تلقيت دعوة لحفل زفاف وجلست في القاعة بجوار حفيدتي نتابع فقرات الحفل وإذ بسيدة عجوز تدخل وتتلفت حولها بحثاً عن مقعد فما كان مني إلا أن دعوتها للجلوس في المقعد الخالي حول المائدة.. لحظات ووجدت مجموعة من الأطفال وكأنهم انتبهوا لوجودها يتجهون نحوها ويوجهون إليها التحية "إزيك يا تيتة" وفي أقل من دقيقة فوجئت بمن تأتي وراءهم وتنزع أيديهم الصغيرة من يد جدتهم وكأنهم أقدموا علي جريمة!! أصابني وحفيدتي الذهول ولم أتمالك نفسي وأنا أسألها: لماذا تعاملك هكذا؟! عاجلتني الجدة ذات السبعين ربيعاً قائلة: العيب ليس فيها وإنما في زوجها.. ابني الجالس بجوارها!!! وواصلت: أنا التي أفنيت حياتي من أجله واخوته فقد رحل أبيهم مبكراً وكان "عاملاً بسيطاً".. ما دفعني للخروج سعياً علي احتياجاتهم يحدوني الأمل في أن ينتهوا جميعاً من دراستهم ويتخرجوا في الجامعة.. خدمت في البيوت.. وأمام المحلات فكنت أحضر بالجردل والمكنسة وأتولي المهمة مقابل زجاجة زيت أو برطمان عسل يحتاجه البيت. صمتت قليلاً.. ثم واصلت والدموع تخنق كلماتها: وأتذكر ماذا كنت أفعل حين تمضي الشهور دون أن نتناول اللحوم..؟ كنت اتجه للصناديق المقابلة لمحلات الجزارة وأجمع منها العظم و"اهي شوربة ببصلة.. ويشبعوا العيال"!!!.. وذات يوم استوقفني رجل طيب الملامح وأنا متلبسة في جمع العظم.. فسألني: أتتاجرين فيه؟!.. قلت بل أطعم به أولادي.. ثم قصصت عليه حكايتي. هنا اصطحبني لمحل الجزارة وأمر صاحبه بأن يصرف لي أسبوعياً ما احتاجه من لحوم والحساب عليه.. ونفس الشيء فعله مع "الفرارجي".. ومحل الأسماك.. حتي البقالة وشراء القماش تحملها عني كاملة.. وحينما وصل أبنائي للمرحلة الجامعية وزادت الأعباء علي أخذت أتعرف علي أساتذتهم وأشرح لهم ظروفي دون أن أخبر أولادي بشيء.. فكانوا يتعاطفون معي ويمنحون أبنائي الكتب و"الملازم" بالمجان دون أدني احراج لهم والرد جاهز علي زملائهم: أنهم متفوقون!! رحلة طويلة انتهت بتخرجهم جميعاً في الجامعات ليتوظف منهم من يتوظف.. ويتزوج من يتزوج.. وبدلاً من أن أجد رد الجميل علي تضحياتي من أجلهم رأيت من بينهم من يسيء معاملتي ويشجع زوجته علي ذلك ويحرمني من حقي كجدة ولها أحفاد.. وفي غمرة حديثها عن سنوات كفاحها المريرة.. تبسمت قائلة: أما الرجل الكريم الذي أغدق علي وأولادي بالخير الوفير فقد جمعتني الأيام به مرة أخري في نفس محل الجزارة الذي وجدني عنده في الأولي وعندما تذكرني راح يقبلني من رأسي وكأنه رأي شخصاً عزيزاً جداً عليه.. اندهشت من أمره فما كان قوله: "أنت وش السعد علي" ثم عاد إلي اليوم الذي تقابل فيه معي وتألم كثيراً لحالي كان في جيبه لحظتها مصاريف الرحلة التي ينتوي القيام بها ولما رآني قال في نفسه أليست هذه وأولادها اليتامي أحق بالانفاق عليها من "الحج"؟! وراح يسأل "الافتاء".. ويؤدي "الاستخارة" وجاءه الرد: فرصتك المرة القادمة!! حيث لم يظهر اسمه بين حجاج ذلك العام مما أصابه بالغم والحزن.. وفي صبيحة يوم عرفة غالبه النوم لتأتيه الرؤية بأنه سيخطب في الحجيج علي جبل الرحمة!! ثم.. ثم يمضي يوم عرفة وتليه أيام العيد لتأتي أول جمعة ويقابله بالمسجد من يهنئه بالحج!! فتعجب من أمره وهو ما استشعره الثاني فأصر الأخير علي الاستشهاد بمجموعة من الناس كانوا معه في الحج ورأوه مثلما رآه وجاءت الشهادة لتؤكد صدق الرواية وأن الشيخ محمود وهو لأول مرة أعرف اسمه هو من كان يخطب فيهم في عرفة!! .. وهو الذي لم تطأ أقدامه أعتاب مكة في ذلك العام أبداً!! لقد آثرت الجدة الحزينة تغيير دفة الحديث وفضلت الكلام عمن كان عليها أرحم وأرق من فلذات أكبادها ومزقتني دموعها التي انسابت من عينيها وحفيدتي تشير إلي الآنية وتقول لها: "السكر يا تيتة" فبكت العجوز وهي تردد: "مش قادرة أسمعها من ولاد ولادي"!! رضا حجازي مراقب مباريات û المحررة لا تبخل علينا دائماً يا كابتن رضا بمشاركاتك التي تتلمس فيها أوضاع الناس وتحاول مداواتها فجاء حديثك عن الجدة العجوز وكيف تعاملت معها إحدي زوجات أبنائها؟.. وهي لأمثالها ترفع القبعة وتقبل القدم منها قبل الرأس علي ما قدمته من تضحيات وما تحملته علي أعصابها وهي تخفي عن أولادها كيف تتحايل علي ظروفها لكي تأتي لهم بلقمة العيش ومصاريف الدراسة؟ .. ولأن الله رءوف بالعباد فقد ساق إليها هذا الشيخ الكريم الذي أشفق علي حالها وهي تستخرج من صندوق المهملات "شوية عظم" من أجل طبق شوربة للأولاد!! فراح يسأل ويستخير حتي جاءه الرد بدد أمله في الحج إلي أن أتته الرؤية لتطمئنه بأن ما يقوم به تجاه هذه الأرملة وأبنائها يعادل في ثوابه "حجة". حرصت الجدة أن تخبرك بنبأ الرجل الكريم لتدلل علي عظيم فضل الله عليها حتي جاء حفل الزفاف لتفاجأ بأنها آخر المرحبين به في هذا الحفل فنزعوا من بين يديها أحفادها بلا رحمة حتي فاضت الدموع من عينيها لتجدك أمامها وأنت تغضب من أجلها وتسأل: لماذا تعاملك هكذا؟ مشيراً لزوجة ابنها "!!".. سؤال أطلق معه طوفان من الآلام كان مختزناً بداخلها فتحدثت وأفاضت حتي ألجمتها كلمة حفيدتك وهي تنبهها: "السكر يا تيتة"!! هذا اللقب الذي حرموها منه دون وجه حق ويبقي علي هؤلاء الجاحدين وزوجاتهم أن يتذكروا أن الدنيا "سلف ودين". تلقيت دعوة لحفل زفاف وجلست في القاعة بجوار حفيدتي نتابع فقرات الحفل وإذ بسيدة عجوز تدخل وتتلفت حولها بحثاً عن مقعد فما كان مني إلا أن دعوتها للجلوس في المقعد الخالي حول المائدة.. لحظات ووجدت مجموعة من الأطفال وكأنهم انتبهوا لوجودها يتجهون نحوها ويوجهون إليها التحية "إزيك يا تيتة" وفي أقل من دقيقة فوجئت بمن تأتي وراءهم وتنزع أيديهم الصغيرة من يد جدتهم وكأنهم أقدموا علي جريمة!! أصابني وحفيدتي الذهول ولم أتمالك نفسي وأنا أسألها: لماذا تعاملك هكذا؟! عاجلتني الجدة ذات السبعين ربيعاً قائلة: العيب ليس فيها وإنما في زوجها.. ابني الجالس بجوارها!!! وواصلت: أنا التي أفنيت حياتي من أجله واخوته فقد رحل أبيهم مبكراً وكان "عاملاً بسيطاً".. ما دفعني للخروج سعياً علي احتياجاتهم يحدوني الأمل في أن ينتهوا جميعاً من دراستهم ويتخرجوا في الجامعة.. خدمت في البيوت.. وأمام المحلات فكنت أحضر بالجردل والمكنسة وأتولي المهمة مقابل زجاجة زيت أو برطمان عسل يحتاجه البيت. صمتت قليلاً.. ثم واصلت والدموع تخنق كلماتها: وأتذكر ماذا كنت أفعل حين تمضي الشهور دون أن نتناول اللحوم..؟ كنت اتجه للصناديق المقابلة لمحلات الجزارة وأجمع منها العظم و"اهي شوربة ببصلة.. ويشبعوا العيال"!!!.. وذات يوم استوقفني رجل طيب الملامح وأنا متلبسة في جمع العظم.. فسألني: أتتاجرين فيه؟!.. قلت بل أطعم به أولادي.. ثم قصصت عليه حكايتي. هنا اصطحبني لمحل الجزارة وأمر صاحبه بأن يصرف لي أسبوعياً ما احتاجه من لحوم والحساب عليه.. ونفس الشيء فعله مع "الفرارجي".. ومحل الأسماك.. حتي البقالة وشراء القماش تحملها عني كاملة.. وحينما وصل أبنائي للمرحلة الجامعية وزادت الأعباء علي أخذت أتعرف علي أساتذتهم وأشرح لهم ظروفي دون أن أخبر أولادي بشيء.. فكانوا يتعاطفون معي ويمنحون أبنائي الكتب و"الملازم" بالمجان دون أدني احراج لهم والرد جاهز علي زملائهم: أنهم متفوقون!! رحلة طويلة انتهت بتخرجهم جميعاً في الجامعات ليتوظف منهم من يتوظف.. ويتزوج من يتزوج.. وبدلاً من أن أجد رد الجميل علي تضحياتي من أجلهم رأيت من بينهم من يسيء معاملتي ويشجع زوجته علي ذلك ويحرمني من حقي كجدة ولها أحفاد.. وفي غمرة حديثها عن سنوات كفاحها المريرة.. تبسمت قائلة: أما الرجل الكريم الذي أغدق علي وأولادي بالخير الوفير فقد جمعتني الأيام به مرة أخري في نفس محل الجزارة الذي وجدني عنده في الأولي وعندما تذكرني راح يقبلني من رأسي وكأنه رأي شخصاً عزيزاً جداً عليه.. اندهشت من أمره فما كان قوله: "أنت وش السعد علي" ثم عاد إلي اليوم الذي تقابل فيه معي وتألم كثيراً لحالي كان في جيبه لحظتها مصاريف الرحلة التي ينتوي القيام بها ولما رآني قال في نفسه أليست هذه وأولادها اليتامي أحق بالانفاق عليها من "الحج"؟! وراح يسأل "الافتاء".. ويؤدي "الاستخارة" وجاءه الرد: فرصتك المرة القادمة!! حيث لم يظهر اسمه بين حجاج ذلك العام مما أصابه بالغم والحزن.. وفي صبيحة يوم عرفة غالبه النوم لتأتيه الرؤية بأنه سيخطب في الحجيج علي جبل الرحمة!! ثم.. ثم يمضي يوم عرفة وتليه أيام العيد لتأتي أول جمعة ويقابله بالمسجد من يهنئه بالحج!! فتعجب من أمره وهو ما استشعره الثاني فأصر الأخير علي الاستشهاد بمجموعة من الناس كانوا معه في الحج ورأوه مثلما رآه وجاءت الشهادة لتؤكد صدق الرواية وأن الشيخ محمود وهو لأول مرة أعرف اسمه هو من كان يخطب فيهم في عرفة!! .. وهو الذي لم تطأ أقدامه أعتاب مكة في ذلك العام أبداً!! لقد آثرت الجدة الحزينة تغيير دفة الحديث وفضلت الكلام عمن كان عليها أرحم وأرق من فلذات أكبادها ومزقتني دموعها التي انسابت من عينيها وحفيدتي تشير إلي الآنية وتقول لها: "السكر يا تيتة" فبكت العجوز وهي تردد: "مش قادرة أسمعها من ولاد ولادي"!! رضا حجازي مراقب مباريات û المحررة لا تبخل علينا دائماً يا كابتن رضا بمشاركاتك التي تتلمس فيها أوضاع الناس وتحاول مداواتها فجاء حديثك عن الجدة العجوز وكيف تعاملت معها إحدي زوجات أبنائها؟.. وهي لأمثالها ترفع القبعة وتقبل القدم منها قبل الرأس علي ما قدمته من تضحيات وما تحملته علي أعصابها وهي تخفي عن أولادها كيف تتحايل علي ظروفها لكي تأتي لهم بلقمة العيش ومصاريف الدراسة؟ .. ولأن الله رءوف بالعباد فقد ساق إليها هذا الشيخ الكريم الذي أشفق علي حالها وهي تستخرج من صندوق المهملات "شوية عظم" من أجل طبق شوربة للأولاد!! فراح يسأل ويستخير حتي جاءه الرد بدد أمله في الحج إلي أن أتته الرؤية لتطمئنه بأن ما يقوم به تجاه هذه الأرملة وأبنائها يعادل في ثوابه "حجة". حرصت الجدة أن تخبرك بنبأ الرجل الكريم لتدلل علي عظيم فضل الله عليها حتي جاء حفل الزفاف لتفاجأ بأنها آخر المرحبين به في هذا الحفل فنزعوا من بين يديها أحفادها بلا رحمة حتي فاضت الدموع من عينيها لتجدك أمامها وأنت تغضب من أجلها وتسأل: لماذا تعاملك هكذا؟ مشيراً لزوجة ابنها "!!".. سؤال أطلق معه طوفان من الآلام كان مختزناً بداخلها فتحدثت وأفاضت حتي ألجمتها كلمة حفيدتك وهي تنبهها: "السكر يا تيتة"!! هذا اللقب الذي حرموها منه دون وجه حق ويبقي علي هؤلاء الجاحدين وزوجاتهم أن يتذكروا أن الدنيا "سلف ودين".