دعا الإسلام إلي التحلي بالأخلاق الفاضلة والتخلي عن الرذائل, باعتبار أن التحلي بالأخلاق الكريمة والقيم النبيلة مطلب إنساني وأساسي أصيل في الدين الإسلامي الذي جاء لإصلاح حال البشرية وتعمير هذا الكون ليقوم بأداء الرسالة التي خلقه الله من أجلها وجعله خليفته لتعميرها, فكان من أعظم أهدافه التي جاء من أجلها غرس القيم العظيمة والأخلاق الكريمة التي تحقق للإنسانية الأمن والاستقرار. وحذر الإسلام من مغبة التخلي عن الأخلاق الفاضلة حتي لا يصبح المجتمع بأفراده لعبة في يد الشياطين وتنهار فيه الأخلاق, ويفقد الناس فيه الأمن وتتحول علاقتهم إلي علاقة تربص كل بالآخر. يقول الدكتور حذيفة المسير أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر: إن الدعوة إلي التزام الفضيلة في التعامل مع الناس أمر أجمعت عليه الأديان كلها لأن غاية الأديان أن يتحقق للمجتمع استقراره, وهذا الاستقرار لا يتحقق بدون الفضائل سلوكا وعملا, ومن هنا أوضح الرسول صلي الله عليه وسلم أن الهدف من بعثته هو إتمام مكارم الأخلاق, ولكي يصل الإنسان لهذه الدرجة لابد أولا أن يكون عنده حافز نفسي واقتناع قلبي بأهمية التزامه بالفضائل في حياته, وأنه بدون هذا الحافز لا يستطيع الإنسان أن يستمر علي الحق, وبدون هذا الاقتناع لا يستطيع أن يبدأ طريق الوصول إلي الحق, والمجتمع في غيبة الفضيلة مجتمع تتجاذبه الشياطين وتنهار فيه الأسس ويفقد الناس فيه الإيمان, وتصبح علاقة بعضهم ببعض علاقة العدو المتربص, وليس القريب والمحب, والمتأمل في القرآن الكريم يجد أنه يدعو للتعامل بالفضائل مع الجميع في كل الأحوال لقوله تعالي.. واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربي واليتامي والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل, وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا, ويأمر في موضع آخر فيقول ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي, وإذا كان علماء الاجتماع والفلسفة يقولون إن الانسان مدني بطبعه فمعني ذلك أنه لا يعيش إلا في مجتمع متعاون وفيه أفراد يلبون حاجات المجتمع كله, ولا يمكن أن يتحقق هذا التعاون في مجتمع تتفشي فيه الرذائل فينتشر الظلم وتنعدم الثقة وتزول الرحمة وتصبح تعاملات الناس مع بعضهم البعض مبنية علي البغضاء والغش والحسد, فإذا عرف الانسان ذلك كان من الضروري له الاستقرار في حياته لكي يجد حاجاته الضرورية, ويعيش آمنا علي نفسه وأولاده, فوجب عليه أن يساعد في انتشار الفضيلة بين أفراد المجتمع بادئا بنفسه في تطبيق ذلك, كما أن القرآن الكريم يحذر من مغبة الخروج علي ذلك ولو بمجرد التمني لقوله تعالي إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة وعذاب الدنيا ليس واقفا علي ابتلاء الله للإنسان بل إن من عذاب الدنيا أن يصاب الانسان بالأثر السلبي لما أحب أن يكون في المجتمع من تلك الأخلاق الرذيلة, ويكفي المسلم أن يضع في تعاملاته نصب عينيه قول النبي صلي الله عليه وسلم لا يكن أحدكم إمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت, ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم وما عند الله خير وأبقي. ويري المسير أن المجتمع إذا أيقن, حاجته كله للفضيلة وشؤم الرذيلة عليه وجب علي المجتمع أن يتعاون حتي لا تفقد الأجيال فضائل الأخلاق, فلابد أن يكون هناك اهتمام من الدولة بإبراز قيم القدوة والفضيلة والحرص علي تكريم أصحاب الفضائل وأن يكون للأخلاق دور في إسناد الأمور إلي أصحابها واستمرارهم فيها كما يجب علي الدولة أن تعمل علي تقديم الأخلاق في المدارس والجامعات نظريا وتطبيقيا فتصبح المدارس مواطن لبناء الفضيلة, وليست مراكز للإنسلاخ منها, ثم لابد أن يتحمل الإعلام دوره فلا يعقل بحال من الأحوال أن تكون وسائل الإعلام متهافتة وراء المنسلخين عنها, وأن يصبح هؤلاء هم نجوم الإعلام المشاهد والمسموع والمقروء, وأن تصبح نماذج البلطجة والخروج علي القيم والتقاليد والأديان هي محور ما يقدم في الإعلام من برامج ومسلسلات وغيرها, كما أن المجتمع في تعاملاته لابد أن يقوم بدور المراقب والناصح فلا يسمح لأحد بالخروج علي تلك الفضائل ثم يجد من الناس بعد ذلك تقديرا أو عدم مبالاة, بل لابد أن يجد منهم ازدراء وابتعادا عن التعامل معهم ولا يمكن أن نغفل دور الأسرة لخطورته في غرس الفضائل إذ أنها تغرس الفضائل في نفوس الأطفال بدون قصد ولا كبير جهد فمجرد التنشئة تجعل لهذا أو ذاك وتجعله مقدرا لهذا الطريق أو لغيره, وإلي جانب ذلك لا يقل دور المسجد والمؤسسات الدينية في الدولة عن باقي الأدوار إذ لا يعقل أن تكون الدعوة إلي الله مبررا للبعد عن الفضيلة عدم الالتزام بها والله تعالي يقول ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فهؤلاء قدوة سواء عرفوا بذلك أو لم يعرفوا والخطر في تجرد الداعي عن الالتزام بما يدعو إليه والحكمة تقول عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل لرجل. ويقول الدكتور علوي أمين أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: إن التنشئة الصحيحة في الإسلام تبدأ من قبل الزواج, والرسول صلي الله عليه وسلم يقول إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه وإن لم تفعلوا تكن فتنة وبلاء عظيم وقال أيضا تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ونسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك فتبني الأسرة علي القيمة الوحيدة التي تعيش أبد الدهر, وهي الإيمان بالله والتي تجعل الانسان حريصا علي مرضاة الله, والله أمرنا بأن نهتم بأولادنا لقوله صلي الله عليه وسلم كفي بالمرء إثما أن يضيع من يعول فالبداية بتربية الطفل ثم تعليمه, وأول التعليم يجب أن يكون بلقاء الله لقوله علموا أولادكم الصلاة لسبع فإذا تعلم الطفل الصلاة ولقاء الله وقي من كل شرور الدنيا وتعلم كل العلوم فكل العلوم أمر الله بتعلمها لقوله تعالي ويرفع الله الذين أتوا العلم درجات. ويقول د. علوي أعجب كل العجب ممن يدعي الإسلام ولا يعرف القراءة والكتابة, ولم يحرص علي تعليم ولده القراءة والكتابة ثم إن في السبع الأخيرة يعلمه الرجولة, وأن يكون رياضيا نافعا ناجحا فاهما الأمور دينه ودنياه فإذا بدأنا بالعقيدة ونشأ الطفل علي الأخلاق الكريمة أصبح هذا الولد نافعا لنفسه والمجتمع فتكون المجتمعات يبدأ من الأسرة فإذا كانت الأسرة منذ البداية نقية طاهرة أصبح المجتمع نقيا طاهرا لأن المجتمعات نتاج الأسر ثم تأتي رعاية المجتمع لمن فيه, فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة بأسلوب حسن هذه مهمة المجتمع لتأتي بعد ذلك الدولة لتهيئ للأسرة والمجتمع الحياة الكريمة, فإذا أدت الدول دورها والأسرة دورها والمجتمع دوره فالأخلاق الفاضلة والقوة والمنعة تكون لمن تربوا في هذا المجتمع. ومن جانبه يؤكد الدكتور عبد الغفار هلال عميد كلية اللغة العربية الأسبق أن الأخلاق والقيم أساس عظيم من أسس الدين الإسلامي باعتباره دينا إلهيا جاء ليصلح الإنسان وليعمر الإنسان الكون علي أساس المبادئ والأخلاق والمثل التي جاء بها الإسلام وهي توافق الطبع الإنساني, ولذلك قال صلي الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وهذا ملخص الإسلام بأنه مجموعة قيم ومبادئ وأخلاق وحينما وصف الله تعالي رسول الكريم في قوله وإنك لعلي خلق عظيم كان هذا لإعلاء شأن القيم التي ينبغي أن تسود في المجتمع لأنها تصلح الفرد والمجتمع كله فإذا تمسك الإنسان بالفضائل وامتنع عن الرذائل فإن حياته ستستقيم فلا يسلب معه إنسان ولا يعتدي علي أحد ولا يسيء لأحد, وهذه القيم كلها ثروة عظيمة يجب أن يتحلي بها الفرد والمجتمع. حيث سأل الرسول صلي الله عليه وسلم أصحابه أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس من لا درهم له ولا متاع فقال لهم صلي الله عليه وسلم: المفلس ليس كذلك, وإنما هو من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وحج, ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وضرب هذا وأكل مال هذا فيأخذ هذا من حسناته, وهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم ثم طرح عليه ثم طرح في النار ومعني ذلك أن القيم علي أساسها يصلح الناس والمسئول عنها هو الانسان أمام الله حيث يسئل عن تصرفاته وسلوكه, والمفترض أن الانسان بعد البلوغ مطالب بالتمسك بالفضائل.. فإذا لم يمتنع عن الرذائل هنالك تكون النقمة عليه ويعاقب أمام الله لقوله تعالي وقفوهم إنهم مسئولون فإذا علم الانسان بأنه سيقف أمام خالقه وأنه سيسأل عن كل شيء عن ماله, وعن جسمه وعن علمه فيما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه, وفيما أنفقه, وجب عليه إعداد الإجابة التي تنجيه من عذاب الله يوم القيامة.