زيلينسكي يقترح دولا عربية وأوروبية مكانا للقاء الرئيس فلاديمير بوتين    الإسكان: المدن الجديدة لم تعد مجرد مشروعات سكنية بل أصبحت ركائز اقتصادية واستثمارية    انتصار الحب، إلهام عبد البديع تعود لزوجها الملحن وليد سامي بعد 4 أشهر من انفصالهما    محافظ الدقهلية يشارك في احتفالية تكريم الطلاب المتفوقين من أبناء المهندسين    ماكرون: الذكاء الاصطناعي يحمل مخاطر ويستدعي تنسيقًا دوليًا    ترامب: سنواصل بيع الأسلحة لدول الناتو لتفعل «ما يحلو لها»    ماكرون: الساعات المقبلة ستكون حاسمة في الملف النووي الإيراني    هاني رمزي: الموهبة وحدها لا تكفي وحدها.. والانضباط يصنع نجمًا عالميًا    وزير الرياضة يهنئ نادي بيراميدز بتتويجه بكأس القارات الثلاث    انهيار سد في تايوان بسبب إعصار راجاسا المدمر ووقوع إصابات    مصرع ربة منزل سقطت من شرفة منزلها بالبحيرة    في جولة ليلية.. وزيرة التنمية المحلية توجه بإزالة المخالفات بالممشى السياحى بمدينة دهب    نقابة المهن التمثيلية تنعي مرفت زعزع: فقدنا أيقونة استعراضات مسرحية    «القاهرة السينمائي»: الدورة 46 تحمل مفاجآت.. ونحافظ على روح المهرجان الكلاسيكية    «أوقاف أسوان» تكرم 114 من حفظة القرآن فى ختام الأنشطة الصيفية    هشام حنفي: القمة فرصة ذهبية لعودة الأهلي والزمالك مطالب بتحسين الأداء    «احمديات»: لماذا ! يريدون تدميرها    ميلان يحجز مقعده في ثمن نهائي كأس إيطاليا بثلاثية نظيفة أمام ليتشي    رابطة الأندية تخطر استاد القاهرة بنقل المباريات بعد القمة دعمًا للمنتخب الوطني    أحمد الشرع: على إسرائيل العودة إلى ما قبل 8 ديسمبر 2024.. ولن نكون مصدر خطر لأحد    كوريا الجنوبية: ندرس الاعتراف بدولة فلسطين في إطار حل الدولتين    حبس مطرب المهرجانات "عمر أى دى" 4 أيام بتهمة نشر فيديوهات خادشة للحياء بالإسكندرية    تفاصيل توزيع أعمال السنة للصفين الأول والثاني الثانوي 2025-2026    قرارات جديدة من وزارة التربية والتعليم بشأن الصف الأول الثانوي 2025-2026 في أول أسبوع دراسة    عيار 21 يسجل أعلى مستوياته.. ارتفاع كبير في أسعار الذهب اليوم بالصاغة محليًا وعالميًا    سعر التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 24 سبتمبر 2025    وزيرة التنمية المحلية توجه بإزالة الإشغالات والمخالفات بالممشى السياحي بدهب.. صور    مسلم يفجر أسرار عائلته: «من 15 سنة سبت البيت والجيران كانوا بيسمعوا عياطي»    وفاة النجمة الإيطالية كلوديا كاردينالي «ملكة جمال تونس 1957»    هل تدخل الخطيب لحذف منشور تهنئة سراج الدين لبيراميدز؟ مصدر يكشف الكواليس    «وريهم العين الحمرا.. واللي مش عاجبه يمشي».. رسالة خاصة من إبراهيم سعيد ل وليد صلاح الدين    مثمر للغاية، بيان مرتقب من أردوغان بعد اجتماع ترامب مع قادة إسلاميين حول غزة    القبض نزل، بدء صرف مرتبات شهر سبتمبر 2025 للعاملين بالدولة    رئيس الوزراء يؤكد لرئيس مجلس القيادة الرئاسى اليمنى دعم مصر للحكومة الشرعية فى عدن    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 24 سبتمبر في محافظة الغربية    نتيجة وملخص أهداف مباراة ليفربول ضد ساوثهامبتون في كأس الرابطة الإنجليزية    حماية المستهلك يضبط 46 مخالفة في حملة ليلية مفاجئة بالمقطم لمتابعة مبادرة خفض الأسعار    رسميًا.. موعد الإجازة المقبلة للقطاع العام والخاص والبنوك (يومان عطلة في سبتمبر)    عاجل- وزير التعليم العالي يطمئن معيد آداب سوهاج: التعيين محفوظ والدعم الصحي كامل    إهماله يجذب الحشرات والبكتيريا.. خطوات تنظيف سيراميك المطبخ من الدهون    جامعة قناة السويس تكرم الدكتورة سحر حساني والدكتورة شيماء حسن في حفل التميز العلمي    جامعة حلوان التكنولوجية الدولية تدعو الطلاب للإسراع بالتقديم الإلكتروني قبل انتهاء المهلة    بمقدم 25 ألف جنيه تقدر تشترى قطعة أرض.. اعرف التفاصيل    بعد اعتراض الرئيس، هل يعيد مجلس النواب مناقشة قانون الإجراءات الجنائية؟ (فيديو)    تمسك برأيك.. حظك اليوم برج الدلو 24 سبتمبر    مندوب مصر بالأمم المتحدة: مصر حرصت على تجنب العديد من الاستفزازات    ترامب: نريد إنهاء الحرب في غزة واستعادة المحتجزين.. صور    مصرع 4 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين على صحراوى البحيرة    رئيس شركة «غازتك» ينتقل إلى موقع تسريب الغاز بمحطة القصر العينى.. صور    حملات موسعة لإزالة التعديات بشوارع المجزر الآلي واللبيني وزغلول وكعبيش    النائب محمد زكي: ملفات التعليم والصحة والاقتصاد تتصدر أولوياتي    إجراء جراحة ناجحة استمرت 17 ساعة لاعتدال عمود فقرى بمستشفى جامعة كفر الشيخ    مدير فرع الرعاية الصحية بالأقصر يطلق مبادرة "اليوم المفتوح".. صور    بعد انطلاق موسم الدراسة.. 5 أطعمة لا تضعيها لأطفالك في «اللانش بوكس»    ما حكم الحصول على مال مقابل "لايكات" على فيديوهات المنصات؟ أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى يوضح كيفية الصلاة على متن الطائرة ووسائل المواصلات.. فيديو    ما حكم الاستثمار فى صناديق الذهب؟ أمين الفتوى يجيب    اليوم العالمي للغة الإشارة.. 4 خطوات أساسية لتعلمها وإتقانها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف نحقق الاستجابة لله والرسول في حياتنا ؟
نشر في الفجر يوم 26 - 04 - 2012

لقد كانت حياة الصحابة رضوان الله عليهم تمثل حقيقة الاستجابة الكاملة لله وللرسول، قولاً وعملاً، وفكراً وسلوكاً، فاستجابتهم كانت علمية عملية وليست مجرد نظريات لا تطبيق لها في الواقع وهذا ما نفتقده في حياتنا المعاصرة؛ وهو الامتثال العلمي العملي.
ولنا أن نسأل كيف حقق الصحابة الكرام هذه الاستجابة؟
إننا لو نظرنا لحياة الصحابة قبل مجيء الإسلام لوجدنا أهم كانوا يعيشون في جاهلية جهلاء، وفي تخبط فكري حتى أن أحدهم يصنع إلهه بيده ثم يعبده ويدعوه من دون الله، فلا يعقل يرشدهم، ولا دين يهديهم، ولا عادات تقوّمهم، ولا أمم صالحة يقتدون بها أو يقتبسون من ضيائها؛ بل كان العالم برمته يعيش في دهاليز الظلام، حتى {إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} إذ انقلبت الموازين، وتبدلت المفاهيم، فأصبح الشرك قربة، والخمر مكرمة، وانتشرت المعاصي بجميع أنواعها، فهذا حالهم قبل مجيء الإسلام فهم لم يهتدوا بنور النبوة كما قال الله تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} فلهم بهذا عذر.
وعندما أتاهم النذير تبدلت حياتهم كلياً، فتغيرت مفاهيمهم وتصوراتهم ونظرتهم للحياة والكون والإنسان فأحدث هناك تغير نوعي في سلوكهم وتصرفاتهم فقد استقامت سيرتهم، وحسنت أخلاقهم، وأصبحوا كما وصفهم الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} فلا تكاد ترى في حياتهم المنكر، فرفع الله من شأنهم فأصبحوا قادة للعالم، في فترة وجيزة لا تقاس في عمر الأمم، وهنا نسأل مرة أخرى، كيف حدث هذا؟
يمكن أن نلحظ أن السلف تميزوا بالتالي:
أولاً: تعظيم أمر الله تعالى: وهذه من ما يتميز به الصحابة الكرام رضوان الله تعالى أنهم يعظمون الله تعالى في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي أمره ونهيه. فتوقير الله تعالى وتعظيمه وحبه قد تخلل في أفئدتهم وأشرأبته قلوبهم وأمتثلته جوارحهم فهم يرون حكم الله تعالى في كل مسألة.
فلتعظيمهم لله تعالى جعلوا حكم الله وشرعه هو الحاكم عليهم في كل صغيرة وكبيرة، وهذه هي حقيقة العبادة المتمثلة في تعظيم الله تعالى وإظهار الخضوع والذل له. وما نراه يحدث الآن من استهزاء بالدين وتلاعب بأحكام الله تعالى هو نتيجة غياب تعظيم الله في قلوب الناس. فأصبح تعظيم الحياة الدنيا وتجيلها هو ديدن حياة الناس إلا ما رحم ربك.
فرق إيمان الناس وافتقدوا اتخاذ الموعظة من القرآن لأنه {تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} والخشية نتيجة للتعظيم، وتعظيم الله تعالى نتيجة لمعرفته بأسمائه وصفاته فهم قد عرفوا الله وعظموه فخشوه.
ثانياً: وحدة المصدر: فكان كتاب الله تعالى هو المصدر الوحيد للتلقي، فأفكارهم وتصوراتهم وقيمهم وسلوكهم كلها منبثقة من وحي الله تعالى. فالقرآن الكريم كان هو النبع الذي يستقون منه معارفهم وأفكارهم وتوجهاتهم ولهذا نرى كيف غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاءه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رسول الله في يد عمر بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب النبي وقال: (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا، والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيا، ما وسعه إلا أن يتبعني) وذلك لكي لا يكون هناك أكثر من مصدر للتلقي وأن يكون القرآن المبارك هو المرتكز والمصدر الذي ينطلق منه المؤمن في بناء تصوراته.
وحالنا اليوم يجد أننا قد جعلنا هناك مصادر متنوعة غير القرآن الكريم نتلقى منها تصوراتنا وقيمنا، فالتلقي لدينا من الغرب لم يقتصر في القضايا العلمية المادية؛ بل أنسحب ذلك على مبادئنا وقيمنا وتصوراتنا لهذا كثر النزاع بيننا في قضايا لم يكن يتنازع فيها السلف كمسألة تحكيم شرع الله تعالى وكتطبيق الاقتصاد الإسلامي وغيرها من المسائل التي يظهر فيها التلقي من الآخر الكافر المخالف لشرع الله تعالى.
ثالثاً: تطبيق ما تعلموه: وهذه من أشد ما يتميز به خير القرون، أنهم يقبلون على كتاب بقصد العمل، فيتعلمون من أجل أن يمارسون ما تعلمهم عملياً. فالعلم بلا عمل عارية وغير منتفع به. فإذا لم يعمل المرء بالنور الذي أُنزل فلن يكون لهذا النور أثر، فروح العلم هو العمل، والعلم وسيلة لا يصح فضله حتى يصدّق بمقتضاه، فإن كثيراً من المستشرقين والعلمانيين يعلمون دين الإسلام، ويعرفون أصوله وفروعه، ولم يكن ذلك نافعاً لهم لبقائهم على الكفر.
فالصحابة الكرام تعلموا القرآن والعلم والعمل جميعاً، فإذا جاء أمر الله امتثلوه دون تلكؤ أو تباطؤ أو تردد، فمن ذلك عندما نزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} جاء في صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ قَالَ فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ اخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا" وهذا شيء عجيب في تحقيق الامتثال والإتباع، فترك الخمر لمن أدمن عليها بمجرد هذا القول يدل على قوة الإيمان وصدق الامتثال لأمر الله ورسوله.
رابعاً: سلامتهم من كثير من البدع والمفاهيم المغلوطة: لم يعاني جيل خير القرون من كثير من المفاهيم المغلوطة، فلم تكن هناك أزمات فكرية أو عقدية، فسلموا من أزمة الثنائيات، من ثنائية الأنا والآخر، ونظرية تصادم العقل والنقل، والأصالة والمعاصرة وغيرها من الثنائيات التي أدت إلى تشطير الإنسان وتدمير بعضه، فلم يعيشوا تناقضات تحول بينهم وبين تحقيق الاستجابة الصادقة لله وللرسول. فعندما طغت المفاهيم المستوردة وأخذ الناس بأشيائها، ارتكست الأمة، وعاشت نوعاً من التصادم الحضاري أرداهم في ذيل الأمم، وتخلت استجابتهم لله وللرسول، واستجابوا لقيم وتصورات لا تتفق مع الإسلام وقيمه، فأصبحت الأمة تعيش فاقدة لهويتها، مسلوبة إرادتها تعيش على فتات الآخرين .
خامساً: عاشوا مرحلة الدعوة الأولى: فأي دعوة تمر بثلاث مراحل، المرحلة الأولى وهي مرحلة الإيمان بالهدف، الذي يملاْ على الإنسان نفسه، ويشكّل له هاجساً دائماً، ويدفعه للعطاء غير المتناهي، والتضحية في سبيل ذلك، فمن سمات هذه المرحلة بروز إنسان الواجب، الذي لا يرى إلا ما عليه، ويقبل على فعله بوازع داخلي، بإيمان، واحتساب، دون أن يخاطر عقله، ماله من حقوق هو إنسان واجب، إنسان إنتاج، وليس إنسان حق فقط.
ثم تأتي بعد ذلك مرحلة العقل، وضمور الإيمان، وفتور الحماس نسبياً، مرحلة التوازن بين العمل والأجر، وبين الحق والواجب، وبين الإنتاج والاستهلاك، وهنا تصل الحضارة إلى قمتها وتبدأ مرحلة السقوط. ثم تأتي مرحلة غياب الإيمان والعقل، مرحلة حب الدنيا وكراهية الموت، وبروز الشهوة، والغريزة، وانكسار الموازين الاجتماعي، واستباحة كل شيء وبكل الأساليب، وعندها تسقط الأمة، ويتم الاستبدال.
سادساً: لم تمنعهم القيود الدنيوية من تحقيق الاستجابة لله ولرسوله: مما يتميز به خير القرون أنهم لم يمنعهم الأهل والمال من السير في ركاب الدعوة وقوافل الجهاد؛ بل هذه صفات من لم يستجب أصلاً لدين الله، فهي من صفات المنافقين كما قال الله تعالى: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا}، وهذا لسوء ظنهم بالله تعالى، فلا تجد في حياة الصحابة النجوم شغل عن تكاليف العقيدة؛ بل يسارعون ويتنافسون ويبادرون لأمر الله ورسوله ولا يبحثون عن الأعذار للتخلف عن ركاب الدعوة. وتأمل قول الله تعالى في وصف هؤلاء الفقراء من الصحابة الذين لا يجدون ما يحملهم كيف كان ردة فعلهم : {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}.
أثر الاستجابة:
* الاستجابة لله وللرسول فيها الحياة: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} وعلى قدر الاستجابة تكون الحياة، فهي مراتب كلما زاد العبد في الاستجابة لله وطاعة أوامره كلما زاده الله هداية وتوفيقاً. وقد شبه الله المستجيب لنداء الله ورسوله بالحي، والذي لا يستجيب بالميت {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} والحياة هنا حياة إنسانية كاملة، وليست حياة بهيمية لا تدرك من حقيقة وجودها في هذا الكون شهواتها وملذاتها، فلا تعيش إلا لجسدها، وإن سمعوا قول الحق فهم لا يستفيدون من سماعه ذلك فهم صم بكم عن كل ما يعارض شهواتهم وملذاتهم {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} فهم في سكرة الشهوة والهوى تحول بينهم عن إدراك قول الله وقول رسوله {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} فحياتهم ناقصة غير كاملة قد غابت عن سمائهم حياة القلوب وحياة الأرواح، فلا تسمى حياتهم وإن دبوا على الأرض حياة لأنها فقدت إنسانيتها وصارت أقرب إلى الحياة الحيوانية {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.
* الاستجابة سبب من أسباب إجابة الدعاء: فهي طريق لرضا الله تعالى، فتحقيق الإيمان وامتثال أوامر الله تعالى جعلها الله تعالى من شروط إجابة الدعاء فقال تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} بفعل أوامره واجتناب نواهيه، عندها تكون إجابة دعوة الداع أرجى.
وفي باب استجابة الدعاء هناك نصوص أخرى تبين أنه قد تتخلف الإجابة مطلقاً وقد تتخلف إلى بدل، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا إِذًا نُكْثِرُ قَالَ اللَّهُ أَكْثَرُ) وهذا مبحث آخر ولكن ليعلم هنا أن الاستجابة من أسباب إجابة الدعاء.
* المستجيب جزاه الجنة: فالناس على قسمين: مستجيب لربه، وجزاؤه الحسنى. وغير مستجيب، فجزاؤه النار كما قال الله تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
* الاستجابة فيها كمال العقل: كما قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فيهم من الآية أن المستجيب يجعل هواه وشهواته تتحكم فيه وتوجه بل هو متبع للحق محكماً عقله في ذلك.
ولذلك هؤلاء الذين لا يسيطرون على أهواءهم ورغباتهم سرعان ما يضلهم الشيطان كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ}، فالرشد والهداية هي في الاستجابة لله تعالى: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.