أول أسس فن الحكم هو توفير العمل، لأنه مهما كانت النفقات، فالشعب الذي يسوده السأم، يتعذر علي حاكمه أن يسوسه إذا كان التعليم يهدف إلي إكساب الانسان كما هائلا من المعارف والمعلومات فالدين يهدف إلي إكساب الفرد القيم الفاضلة والأخلاق الحميدة وتدريبه علي الأعمال الصادقة والسلوك الحسن، فالتعليم يهتم بعقل الانسان فقط، أما الدين فيهتم بالعقل والقلب والوجدان، يهتم بالنيات والطموحات المشروعة والآمال المحققة لخير البشر. وفي الأساس الدين يهتم بظاهر الانسان وباطنه.. هذا ما تشير إليه د. أمينة أحمد حسن في مؤلفها القيم: «نظرية التربية في القرآن، وتطبيقاتها في عهد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام».. فليس هناك قوة علي وجه الأرض تكافيء الدين أو تدانيها في تعديل سلوك الفرد وتعليمه احترام القانون والولاء والانتماء للوطن والمجتمع، وعلي تماسكه، واشاعة أسباب الراحة والطمأنينة فيه، فإذا صلحت العقيدة صلحت التربية واذا فسدت العقيدة فسدت التربية. إذن الانسان مقود من باطنه لا من ظاهره، وليس قوانين الجماعات ولا سلطان الحكومات «كافيين» وحدهما لاقامة مجتمع فاضل، تحترم فيه الحقوق، وتؤدي فيه الواجبات علي وجهها الأكمل. إن الذي يؤدي واجبه رهبة وخوفا من السجن او العقوبة المادية، لا يلبث أن يهمله متي اطمأن إلي أنه سيفلت من العقاب ، ومن طائلة القانون. ومن الخطأ أن تعتقد ان في نشر العلوم والثقافات وحدهما ضمانا للاستقرار والأمن والطمأنية وسيادة القيم الخلقية الكريمة ذلك ان العلم سلاح ذو حدين يصلح للهدم والتدمير، كما يصلح للبناء والتعمير، ولابد من حسن استخدام العلم بوجود رقيب أخلاقي داخل الانسان يوجهه للخير، وإلي عمارة الارض لا إلي نشر الشر والفساد، ذلك الرقيب هو العقيدة، ومن ثم فإن الدين هو الوعاء الذي يجمع كل القيم وتنبع منه كافة المقومات الأساسية للمجتمع، فالانتماء للوطن والعطاء وتربية النفس والبدن واحترام الحريات والحق في التعبير وابداء الرأي في القضايا المعاشة.. يصبح الأمر شوري بين الناس، ويجنبهم الوقوع في الشرك وإرتكاب الخطأ أو السقوط في الخطيئة. كما أن التوزيع العادل للثروة علي أبناء الوطن، كل بقدر عمله وكفاءته بعيدا عن المحسوبية والشللية وجماعات الاسترزاق يحقق الأمن والاستقرار. كما ان الخلل والتناقض الاجتماعي الذي يصيب المجتمعات أفرادا وجماعات هو النتيجة الحتمية لغياب أو تقلص دور الدين في بناء المجتمع، ونستطيع ان نقول: إن رسالة العلم ولدت يوم ولدت العقيدة، وولدت معها القيم لبناء مجتمع سليم. ويقول د. أبو الوفا التفتازاني النائب الأسبق لرئيس جامعة القاهرة، رحمه الله، والداعية الاسلامي الكبير في مؤلفه: «مفهوم العلم في الاسلام» إلي انه من الخطأ الظن ان الأخلاق الفاضلة تتحقق للفرد أو المجتمع بمجرد سن القوانين وتوقيع العقوبات، ما لم توجد القدوة الحسنة في مختلف المجالات إذا لم يكن الانسان راغبا في نفسه تغيير ما عليه من أخلاقيات فاسدة، فلن يتحقق شيء والله سبحانه وتعالي يقول: «إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم». والحديث موصول.