ألقي المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية، كلمة اليوم الأحد بقصر الرئاسة بحضور لفيف من كبار رجال الدولة بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. وجاء نص الكلمة كالتالي: بسم الله الرحمن الرحيم ' وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين'. صدق الله العظيم الإخوة المواطنون.. شعب مصر العظيم.. نحتفل اليوم معاً بذكري المولد النبوي الشريف.. ميلاد خير الأنام.. رحمة الله للعالمين.. سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم خاتم النبيين.. نعمة الله التي وهبنا إياها.. فأضاء به ظلمات النفوس.. وغير وجه الدنيا.. وبث قيم التوحيد والتكافل والمحبة للجميع في شتي بقاع الأرض. لم تكن رسالته صلي الله عليه وسلم عنتاً في الفهم ولا مجافاة للفطرة ولا ثقلاً في النسك ولا صداماً مع المنطق.. بل كانت كما أرادها الله تعالي انتصاراً للحكمة، ويسراً في الوصل مع الخالق، وسعادةً للبشر متي استحضروا مقاصدها قبل أن ينشغلوا بظاهر نسكها. امتدحه الرب الكريم من السماوات العُلَي فأثني علي خلقه القويم.. 'وإنك لعلي خلق عظيم'.. إن احتفالنا اليوم بذكري مولده الشريف إنما يدعونا إلي تدبر سيرته العطرة.. والتأسي بأخلاقه الكريمة.. فهو القائل 'إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق'.. قالت عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها 'كان قرآنا يمشي بين الناس'.. وربط الله اسمَه الأعظم باسم الحبيب محمد في شهادةٍ هي الركن الأول من أركان ديننا الحنيف.. فأكرِم به من تشريف.. وأنعِم به من تعظيم. الإخوة المواطنون.. شعب مصر العظيم.. لنتخذ من ذكري ميلاد الحبيب العطرة، بداية جديدة.. ونعاهد الله أن نكون علي دربه القويم.. أن نقتدي بآدابه وأخلاقه.. بكماله وصفاته.. برحمته وعظمته.. فحب نبينا الكريم.. لا يجب أن يكون قولا يجري علي اللسان وإنما يتعين أن يصدقه العمل.. أن يقر في القلب.. أن يترجمه العقل إلي موجودات محسوسة.. وأفعال ملموسة. الإخوة والأخوات.. علمنا ذو الخلق الرفيع.. صلي الله عليه وسلم.. الحرية اعتقاداً وقولاً وعملاً فيما بلَّغَ به عن ربه 'فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر'.. وفسر لنا مراد الحق سبحانه وتعالي منا.. في العبادة وعمارة الأرض.. في الأخلاق والمعاملات.. وعظم نبينا الهادي حرمة النفس.. تنفيذاً لمُحكم التنزيل.. وأنه 'من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا'.. إلا أن هناك من لم يع صحيح الدين وتعاليم رسولنا الكريم.. فأخطأوا فهم ديننا الحنيف وأساءوا تفسيره.. وهجروا وسطيته واعتداله.. واستحلوا حرمة الدماء.. حتي دماء بني وطنهم المصرية.. سواء كانت لمسلم أو لمسيحي.. استبدلوا تعاليم الشريعة الغراء وسنة رسول الله.. بأفكار متطرفة.. وآراء جامحة.. فأعملوا آلة القتل في بني وطنهم.. في النفوس.. التي حرم الله قتلها إلا بالحق.. أردد لهؤلاء الذين انحرفوا عن الفطرة السوية قوله تعالي 'لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم'.. كما أُذكرهم بحديث الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم 'كل المسلم علي المسلم حرام، دمه، وماله وعرضه'. أسس الهادي البشير لمبدأ الشوري.. تنفيذا لقوله تعالي ' وأمرهم شوري بينهم'.. لم ينفرد يوماً بحكم.. ولم يتعصب أبداً لرأي.. وإنما كان ودوداً منصتاً للجميع.. لم يدعِ يوما الحكمة الكاملة.. وإنما كان يقول 'أنتم أعلم بشئون دنياكم'.. وكانت تعريفاته لمختلف المفاهيم هي عين الفطرة السليمة.. التي يتفهمها الجميع أيا كانت اختلافاتهم.. أو بيئاتهم.. فهو من قال 'البر.. حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس'. بني وطني.. تتعرض بلادنا لهجمة شرسة.. داخلية وخارجية.. تستهدف النيل من مقدرات هذا الوطن.. وتضمر الشر لشعبنا العظيم.. فنري يد الإرهاب الغاشمة تضرب هنا وهناك.. تزهق أرواحا طاهرة نقية.. ونفوسا بريئة مؤمنة.. توقن أنه لن يصيبها إلا ما كتب الله لها.. إننا أحوج ما نكون اليوم إلي تفعيل قوله صلي الله عليه وسلم 'انصر أخاك ظالما أو مظلوما'.. وإذا كان نصر المظلوم برد حقه.. فنصر الظالم إنما يكون بردعه عن ظلمه.. ورده عن غيه.. يدُ الأمن ستكون حازمة قوية.. لتصون الحقوق.. وتعيد استقرارا وأمنا طالما ألفه وطننا الحبيب.. النصر قادم لا محالة.. 'أُذن للذين يقاتَلون بأنهم ظُلموا، وإن الله علي نصرهم لقدير'.. وأقول لأبنائي من رجال الشرطة البواسل.. والقوات المسلحة خير أجناد الأرض.. إن الله معكم في زودكم عن وطننا وشعبنا.. فعينان حرمهما الله علي النار.. عين بكت من خشية الله.. وعين باتت تحرس في سبيل الله. وإلي حماة الوطن من الدعاة والأئمة في مواجهة قوي الظلام والتخلف، أقول أن الدولة لن تألوا جهداً في دعم الأئمة وفي توفير المناخ المناسب لادائهم للدور المرجو منهم في المرحلة القادمة من تاريخ مصر لدعم الخطاب الديني الوسطي. الإخوة المواطنون.. إن مفهوم الجهاد في الإسلام.. سيظل قائما باقيا.. وإذا كان رسول الله صلي الله عليه وسلم قد جاهد وصحابته الأخيار.. دفاعاً عن هذا الدين ونشره.. وبث قيمه النبيلة السامية فإن استكمال المسيرة.. واجب علينا.. سنكمل المسيرة بإذن الله.. مسيرة الجهاد.. جهاد النفس.. الذي وصفه الحبيب صلي الله عليه وسلم .. فقال'هو الجهاد الأكبر'.. نعم جهاد النفس.. بتهذيبها.. بنهيها عن الرذائل.. بتعويدها الفضائل.. بتدريبها علي طاعة الله.. والسمو علي أي مآرب شخصية أنانية.. أو مصالح حزبية ضيقة.. إنه جهاد من أجل الوطن.. من أجل العمل والبناء. فكونوا علي قدر المسئولية.. زودوا عن وطنكم.. ادفعوا عجلة إنتاجه.. أضيئوا دربه.. وأكملوا مسيرته.. 'فمن بات كالاً من عمل يده، بات مغفورا له'.. واليد الخشنة من أثر العمل.. إنما هي يد يحبها الله ورسوله.. أما تلك التي تزهق الأرواح.. وتسفك الدماء.. فلها في الدنيا عقاب.. وفي الآخرة خزي وعذاب شديد.. 'ولعذاب الآخرة أكبر، لو كانوا يعلمون'.. ألا يعلم أولئك أن ما يرتكبونه بحق وطنهم و أشقائهم في الدين والوطن.. إنما هو عين الظلم.. الذي قال عنه نبينا الكريم صلي الله عليه وسلم في حديث قدسي رواه عن رب العزة جل وعلا 'إني حرمت الظلم علي نفسي.. وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا'. أبناء الشعب المصري العظيم.. إن الكلمة أمانة.. عظمَ دينُنا من شأنِها.. ونبهنا إلي أهمية رعاية هذه الأمانة وتأديتها علي الوجه الذي يرضيه سبحانه وتعالي عنا.. وكما قال صلي الله عليه وسلم 'إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة مِنْ رضوان الله لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم'.. ومن هذا المنطلق فإن مجتمعنا اليوم في أحوج ما يكون إلي تجديد الخطاب الديني.. تجديداً واعيا مسئولا.. لا يحيد عن جادة الصواب.. يتخذ من الكتاب والسنة منهلاً أساسيا لفحواه.. ويحفظ قيم الإسلام وثوابته.. ويدعو إلي نشر تعاليمه السمحة النبيلة.. يقضي علي الاستقطاب الطائفي والمذهبي.. ويعالج مشكلة التطرف.. والفهم المغلوط أو المنقوص للإسلام.. وأقول لكم عن مودة صادقة.. استقوا صحيح الدين من أهله وعلمائه.. فللفقه أصوله.. وللتفسير أساتذته مصداقا لقوله عز وجل 'فأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون'. بني وطني.. إن الله سبحانه وتعالي وهبنا نعمة العقل.. التي ميز بها الانسان وشرفه علي سائر مخلوقاته.. وجعله مناط التكليف.. ودعانا إلي إعمال العقل والبحث والتدبر في ملكوت السماوات والأرض.. وما حواه من دقة في الصنع.. وإبداع في الخلق.. وإحكام في النظام.. وحملنا أمانة.. أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها.. وفرض علينا أن نصون هذه النعمة المميزة.. والمنحة الفريدة.. ونهانا عن أن نسيئ إليه بخرافات وأوهام.. أو أن نتبع أفكاراً هدامة.. بتعصب أعمي.. أو بانقياد مُذِل.. أو بانصياع يسلبنا إرادتنا.. وقدرتنا علي.. التفكير والإبداع.. والعمل والإنتاج. لكل المصريين أقول.. أعطوا نعمة العقل التي منحكم الله إياها حقها الواجب.. وتقديرها اللائق بحكمة الخالق.. واعلموا أن الإسلام الصحيح.. الوسطي المعتدل.. إنما ذمَ التقليد الأعمي.. ودعانا إلي الاجتهاد في شتي مناحي الحياة.. فقال صلي الله عليه وسلم 'إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر'.. كما قال الهادي البشير 'لا يكن أحدُكم إمعة'.. فلا أحد منا يمتلك قداسة الحق.. أو سلطان البرهان.. إنما هو اجتهاد نبتغي به وجه الله ومرضاته.. وكما قال إمامنا الشافعي رضي الله عنه 'رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب'. الإخوة المواطنون.. نتوجه بعد غد إن شاءَ اللهُ للإدلاء بأصواتنا في الاستفتاء العام علي مشروع الدستور.. الذي اتخذنا من مبادئ شريعتنا السمحة فيه أساسا للتشريعات المنظمة لحياتنا.. يحترم الشرائع الأخري.. ويحفظ للجميع حقوقهم وحرياتهم.. ويؤسس لدولة عصرية حديثة.. تواكب حاجات الحاضر ومتطلبات المستقبل.. وتستشرف أملا واعدا لكافة أبنائها دون تفريق أو تمييز.. أدعوكم بدافع من مسئولية وطنية واجبة.. وحرص علي حاضر هذا الوطن العظيم ومستقبله.. أن تتوجهوا إلي صناديق الاقتراع.. صوتكم أمانة فأدوها.. اصنعوا لوطنكم مستقبلا يليق به.. اضربوا للعالم مثلا في التحضر والالتزام.. قولوا كلمة حق تقود سفينة الوطن إلي بر الأمان. فلنخرج جميعا بعد غد.. كما خرجنا في الخامس والعشرين من يناير 2011.. وفي الثلاثين من يونيو.. والثالث من يوليو.. والسادس والعشرين من يوليو 2013.. لكي نكمل ثورتنا كما أردناها.. بدستور يكون هو أول انطلاقاتنا نحو دولتنا المدنية الديمقراطية الحديثة.. وليس آخر محطاتنا فيها.. دولة ترعي كل أبنائها وتحمي مقدراتهم وقدسية حياتهم وحرياتهم. بني وطني.. اِعلموا أن إقرار هذا الدستور الجديد سيمهد الطريق لخطوات جادة وثابتة علي طريق تحقيق الديمقراطية وإنجاز البناء التشريعي لمصرنا الحبيبة.. سيكون لهذا الوطن رئيس منتخب.. أسلمه راية الوطن ليقوده علي درب النجاح والرفعة والازدهار.. وأدعو الله أن يستلهم هدي نبينا الحبيب قائدا عظيما.. ومعلما أمينا.. وأبا رحيما.. يعي ويطبق قوله تعالي'ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك'.. كما سيكون لمصر أيضا مجلس نيابي منتخب.. يحقق مبدأ الشوري الإسلامي.. بمفهومه الحديث المعاصر.. ويضع لهذا البلد الطيب.. قوانينه المنظمة.. وتشريعاته الحاكمة ليدور في فلك الاستقرار والأمن والرخاء. شعب مصر العظيم.. اجعلوا هذا اليوم العظيم موعدا لعهد نقطعه علي أنفسنا لرسولنا الكريم – صلي الله عليه وسلم – أن نحفظ عقولنا من أي فكرٍ متطرف منحرف.. يرغب في أن يجرفنا بعيدا عن صحيح الدين.. ويريد أن يلغي مفهوم الوطن وأن يزيل حبه من نفوسنا، كيف؟!!.. وقد لقننا الحبيب درسا في حب الوطن لدي هجرته، فقال مخاطبا مكة: 'والله إنني أعلم أنك أحب البلاد إلي الله، وأحبُ بلاد الله إليّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت'. الإخوة والأخوات.. سنبذل أرواحنا فداء لهذا الوطن.. وسنحسن الظن بالله كما علمنا حبيبنا المصطفي صلي الله عليه وسلم .. نوقن أن نصر الله آتٍ قريب.. وسنظل دائما متفائلين لنجد الخير.. وإنني أدعو الله بدعاء نبينا الكريم 'اللهم رحمتك نرجو، فلا تكلنا إلي أنفسنا طَرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله، لا إله إلا أنت'. صلي الله عليك يا نبي الهدي، وحفظ الله هذا البلد الطيب الذي قال عنه الرسول الكريم أن أهله في رباط إلي يوم القيامة. وكل عام وأنتم بخير.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.