هذه القصة حقيقية حدثت بالفعل وأنا أحد أبطالها.. منذ عدة أيام وبعد انتهاء عملي وفي طريق عودتي للمنزل شعرت ببعض الهبوط فسرته بأنني جائعة.. فقد كانت الساعة تقترب من الخامسة وأنا عادة أتناول إفطاري مبكراً.. عرجت علي أحد محلات الفول والطعمية الشهيرة واشتريت "ساندوتش" طعمية ساخنة وأسرعت لاستقل المترو. في عربة السيدات أخرجت الساندوتش لأتناوله ونادراً ما ألجأ لمثل هذا التصرف لكنها حالة الهبوط التي أخافتني. ولم يهدني تفكيري لبديل!!.. قضمت قضمة واحدة وعندما رفعت رأسي فوجئت بصبي صغير أمامي ينظر بنهم للساندوتش.. عمره لا يتعدي الثامنة.. ملابسه مهلهلة وحافي القدمين ويعلو وجهة بؤس يكفي بلداً.. قال "انا جعان إديني لقمة" أعطيته الساندوتش وقد أصابتني حالة حزن شديدة من الموقف منعتني من بلع ما أكلته.. لكن ما حدث بعد ذلك هو الأهم. اتخذ الصبي جانباً وبدأ في أكل الساندوتش ليفاجأ بصبي آخر أكبر قليلاً.. بعامين لا أكثر وفي نفس حالته.. حاول أن يأخذ منه الساندوتش.. رفض الصبي وتشبث بالساندوتش فضربه الآخر علي وجهه بعد أن فشل في اقتسام الساندوتش معه!! وما أن التفت الآخر حتي هاجمه الصبي وضربه ليرد له القلم الذي أصاب وجهه.. ما هي إلا ثوان معدودة حتي دارت معركة حامية الوطيس بين الصبيين وقد طرح كل منهما الآخر أرضاً وأنشب أظافره في وجهه لتسيل الدماء من وجه كل منهما مع ضربات متواصلة بالأيدي والأرجل والرءوس في مشهد مأساوي صعب التصديق!! وقد يسأل القارئ أين الساندوتش؟ لقد سقط علي الأرض وتلوث بالتراب وبالدم وبركلات أرجل الصبيين!! هل تصدقون أن أحد الصبية لم يأخذ في فمه ولو لقمة واحدة من الساندوتش؟!!.. السيدات من راكبات المترو يتابعن الموقف بذهول وقد منعنني من التدخل وأكدن أن من يحاول التدخل سوف يصاب لا محالة.. حاولت أن اعطي الصبيين مبلغا من المال يشتري كل منهما طعاما لكن شدة المعركة منعتني. استمرت المعركة من محطة عرابي حتي محطة سعد زغلول عندما استغاثت الراكبات بالشرطي المكلف بحراسة المحطة ليصعد إلي المترو ويمسك بالصبيين وينزلهما ويصطحبها لا أعلم إلي أين؟ ما تعجبت له أنه بمجرد نزول الصبين فوجئت بالمشهد الآتي بلا أي مبالغة.. كل واحدة من البنات والسيدات المحيطات بي اخرجت من حقيبتها شيئا لتأكله.. ما بين قطعة شيكولاته أو باتيه أو كيس شيبسي!!.. تساءلت بين نفسي لماذا لم تسارع احداهن باعطاء الصبية بعضا مما معها لتفض المعركة الدامية؟!! ماذا حدث للمصريين؟!! هذه القضية أهديها لكل من يحاول الاهتمام بأطفال الشوارع الذين يهيمون علي وجوههم في الشوارع ويدورون عل عربات المترو بحثا عن لقمة لسد جوعهم.. هل تعلمون كم لدينا من اطفال الشوارع؟ الاحصائيات تقول انهم يقتربون من المليونين!! لدينا مليونا طفل جائع عريان يفترش الأرض ويلتحف بالسماء!! ماذا تنتظرون لوقف انفجار مليون قنبلة جاهزة بالفعل للانفجار؟!! لقد فات أوان الكلام وحان أوان الفعل الجاد لانقاذ هؤلاء من الجوع والعري.. ولإنقاذ مصر من مشاكل اجتماعية لا حصر لها لأننا تركنا أبناءنا يهيمون في الشوارع!!