إن أحداث الفتن وظواهر الثأر والعنف من أخطر ما تواجهه المجتمعات البشرية، ولطالما عانت الإنسانية من أساليب التشدد التى أشعلتها قالة السوء حينا، والشائعات المغرضة أحيانا أخري، فأحدثت شروخا بين فصائل المجتمع، مما تسبب فى معاداة الناس بعضهم لبعض، وظواهر العنف والثأر بين الناس ظواهر قديمة وخطيرة من قديم الزمان. ومن أجل ذلك كان أول ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته فى تأسيس المجتمع الجديد بالمدينة أنه أقام المسجد النبوى ليكون همزة الصلة بين الخلق وخالقهم، وجمع المسلمين بعضهم مع بعض حيث آخى بين المهاجرين والأنصار ثم جمع بين المسلمين وغيرهم، وذلك بأن أبرم أول وثيقة عرفتها البشرية لحقوق الإنسان بين المسلمين وغير المسلمين. كما كانت هناك ظواهر عنف وثأر بين الأوس والخزرج، واستمرت الحروب بينهم سنين عديدة، بل كانت تشتعل لأتفه الأسباب، ربما لأن فرسا سبقت فرسا، فلما جاء الإسلام، دعا إلى جمع الكلمة، وتوحيد الصف، فوحدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأطفأ نار العنف والثأر الذى كان بينهم، وأصلح ذات بينهم، إلا أن اليهود غاظهم اجتماع شمل المسلمين، فأثار بعض اليهود بعض المسلمين وذكر الأوس والخزرج بما كان بينهم من حروب، ومن وقعة بعاث فعادوا إلى حمل السلاح فى وجوه بعضهم، فلما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك ناداهم: أَبِدَعْوى الجاهلية وأنا بين أظهركم دعوها فإنها فتنة، فثاب القوم إلى رشدهم وعانق بعضهم بعضا وأصبحوا بنعمة الله إخوانا، ونزل قول الله عز وجل. «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون» سورة آل عمران [103] وهكذا جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلمة الحق، ووحدهم بعد فرقة. وما أحوج أمتنا ومجتمعاتنا فى هذه الفترة الراهنة إلى التحلى بالأخلاق الفاضلة والمثل الرائدة لقد أكمل الله الدين وأتم النعمة بالاسلام الذى جاء بالامان والسلام «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا» وقبل أن يرسى الإسلام مبادئه وأركانه وقيمه وفضائله، حرص فى بادئ الأمر على تنقية مناخ الحياة من كل رذيلة، لأن التحلى بالفضائل يأتى بعد التخلى عن الرذائل. ومما لا شك فيه أن الرذائل التى كانت متفشية فى الجاهلية لها رواسب فى المجتمعات فتظهر عند البعض بين وقت وآخر وهذه الرذائل منها ماهو عدوان على الأنفس والأرواح، ومنها ماهو عدوان على الأموال ومنها ماهو عدوان على الأعراض ومن هنا ناهَضَ الاسلام الرذائل والفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن. وجاهد الإسلام فى تَنْقية الأمة من ظواهر الجاهلية الأولى التى كانت قد تَقَشّت فى الحياة ومن هذه الظواهر الجاهلية: «ظاهرة أوْرَدَتْه موارد الهلاك إنها ظاهرة يترتب على ظهورها يُتْمُ الأبناء وترملُ النساء، وإهدار الدماء، وتمزيق الروابط الإنسانية، وتفشيّ العادات العدوانية، وضياع الأمان. بل إن الاسلام ناهض ظاهرة التطرف والإرهاب وظاهرة «الثأر» حتى ماكان بين المسلمين وغيرهم من الكفار فى الحروب، ففى غزوة أحد وفيها استشهد عم الرسول صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب ومثّلوا به وأخرجوا أمعاءَه وكبده وأقسم أن يثأر لعمه ولئن ظفربهم ليُمثلنَّ بسبعين منهم فنزل قول الله تعالي: «.. وإن عاقَبتَم فَعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك فى ضيق مما يمكرون..» سورة النحل (126، 127). عندئذ قال صلى الله عليه وسلم: بلى يارب أصبر، فكانت مثوبة الصبر أن خالد بن الوليد وهو قائد الفرسان يوم أحد قدّمتْه الأقدار هديةً لسيد الأبرار وللإسلام والمسلمين فدخل فى دين الله وأصبح جنديا فى صفوف المسلمين لِيُهيلَ عرش كسرى وقيصر بعد ذلك، وأسلم عمرو بن العاص وأبو سفيان. ومن أبشع الظواهر السلبية جريمة الإرهاب التى بها يرجع مرتكبها للكفر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» رواه الترمذي. وقال ايضا: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية» رواه مسلم وفى سبيل تأمين الحياة، ونشر التسامح والصفح بين الله تعالى جزاء من عفا وأصلح فقال جل شأنه: «فمن عفا وأصلح فأجره على الله». وإذا كانت ظاهرة الثأر احدى بذور الارهاب فإن الإرهاب الذى يصطلى بناره الكثير من الناس اليوم نشأ فكرا ضالا، وتنظيما منحرفا هم معتنقوه باتخاذه وسيلة لتحقيق أغراض عدوانية ودنيوية، فارتكب أهله أبشع الجرائم بالعدوان على الأنفس والأموال والأعراض وقال رب العزة سبحانه: «ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما». ونلاحظ فى الآية الكريمة الخلود فى النار لمن يقتل مؤمنا متعمدا لأن الشيطان برر للقاتل استحلال ما أقدم عليه، ومعلوم أن الخلود فى النار لا يكون الا لمن خرج عن حظيرة الإسلام وقد وضح الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة وهى أن قتال المسلم كفر حيث قال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) رواه مسلم ولطالما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الرجوع إلى الجاهلية والكفر فقال فى حجة الوداع: (لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) رواه مسلم. وتبرأ ممن يحملون السلاح على الأمة فقال: (من حمل علينا السلاح فليس منا) رواه أحمد والبخارى ومسلم. لمزيد من مقالات د.احمد عمر هاشم