هامشياً اليوم.. ومع ذلك فهو ممتد ومتشابك مع ما يبثه الإعلام.. ولا يمكن أن ينفصل عنه.. ويكفي أن نعرف أن "مدرسة المشاغبين" التي تم الترويج لها في القرن الماضي تحققت وبجدارة وعمق في مدارسنا في هذا القرن.. وصارت مرضاً عضالاً لا ينفع معه النصح والتوجيه والموعظة. نحن في حاجة إلي منهج إصلاحي متكامل.. تتشارك فيه كل مؤسسات الدولة.. بالفعل لا بالقول.. بالسياسات والخطط لا بالمهرجانات والاحتفالات.