علي مدي سنوات طويلة.. ومنذ قيام ثورة 23 يوليو ..52 تأتي الثانوية العامة علي قمة الأولويات التي يهتم بها أي وزير للتربية والتعليم.. صحيح أن هذه الشهادة "اللعينة" تمثل أهم مرحلة في مستقبل كل مصري.. فإذا حصل عليها وتمكن من الالتحاق بالدراسات العليا أو الجامعية ممكن أن يكون "شيئا" في الحياة الاجتماعية وإذا فشل في الحصول عليها هبط إلي مستوي آخر لا يعلم به الا الله. والواقع أن التلاميذ وأولياء أمورهم يبذلون جهودا مضنية ويتكلفون مبالغ باهظة في أغلب الأحيان نتيجة الدروس الخصوصية ورغم ذلك.. فإن المستقبل هو بيد الله. المهم ان الوزارة تتخذ اجراءات ما أنزل الله بها من سلطان لحماية الامتحانات من التسرب أو العبث.. وقد يكون مع الوزارة الحق في اتخاذ أي اجراء ولكن الصورة التي تخرج بها هذه الاستعدادات تصيبني بقلق وخوف وهلع.. فكما اعلنت الوزارة هذا العام ان اسئلة الامتحانات وأوراق الاجابة سترسل بالطائرات الحربية إلي بعض المحافظات كما سيتم ارسال اوراق أخري بالقطارات وسط حراسة مشددة بالاضافة فإن وزير التعليم اعتمد خطة للتأمين وغير ذلك من الاجراءات التي تجعل من هذه الامتحانات شيئا مرعبا بل وانما أهم الأحداث في مصر.. يحدث هذا عندنا.. والعالم يجري هذه الامتحانات وغيرها عبر الأجهزة الالكترونية..!! وبطرق مختلفة تساير روح العصر.. ولكننا نحن مازلنا نتبع الاساليب البالية والتي كانت تستخدم منذ ظهرت هذه الشهادة إلي الوجود.. دون أي تطوير. والواقع اتساءل: كم تبلغ تكاليف كل هذه الاجراءات؟؟ اعتقد انها تتكلف الملايين والملايين.. وفي رأيي انه لو تم الاهتمام والانفاق علي تطوير العملية التعليمية لشهادة الثانوية العامة بنفس مستوي اجراءات حماية الامتحان لكان ذلك أجدي واكثر نفعاً.. والغريب أنه علي الرغم من كل هذا فإننا نسمع عن تسرب بعض اسئلة الامتحانات.. واذكر انه في عام 1968 قال عبدالناصر لوزير التعليم الدكتور حلمي مراد ان الامتحانات تتسرب!! عموما.. فإن وزير التربية والتعليم.. لو نجح في اعادة تلاميذ هذه الشهادة إلي مدارسهم وانتظامهم في الدراسة وحضور دروس مدرسي المدرسة.. ونجاحه في اغلاق مراكز الدروس الخصوصية التي تستولي علي معظم دخول أولياء الأمور.. فإنه سيكون قد حقق نجاحاً فشل فيه الآخرون.. وبالتأكيد سيكون ذلك بداية رائعة سيصفق لها الجميع لتطوير شهادة الثانوية العامة. وتطوير هذه الشهادة أصبح أمراً ملحاً فإن معظمه إن لم يكن كل بلاد العالم أصبحت لا تعترف بها ولا يجوز الالتحاق بالدراسات العليا أو الجامعية بها بل يلزم اجراء امتحان معادلة. وعندنا في مصر فإن هذه الشهادة هي الكوبري الذي لابد من عبوره إلي الجامعة.. وكانت فيما مضي وعلي وجه الخصوص قبل ثورة 23 يوليو 1952 تسمي الشهادة التوجيهية.. وتتيح لحاملها الالتحاق بالجامعة.. التي كانت الدراسة فيها بمصروفات ولهذا كان الالتحاق بها اما للاثرياء أو النوابغ.. كذلك كانت تعتبر مسوغا للتعين في الوظائف العامة.. وكان الوصول لهذه الشهادة يتم عبر الحصول علي شهادة "الثقافة" "وهي سنة ثانية ثانوي في النظام الحديث" وبصراحة لم يكن هذه الشهادات تحظي بكل هذا الاهتمام كما هو حادث الآن.. وكان الاهتمام منحصرا في نشر ارقام الناجحين في الصحف المسائية.. ثم تطور الأمر فأصبحت اذاعة الشعب تذيع ارقام الناجحين فقط. ولأن الالتحاق بالجامعات كان في الغالب قاصر علي الاثرياء الذين يمكنهم سداد مصروفات تبدو عالية بالنسبة لقدرة افراد الشعب.. رأي جمال عبدالناصر ضرورة التوسع في قبول ابناء الشعب إلي الجامعة التي كان الحصول علي احدي الشهادات منها هو الطريق للوصول إلي الهيئة الاجتماعية والزواج من بنات الاسر فوق المتوسطة. ومن هنا قرر عبدالناصر تخفيض نسبة النجاح إلي ما دون 50% وسمح لهم بالالتحاق بالكليات النظرية كمنتسبين.. وجعل التعليم الجامعي شبه مجانا.. وحدث انه اعترض كمال الدين حسين وكان وزيراً للتعليم في ذلك الوقت علي هذا الاجراء لان في ذلك هبوط بمستوي الجامعة.. ورفض هذا التوجيه.. واستدعاه جمال عبدالناصر.. وحاول اقناعه بالسماح لمثل هؤلاء الطلبة بالالتحاق بالجامعة.. وقال "يا أبو كمال.. ما تسيب باب الانتساب في الجامعات مفتوح للجميع.. عايزين الناس تبقي مبسوطة". ورد كمال الدين حسين "بقوله" موش ممكن يا ريس احنا حددنا القبول لمن نجح وحصل علي 50% أما غيرهم فلن تكون هناك اماكن لاستيعابهم ولا اساتذة ولا مدرجات. هذا ما ذكره كمال الدين حسين في كتابه "الصامتون يتكلمون" والواضح ان جمال عبدالناصر كان يريد لافراد الشعب أن يلتحقوا بالجامعات ولا تكون قاصرة علي فئة القادرين.. ولهذا اراد ان يتيح الفرصة حتي لمن لم يحصل علي 50%. ومن حكايات الثانوية العامة انه في فترة من الفترات اضيفت بعض المواد إلي المواد الدراسية المعتادة.. وكان بعض الطلاب يصل مجموع درجاتهم إلي اكثر من 100% بعد اضافة درجات المواد الاضافية.