31 طعنًا على نتيجة ال 19 دائرة الملغاة ونظرها 15 ديسمبر    وزارة الزراعة: تحصين الماشية ب8.5 مليون جرعة ضد الحمى القلاعية والوادي المتصدع    غدًا.. فصل التيار الكهربائي عن 10 مناطق وقرى بكفر الشيخ    ترامب: سنرد على تنظيم «داعش» في سوريا إذا هاجمت قواتنا مجددًا    مصر تدعو إلى التهدئة والالتزام بمسار السلام في جمهورية الكونجو الديمقراطية    برشلونة يهزم أوساسونا في الدوري الإسباني    وزير الرياضة يشهد اليوم السبت ختام بطولة الأندية لكرة القدم الإلكترونية    شاهد| لحظة توزيع الجوائز على الفائزين في بطولة كأس العالم للبليارد الفرنسي    تفاصيل إعادة محاكمة 6 متهمين في قضية خلية المرج الإرهابية    النيابة تُجري معاينة تصويرية لإلقاء جثة طفلة داخل عقار بشبرا الخيمة| فيديو    عبلة كامل: ماعنديش صفحات على السوشيال ميديا.. وما يقال عني غير صحيح    محطات مضيئة في حياة حمدي الزامل.. «شهادة» الشيخ عبد الباسط و«سلسلة» أم كلثوم    وزارة الصحة: فيروس إنفلونزا H1N1 يسيطر على إصابات الشتاء بنسبة 60%    متحورات جديدة.. أم «نزلة برد»؟! |الفيروسات حيرت الناس.. والأطباء ينصحون بتجنب المضادات الحيوية    الرئيس الإندونيسي يؤكد توصيل مياه الشرب وإصلاح البنية التحتية لسكان المناطق المنكوبة بالفيضانات    منال عوض: المحميات المصرية تمتلك مقومات فريدة لجذب السياحة البيئية    الإسكان الاجتماعي الأخضر في مصر على طاولة منتدى الإسكان الحضري للدول العربية بالدوحة    ريهام أبو الحسن تحذر: غزة تواجه "كارثة إنسانية ممنهجة".. والمجتمع الدولي شريك بالصمت    ضبط 5370 عبوة أدوية بحوزة أحد الأشخاص بالإسكندرية    كثافات مرورية بسبب كسر ماسورة فى طريق الواحات الصحراوى    25 ألف جنيه غرامات فورية خلال حملات مواعيد الغلق بالإسكندرية    برلماني أوكراني: البعد الإنساني وضغوط الحلفاء شرط أساسي لنجاح المفاوضات    توافق مصرى فرنسى على ضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة تؤدى إلى إقامة الدولة الفلسطينية    الشناوي: محمد هنيدي فنان موهوب بالفطرة.. وهذا هو التحدي الذي يواجهه    من مسرح المنيا.. خالد جلال يؤكد: «مسرح مصر» أثر فني ممتد وليس مرحلة عابرة    "فلسطين 36" يفتتح أيام قرطاج السينمائية اليوم    يسري جبر يوضح حقيقة العلاج بالقرآن وتحديد عددٍ للقراءة    بروتوكول لجهاز تنمية المشروعات لنشر فكر العمل الحر وريادة الأعمال بين الشباب والمرأة    رئيس مجلس القضاء الأعلى يضع حجر أساس مسجد شهداء القضاة بالتجمع السادس    نوال مصطفى تكتب: صباح الأحد    توقف قلبه فجأة، نقابة أطباء الأسنان بالشرقية تنعى طبيبًا شابًا    مكتبة الإسكندرية تستضيف "الإسكندر الأكبر.. العودة إلى مصر"    القومي لذوي الإعاقة يحذر من النصب على ذوي الاحتياجات الخاصة    قائمة ريال مدريد - بدون أظهرة.. وعودة هاوسن لمواجهة ألافيس    برلماني أوكراني: البعد الإنساني وضغوط الحلفاء شرط أساسي لنجاح أي مفاوضات    الرسالة وصلت    موعد صرف معاشات يناير 2026 بعد زيادة يوليو.. وخطوات الاستعلام والقيمة الجديدة    إعلام عبرى: اغتيال رائد سعد جرى بموافقة مباشرة من نتنياهو دون إطلاع واشنطن    نائب محافظ الأقصر يزور أسرة مصابي وضحايا انهيار منزل الدير بمستشفى طيبة.. صور    جامعة أسيوط تنظم المائدة المستديرة الرابعة حول احتياجات سوق العمل.. الاثنين    «الجمارك» تبحث مع نظيرتها الكورية تطوير منظومة التجارة الإلكترونية وتبادل الخبرات التقنية    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    لاعب بيراميدز يكشف ما أضافه يورتشيتش للفريق    بدء الصمت الانتخابي غدا فى 55 دائرة انتخابية من المرحلة الثانية لانتخابات النواب    كلية الدراسات الإفريقية تنظم ندوة عن العدالة التاريخية والتعويضات    وصفة الزبادي المنزلي بالنكهات الشتوية، بديل صحي للحلويات    محافظ أسيوط يفتتح المؤتمر السنوي الثالث لمستشفى الإيمان العام بنادي الاطباء    طلعات جوية أميركية مكثفة فوق ساحل فنزويلا    فيديو.. الأرصاد: عودة لسقوط الأمطار بشكل مؤثر على المناطق الساحلية غدا    إخلاء سبيل والدة المتهم بالاعتداء على معلم ب"مقص" في الإسماعيلية    محافظ أسيوط يقود مفاوضات استثمارية في الهند لتوطين صناعة خيوط التللي بالمحافظة    القضاء الإداري يؤجل دعوى الإفراج عن هدير عبد الرازق وفق العفو الرئاسي إلى 28 مارس    الأهلي يواجه الجيش الرواندي في نصف نهائي بطولة إفريقيا لكرة السلة للسيدات    مدرب الكاميرون المُقال: طالما لم يصدر قرارا من الرئاسة فأنا مستمر في منصبي.. وإيتو نرجسي    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علاج رسول الله لمشكلة المسكرات والمخدرات
نشر في الشعب يوم 08 - 03 - 2012

حرَّم الإسلام كلَّ ما يضرُّ بالفرد أو الأسرة أو المجتمع، وأحلَّ كل ما هو طيِّب ومفيد للبشر جميعًا، فما حرَّم الله شيئًا إلاَّ عوَّض الناسَ خيرًا منه، فقال الله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157]، ولأن النفس البشريَّة تميل دائمًا إلى تحقيق رغباتها - دون نظر إلى ما يَتَرَتَّب على ما تقترفه من مضارَّ جسيمةٍ - فقد أرشد الإسلام أتباعه إلى كبح جماح أنفسهم، وسَنَّ لهم الأحكام والتشريعات والقوانين الوقائيَّة والعلاجيَّة لحلِّ كل مشكلة تعترضهم، ثم كانت سيرة رسول الله خير تطبيق لهذه الأحكام والتشريعات.
الحل الرباني لمشكلة إدمان الخمور والمسكرات
التدرج في حل المشكلة
من هذه المشكلات الخطيرة مشكلة إدمان الخمور والمسكرات، وكانت قد تغلغلت في نفوس العرب جميعًا؛ حتى إنهم كانوا يمدحونها في شعرهم؛ حيث تبدأ القصائد عادة بذكر الأطلال ثم وصف الخمر.. كما كانوا يشربونها في بيوتهم وأنديتهم ومنتدياتهم؛ ولذا فقد جاء الحلُّ الرباني للمشكلة حلاًّ حاسمًا، ودالاًّ بشكل واضح على أنه وحي من ربِّ العالمين.
لقد نزلت الآيات القرآنيَّة لتحلَّ المشكلة في تدرُّج مدهش، فكان أوَّل ما نزل في تنفير الناس مِنْ شُرْبِ الخمر قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل: 67]، فوصف الله تعالى الرزق بالحَسَن، ولم يصف السكر بذلك؛ تمهيدًا لتحريم الخمر، ثم لفت الأنظار إلى آثارها الضارَّة التي تَفُوقُ ما فيها من منافع محدودة، فقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، وفي مرحلة لاحقة حرَّم تعاطيها قبل أوقات الصلاة؛ بحيث لا يأتي وقتُ الصلاة إلاَّ والواحد منهم في أتمِّ صحوة، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]، وبعد أن تهيَّأت النفوس لتحريمها - وأصبحوا يتطلَّعون إلى اليوم الذي تُحَرَّم فيه تمامًا، كما قال عمر بن الخطاب: "اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا"[1]- جاء التحريم القاطع في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].
ولأن عائشة -رضي الله عنها- تعرف جيِّدًا عمق مشكلة الخمر في نفوس المجتمع الجاهلي؛ لذلك قالت عن التدرُّج الذي نزلت به الآيات: "... ولو نزل أوَّل شيء: لا تشربوا الخمر. لقالوا: لا نَدَعُ الخمرَ أبدًا..."[2]. ولكن المجتمع - الذي ربَّاه النبي على مراقبة الله تعالى - امتثل لأوامره I فور نزولها على نبيِّه ، فعن أنس بن مالك أنه قال: كنتُ ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفَضِيخ[3]، فأمر رسول الله مناديًا ينادي: "ألا إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ". قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأَهْرِقْهَا[4]. فخرجتُ فهرقتها، فَجَرَتْ في سِكَكِ المدينة[5].
الحل النبوي لمشكلة إدمان الخمور
ومع نزول هذا التحريم القاطع من الله جاء الحل النبوي لمشكلة إدمان الخمور، فقد استمرَّ تنفير رسول الله لأصحابه منها، فقال رسول الله لأبي الدرداء: "لا تَشْرَبِ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ"[6]. بل ولعن رسول الله كل مَنْ يقوم بصناعتها وبيعها وشُرْبها، فقال : "لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ"[7].
ولكن رسول الله لم يُغلق باب التوبة أمام هؤلاء المدمنين؛ بل جعله مفتوحًا، حتى لو تكرَّر الخطأ أكثر من مرَّة؛ حيث ربط رسول الله بين التخويف من سخط الله وعقابه في الآخرة وعدم توبتهم إليه I، وهذه هي عظمة رسول الله في معالجته لمثل هذه المشكلات المتجذِّرة في مجتمع ما، فقال رسول الله : "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدَغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قالوا: يا رسول الله، وما رَدَغَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: "عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ"[8].
كما جعلها رسول الله وصيَّة من الوصايا التي خصَّ بها بعض أصحابه؛ وفي ذلك دلالة على تنفير الأُمَّة منها، ووقايتهم من الوقوع في شِرَاك كلِّ مسكر أو مخدِّر، فيروي أبو الدرداء أن رجلاً جاء إلى النبي فقال: أوصني يا رسول الله. قال: "لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ... وَلا تَشْرَبِ الْخَمْرَ..."[9].
ويؤكِّد رسول الله على مضارِّها على صحَّة الإنسان؛ فيقول للصحابي الذي سأله عن استخدام الخمر كدواء: "إِنَّهَا دَاءٌ، وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ"[10]. وقد أثبتت الدراسات الطبِّيَّة الحديثة إصابة الذي يتناول الخمر بالعديد من الأمراض؛ مثل: مرض تليُّف الكبد؛ فالخمور تسبِّب تحطيمًا لخلايا الكبد، وتقوم بترسيب الدهون فيها، وكذلك تُصيب الجهاز الهضمي باضطرابات مختلفة؛ فيفقد الإنسان شهيَّته للطعام، ويُصاب بسوء التغذية ونقص الفيتامينات، كما تؤثِّر على الأعصاب، وعضلة القلب، والعناصر المكوِّنة للدم[11].
ثم يُواصل رسول الله تعليم أُمَّته مضارَّ الخمر - بطريقة أخرى - بِذِكْرِ قصص السابقين؛ حتَّى يَتَّعظ منها مَنْ كان له عقل يفكِّر، فعن عثمان بن عفان ، عن النبي أنه قال: "اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ؛ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلاَ قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ، فَعَلِقَتْهُ[12]امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ. فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا، فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلاَمٌ وَبَاطِيَةُ[13]خَمْرٍ، فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا، أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلاَمَ. قَالَ: فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا. فَسَقَتْهُ كَأْسًا، قَالَ: زِيدُونِي. فَلَمْ يَرِمْ[14]حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ؛ فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لاَ يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلاَّ لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ"[15].
ورسول الله حين يعالج مشكلة ما فإنه لا تشغله كثيرًا الأسماء بقدر ما تشغله المسمَّيَات؛ فهو حين حرَّم الخمر حرَّم كذلك كل ما تنطبق عليه صفتها من إذهاب العقل، أيًّا كان مصدر هذا الشراب؛ العنب أو التمر أو غيرهما، فعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي أنه قال: "كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ"[16]. وقالت أمُّ سلمة -رضي الله عنها- في حديث آخر يُبَيِّنُ أن كل أنواع المسكرات والمخدِّرات مُحَرَّمة شرعًا؛ لأنها تُهلك الفرد، وتُضْعِف المجتمع: "نَهَى رَسُولُ اللهِ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ[17]"[18]. كما نجد رسول الله يُحَرِّم كل شيء يضرُّ بصحَّة الإنسان، فيقول رسول الله : "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ"[19]. فما ينطبق على الخمر من تحريم وعقوبات ينطبق على المخدرِّات وغيرها من السموم التي تضرُّ الإنسان.
وبعدما استقرَّ التحريم، كانت التشريعات واضحةً في معاقبة مَنْ يُقْدِم على تناول المسكرات، وكان تطبيق رسول الله لهذه التشريعات تطبيقًا رائعًا، فعن أنس بن مالك ، أن النبي ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ[20]. وعن قَبِيصَة بن ذُؤَيْب، أنه قال: قال رسول الله : "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ.."[21].
ولكنَّ الهدف من العقاب في نظر رسول الله هو ردع كل مَنْ تُسَوِّل له نفسه أن يُدمن المسكرات أو المخدِّرات، وليس التشفِّي أو الانتقام من صاحبها؛ فهو شخص مريض في حاجة إلى العلاج؛ لذلك عَمِل رسول الله على تأصيل هذه المعاني في نفوس الصحابة، فعن أبي هريرة t أنه قال: أُتِيَ النبيُّ برجل قد شرب، فقال: "اضْرِبُوهُ". فقال أبو هريرة: فمِنَّا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلمَّا انصرف قال بعض القوم: أخزاكَ الله. قال: "لا تَقُولُوا هَكَذَا، لا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ"[22].
هكذا عالج النبي مشكلة المسكرات والمخدِّرات معالجة عمليَّة متدرِّجة مبنيَّة على تقوى الله أوَّلاً، والخوف من عصيانه؛ فهو الآمر بتحريم كل مسكر، ثم بِسَنِّ القوانين الرادعة التي تعالج - أيضًا - كل نفس تخرج عن السلوك السَّوِيِّ، وفي ذلك صلاح للفرد والمجتمع.
هذا هو منهج رسول الله في حلِّ مشكلات عصره، قد تناولنا في هذه المقالات نماذج منها؛ فتعرَّضْنَا لنموذج يتعلَّق بمشكلة عالمية يُعَانِي منها العالم جميعًا، وهي مشكلة العنف والإرهاب، ورأينا كيف عالجها رسول الله معالجة قائمة على الوقاية والعلاج، ونموذج آخر يتعلَّق بالجانب الاقتصادي داخل المجتمع، ألا وهو مشكلة الفقر والبطالة، ورأينا كيف عالجها رسول الله معالجة رائعة قائمة على فتح آفاق العمل والاجتهاد أمام المجتمع بكل أفراده وطوائفه، وأخيرًا رأينا كيف عالج رسول الله مشكلة أخرى متجذِّرة داخل كيان المجتمع - وهي مشكلة المسكرات والمخدرات - معالجة تدريجيَّة، وقد تميَّز المنهج النبوي في معالجة المشكلات بمزيَّة متفرِّدة؛ ألا وهي غرس مراقبة الله في قلوب كل أفراد المجتمع، فامتنعوا بفضل هذه القيمة عن فعل كل قبيح؛ فعاش الجميع في أمن وسلام، وفي عالمنا المعاصر ما زالت تلك المشكلات متجذِّرة في المجتمعات الحديثة، ويعاني منها العالم جميعًا، فما أحوجه إلى منهج رسول الله ، الذي لم ينسب الفضل فيه لنفسه بل نسبه لله تبارك وتعالى، ففي ذلك دليل قاطع على صدقه وانتفاء الغرض الشخصي من وراء رسالته.
=============================================================
[1] سنن النسائي: كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر (5540)، وأحمد (378)، والحاكم (3101) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
[2] البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن (4707)، والبيهقي: شعب الإيمان (2226)، وعبد الرزاق: المصنف 3/352.
[3] الفضيخ: البسر والتمر، والفضيخ أن يصبّ عليه الماء ويتركه حتى يغلي من غير أن تمسه النار. انظر: النووي: المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 13/148، وابن منظور: لسان العرب، مادة فضخ 3/45.
[4] أهرقها: الأصل أَرِقْهَا، أي صُبَّها، فأبدلت الهمزة هاء، انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 10/38، وابن منظور: لسان العرب، مادة هرق 10/365.
[5] البخاري: كتاب المظالم، باب صب الخمر في الطريق (2332)، ومسلم: كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر... (1980).
[6] ابن ماجه: كتاب الأشربة، باب الخمر مفتاح كل شر (3371)، والحاكم (7231) وقال: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
[7] أبو داود: كتاب الأشربة، باب في تحريم الخمر (3674)، والترمذي (1295)، وابن ماجه (3380)، وأحمد (5716) وقال شعيب الأرناءوط: صحيح بطرقه وشواهده. وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (839).
[8] أبو داود عن ابن عباس: كتاب الأشربة، باب النهي عن المسكر (3680)، والترمذي (1862) وقال: هذا حديث حسن. وابن ماجه (3377)، والدارمي (2091)، وأحمد (6644)، والحاكم (7232) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع (6312).
[9] ابن ماجه: كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء (4034)، وأحمد (22128)، والحاكم (6830)، وحسنه الألباني، انظر: مشكاة المصابيح (580).
[10] أحمد عن وائل بن حجر الحضرمي (18879) وقال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح. وابن حبان (6065)، والدارقطني (4763).
[11] مقال بجريدة الرياض: http://www.alriyadh.com. وانظر: مصطفى سويف: المخدرات والمجتمع ص86-91.
[12] علقته: عشقته وأحبَّته، انظر: نور الدين السندي: حاشية السندي على النسائي 8/315.
[13] الباطِيةُ: إناء من الزجاج عظيم يُمْلأ من الشراب، انظر: نور الدين السندي: حاشية السندي على النسائي 8/315، وابن منظور: لسان العرب، مادة بطا 14/74.
[14] فلم يَرِمْ: من رَامَ يَرِيم، أي: فلم يبرح ولم يَتْرُك، انظر: نور الدين السندي: حاشية السندي على النسائي 8/315.
[15] النسائي: كتاب الأشربة، باب ذكر الآثام المتولدة عن شرب الخمر (5666)، وابن حبان (5348)، وقال الألباني: صحيح موقوف. وذكر المتقي الهندي في كنز العمال: أن ممن ذكر الحديث مرفوعًا عن رسول الله ، كلاًّ من عبد الرزاق في مصنفه، والبيهقي في شعب الإيمان. انظر: نصب الراية 5/487.
[16] البخاري: كتاب الوضوء، باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر (239)، ومسلم: كتاب الأشربة، باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام (2001).
[17] المفتر: كل شراب يورث الفتور والخدر في الأطراف، انظر: العظيم آبادي: عون المعبود شرح سنن أبي داود 10/92.
[18] أبو داود: كتاب الأشربة، باب النهي عن المسكر (3686)، وأحمد (26676)، وقال ابن حجر العسقلاني: سنده حسن. انظر: فتح الباري 10/44.
[19] ابن ماجه: كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره (2340)، والموطأ - رواية يحيى الليثي (1429)، وأحمد (2867). وقال شعيب الأرناءوط: حسن. والحاكم (2345) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني، انظر: السلسلة الصحيحة (250).
[20] البخاري: كتاب الحدود، باب ما جاء في ضرب شارب الخمر (6391)، ومسلم: كتاب الحدود، باب حد الخمر (1706).
[21] أبو داود: كتاب الحدود، باب إذا تتابع في شرب الخمر (4485)، والنسائي (5661)، وأحمد (7748) وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
[22] البخاري: كتاب الحدود، باب الضرب بالجريد والنعال (6395)، وأبو داود (4477)، وأحمد (7973).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.