«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمَا آنَ للبشريَّة المُعذَّبَة أن تَعُود إلى الفِطْرَة؟
نشر في مصر الجديدة يوم 09 - 05 - 2013


رسالة من: أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..
فإن الإسلام هو آخر الأديان السماوية وخاتمها, وهو المنْهج الربَّاني الذي أنزله الله تعالى لهداية البشرية الضالَّة الحائرة، وغايته تحقيق العُبوديَّة الكاملة لله تعالى, وفي العبودية لله كمال الحرية وتمامها لتحرير إرادة الإنسان وصبغتها بصبغة الله سبحانه؛ ليكون نموذجًا للقيم والأخلاق لنفع الغير وعمارة الكون.
إن الدين عند الله الإسلام؛ لأنه دِين الفِطْرة الشامل لجميع متطَلَّبات الحياة: الاجتماعية والتعليمية والأخلاقية والسياسية والصِّحِّية والاقتصادية وغيرها...، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم: 30).
وقال النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كلُّ مولود يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه".
والفطرة: هي الصِّفة التي يتَّصف بها كل موجود في أول زمان خلقته، والإنسان يولد على الإقرار باللّه عز وجل، وهو الميثاق الّذي أخذه الله عليه، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا) (الأعراف: 172).
فالإنسانية بفطرتها السليمة تعرف ربها، وتلوذ به، وتلتجئ إليه إذا مسَّها الضرُّ، ولم تَجِد مغيثًا يغيثها، أو ناصرًا ينصرها غير الله عز وجل: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا) (الإسراء: 67).
والمخاطبون حين نزول القرآن يعرفون ربهم الذي خلقهم، وتنطق فطرهم بالحق عندما تُسْأل، كما قال تعالى: (قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) (المؤمنون: 84 - 89).
وهذه الغريزة الفطرية، ليست مقتصرة على البشر، بل إنها لتمتد حتى تشمل الطير والحيوان والجماد وغيرها...، الجميع فُطِر على العبودية لله وتسبيحه وتحميده وتنزيهه، قال تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ...) (الإسراء: 44).
لماذا كان الإسلام دين الفطرة؟:
· إن الإسلام دين الفطرة؛ لأنه ما ترك بابًا يصل بالإنسانية إلى كمالها وسعادتها إلا دلَّ عليه، وأمر به، ووعد عليه الثواب الجزيل، في نفس الوقت لم يَدَع بابًا يُهْلِك الإنسانية، وينزل بها الشرَّ والدمار إلا حذَّر منه ونهى عنه، وتوعَّد بالعقوبة الرادعة الزاجرة..
· الإسلام دين الفطرة؛ لأنه موافق لسُنَن الله تعالى في الخلقة الإنسانية؛ حيث إنه يعطي القوى الجسدية حقوقها والقوى الروحانية حقوقها، ويسير مع هذه القوى على طريق الاعتدال حتى تبلغ كمالها..
· الإسلام دين الفطرة؛ لأنه يحترم العقل ويُقدِّر العلم والعلماء ويرفع من شأنهم، (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة: 11).
· الإسلام دين الفطرة؛ لأنه يُرسِي دعائم الرحمة، وما كانت الرسالة المحمدية إلا رحمة للعالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107). ورَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَنْ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَّا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا تَحَابُّونَ عَلَيْهِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَرَاحَمُوا» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كُلُّنَا رَحِمٌ، قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ خَاصَّتَهَ، وَلَكِنْ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ».
· الإسلام دين الفطرة؛ لأنه يُحقِّق العدل الكامل والذي يشمل الإنسانية جمعاء حتى مع الأعداء، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة: 8).
· الإسلام دين الفطرة؛ لأنه يُقِرُّ مبدأ المساواة بين البشر، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: 13).
· الإسلام دين الفطرة؛ لأنه يُقَدِّس الحرية، حتى إنه ليجعل له مطلق الحرية في أن يعتنق ما يشاء من دين: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة: 256)، كما أنه يعتبرها قرينة الإنسان مع ميلاده، وما قول الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنا ببعيد، "متى استعبدتم الناس.. وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟".
· الإسلام دين الفطرة؛ لأنه جاء بمكارم الأخلاق التي ترفع شأن الإنسان وتُعْلي من قدره، بل جعل الأخلاق غاية الرسالة الخاتمة: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ».
· الإسلام دين الفطرة؛ لأنه يتَّسِم بالشمول حتى يحتوي على قواعد وأسس تنظم كل جوانب الحياة، الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، والسياسية وغيرها...، فلم يترك شيئًا إلا ونظمه، قال تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام: 38)، وقال تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) (الإسراء: 12).
· إنّ الإسلامَ دينُ الفطرةِ؛ لأنه دين التوازن يهدفُ إلى إصلاحِ الدنيا، وإصلاحِ الآخرةِ، ويحرصُ في تعاليمهِ على صحّةِ الجسدِ، وطُهرِ النفسِ، ويوازنُ بينَ المادةِ والروحِ، والحاجاتِ والقيمِ، (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص: 77)، وجاء في الأثر: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا».
أسباب تغير الفطرة:
وإذا كان التَّدين فطرة في الإنسان، فإن ما يحيط به من مؤثرات هو الذي يجعله ينحرف عن جادة الفطرة السوية، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
فالفطرة تنحرف:
· بوسوسة شياطين الجنِّ، فقد أخذ الشيطان على نفسه العهد بإضلال بني آدم: )قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (ص: 82 - 83)، وقال تعالى في الحديث القدسي: "وإنِّي خلقتُ عبادي حنفاء كلّهم، وإنَّهم أتَتْهم الشياطينُ فاجتالتهم عن دينهم، وحَرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتْهُم أن يُشركوا بي ما لم أُنزل به سلطانًا"، وكل الوسائل والعقبات التالية هي من جنود الشيطان وحبائل الشيطان، ولا يتخلص الإنسان من هذه الشياطين إلا بالالتجاء إلى الله تعالى، والتعوذ من الشيطان.
· بما يغرسه الآباء في نفوس أبنائهم.. "فأبواه يهوِّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
· بما يُلقِّنه بعض مُدَّعي العلم والبحث، والمُعلِّمون والباحثون في أفكار الناشئة.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير قول الله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ).. "أَمَا إنهم لم يكونوا يعبدونهم، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ".
· بالجهل والتقليد الأعمى.. ولو كان فيه هلاكه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) (لقمان: 21).
· بما يحيط بالإنسان من أصدقاء السُّوء الذين يُزيِّنون له الانخلاع من هدي الفطرة الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) (الفرقان: 27 – 29). وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ».
مظاهر انتكاسة الفطرة في الواقع:
والمتأمل للواقع يرى من المظاهر ما يؤكد الخروج على الفطرة ويتجلى ذلك في: الخروج على منظومة الأخلاق الإنسانية، حيث ينعدم الحياء، وينتشر الكذب، وتكثر الخيانة، ويزداد الفجر في الخصومة.. ويكثر الظلم والبغي والعدوان، ونرى دعاة الفساد والإفساد في الأرض، ويصل بهم المدى إلى الدعوة إلى إهلاك الحرث والنَّسل وتخريب العامر، وتدمير المنشآت والمؤسسات، وإحراق ما تصل إليه أيديهم، وإنهم ليستبيحون الأموال والدماء والأعراض، ويصدق عليهم قول الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة: 204 - 205).
وإن تَعْجَب فإن عجبك يزداد حين ترى من يرى المنكر معروفًا والمعروف منكرًا، بل ترى من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، وقد وصف الله عز وجل صنفًا من الناس بقوله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (التوبة: 67).
ولعلَّ ما ينزل بكثير من الدول من فتن عقاب من الله تعالى لانتكاسة الفطرة، وقد أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقَالَ: "كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا طَغَتْ نِسَاؤُكُمْ، وفَسَقَ شَبَابُكُمْ، وتَرَكْتُمْ جِهَادَكُمْ؟! قَالُوا: وإنَّ ذَلِكَ لكائنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وأَشَدُّ مِنْهُ سَيَكُونُ، كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَأْمُرُوا بِالمَعْرُوفِ وتَنْهَوْا عَنِ المُنكَرِ؟! قَالُوا: وكائنٌ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وأَشَدُّ مِنْهُ يَكُونُ، كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ المَعْرُوفَ مُنكَرًا، ورَأَيْتُمُ المُنكَرَ مَعْرُوفًا؟! قَالُوا: وكائنٌ ذَلِكَ؟ قَالَ: وأَشَدُّ مِنْهُ سَيَكُونُ؛ قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا أَمَرْتُمْ بِالمُنكَرِ، ونَهَيْتُمْ عَنِ المَعْرُوفِ؟! قَالُوا: وكائنٌ ذَلِكَ؟ قَالَ: وأَشَدُّ مِنْهُ سَيَكُونُ؛ يَقُولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: بِي حَلَفْتُ لَأُتِيحَنَّ لَهُمْ فِتْنَةً يَصِيرُ الحَلِيمُ فِيهَا حَيْرَانَ؟".
العلاج:
أيها المسلمون في كل مكان..
إن العلاج الناجع والدواء الشافي في دين الفطرة الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين ففيه الشفاء من كل داء والنجاة من كل مُلمة، إذا أقمناه في قلوبنا وواقعنا ونفذنا تعاليمه وقمنا بحقوقه على الوجه الأكمل الذي يرضي ربنا و ننال به خيري الدنيا والآخرة. يقول الإمام البنَّا رحمه الله: "إن الله تعالى قد أرسل رسوله رحمة للعالمين إلى يوم القيامة، وبعث معه كتابه الحق نورًا وهدى إلى يوم القيامة، وإن زعامة الرسول صلى الله عليه وسلم باقية بسنته، وإن سلطان القرآن قوي بحجته، وإن الإنسانية صائرة إليهما لا محالة، بعزِّ عزيزٍ، أو بذلِّ ذليل، من قريب أو من بعيد، حتى يتحقق قول الله: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (الفتح: 28).
فكونوا أول من يتقدم باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقارورة الدَّواء من طبِّ القرآن؛ لاستنقاذ العالم المُعذَّب المريض.
إنها خطوة جريئة، ولكنها موفقة إن شاء الله تعالى، والله غالب على أمره: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُو الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم: 4 - 5).
ويقول في موضع آخر: وإن من واجبنا وفي يدنا شعلة النور وقارورة الدواء أن نتقدم؛ لنُصْلِحَ أنفسنا وندعو غيرنا، فإن نجحنا فذاك، وإلا فحسبنا أن نكون قد بلَّغنا الرسالة، وأدَّينا الأمانة، وأردنا الخير للناس، ولا يصحّ أبدًا أن نحتقر أنفسنا، فحسب الذين يحملون الرسالات، ويقومون بالدعوات، من عوامل النجاح:
- أن يكونوا بها مؤمنين، ولها مُخلصين، وفي سبيلها مجاهدين، وأن يكون الزمن ينتظرها، والعالم يترقبها.. فهل من مجيب؟..
وكل الدعاة في كل زمان ومكان يقولون (ومَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إنْ أَجْرِيَ إلا عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ).
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
والله أكبر ولله الحمد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.