ردود فعل متباينة أحدثتها قصة الأربعاء الماضي "تيتة والحاج" تراوحت بين متعاطف بشدة مع الجدة العجوز بطلة القصة وبين متحامل عليها وساخط !! وأبدأ من "سحر وماجدة" من الدقهلية واللتين ألقتا بتبعات ما أصاب الجدة ذات السبعين ربيعاً عليها شخصياً حيث حرصت علي اخفاء حقيقة ظروفها البائسة عن أبنائها فلم تشعرهم بحجم ما تكابده من أجل تلبية احتياجاتهم وكيف اتخذت من الأساليب وسلكت من الطرق حتي يواصلوا مشوارهم التعليمي ويتخرجوا في الجامعة! تضيف القارئتان: أخطأت الجدة حين آثرت الصمت عن الكلام ولم تحدث أبناءها ببعض مما تحملته من أجلهم منذ رحيل أبيهم وكيف دفعت شبابها وصحتها رهناً لسعادتهم؟ وهو الدرس الذي يجب أن تعيه كل أم تحملت مبكراً مسئولية الأبناء بعد فقد الزوج.. وهي أن تشعر أولادها بما تبذله نحوهم فدون ذلك لن تجني منهم سوي الجحود ونكران الجميل!! .. ولله الأمر أما الحاجة "ث" وهي سيدة طاعنة في السن ولها من الأبناء والأحفاد ما لها فقد حدثتني قائلة: أري أن الفقر لم يكن سبباً فيما جرت به الأحداث مع الجدة في "تيتة والحاج" فعقوق الأبناء لا يعرف فقراً أو ثراء.. فإليك قصة ل"تيتة" أخري وهي بالمناسبة صديقتي كان لديها من الأموال والأملاك الكثير وحين تقدم بها العمر رأت أن تكتبها جميعاً لأبنائها في حياتها حتي تجنبهم مغبة السقوط في هوة الشقاق والنزاع بعد مماتها.. لكن ما حدث منهم أدمي قلوب كل من سمع بقصتها وما آل إليه حالها.. تصوري ما إن حصل كل ابن من أبنائها علي نصيبه في الأموال إلا وتنكر لرعايتها في هذه السن والانفاق عليها باستثناء ابن واحد أبقي عليها بجواره لشيء في نفسه فقط وهو أن تشهد لصالحه في إحدي القضايا المطلوب فيها ولله الأمر من قبل ومن بعد!! .. انتهت المكالمة ** وفي إطار تواصله الدائم مع كل ما نتناوله عبر هذه النافذة أبدي الشاعر أحمد جعفر من المنوفية حزنه الشديد علي ما أصاب هذه الجدة وكم أبكاه التصرف الأحمق لزوجة الابن وهي تنتفض غاضبة لتمنع صغارها من مصافحة جدتهم والترحيب بها!!.. وواصل قائلاً: أن موقف الشيخ محمود في "تيتة والحاج" يذكره بقصة أحد الصالحين رأي سيدة تقوم بجمع الفراخ الميتة من الطريق فلما نبهها إلي أن الله حرم علينا أكل الميتة قاطعته "إلا ما اضطررتم.. وأنا مضطرة".. جواباً جعله يتتبعها حتي علم بدارها وبدأ يغدق عليها وأطفالها مفضلاً الانفاق عليهم من أدائه لفريضة الحج للمرة الثانية لمن لم يقرأ قصتها؟! ** وبعد ولمن لم يقرأ قصة الأربعاء الماضي التي حملها إلينا القاريء الصديق رضا حجازي فهي تروي مأساة أم انفقت صحتها وشبابها سعياً علي احتياجات أبنائها الستة الذين تحملت مسئوليتهم مبكراً حينما رحل الأب وتركها بلا أدني دخل يعينها علي ما تصبو إليه ليس فقط بتوفير المأكل والملبس لهم وإنما بمواصلة تعليمهم جميعاً إلي أن تخرجوا في الجامعة.. مع ذلك بدأت رحلة الكفاح متحملة من الضغوط النفسية ما يفوق متاعبها الصحية حتي لا تشعر أبناءها بما تقوم به من أجل تهيئة مستقبل واعد لهم.. فلم تخبرهم بحالها وهي تخدم في البيوت أو هي تمسك بالجردل والمكنسة لتنظف أمام المحلات مقابل زجاجة زيت يحتاجها البيت!!.. وذلها وهي تقوم بجمع "العظم" من سلال محلات الجزارة لتقدم لهم طبق "شوربة" برائحة اللحم!! وظلت تمضي في رحلتها معهم دون أن تخبرهم بحالها وهي تلتمس من أساتذتهم في الجامعة اعفاءهم من شراء الكتب التي لا تقوي علي تحمل ثمنها!! ولم ترو لهم كيف كان يعاونها الأساتذة في هذا الأمر في سرية تامة حيث كانوا يمنحونهم الكتب تحت بند المكافأة نظير تفوقهم!! مشوار طويل ما كان لها أن تقطعه بمفردها لولا أن ساق الله إليها هذا الرجل الكريم الذي اشفق عليها من مهمة جمع العظم من السلال وتكفل هو بكل ما يحتاجه بيتها من لحوم ودواجن وبقالة بل وملابس وأقمشة واستمر معها في ذلك لسنوات طويلة.. عطاء منه خفف من وطأة الحزن الذي نزل به ذات عام حين لم يجد اسمه ضمن حجاج بيت الله الحرام فجاءه في المنام من يبشره بقبول عمله تجاه تلك الأرملة وأبنائها الأيتام وأن ما يقوم به معها يعادل ثواب الحج بإذن الله.. وهي الرؤية التي قصها عليها حين قابلته بالصدفة في نفس محل الجزارة الذي وجدها أمامه في المرة الأولي!! صفحة لم تغادر سطورها ذاكرة الجدة رغم تقدمها في السن بل زادتها حيوية وحضوراً وهي تقارن بين أفعال هذا الرجل الكريم وتصرفات أبنائها معها وكيف تنكروا لها؟! حين رأوا أن انتسابهم لها وهي المرأة البسيطة ينال من مكانتهم الاجتماعية؟! فهنيئاً للشيخ محمود صاحب الفضل والجود وتعساً لهؤلاء الأبناء إن استمروا في عقوقهم تجاه التي ضحت وأفنت عمرها حتي تنقلهم من دنيا الجهل والفقر لدنيا المعرفة والسعادة.