«البشعة» إحدى الموروثات العربية التى استخدمتها القبائل العربية للحكم على براءة أو إدانة المتهم. ويعتقدون أنها تظهر الحقيقة عندما يتعذر إظهارها بوسيلة أخرى وهى عبارة عن نارٍ توقد ويوضع عليها إناء نحاسى يَتم تسخينه إلى درجة الإحمرار، ويقوم المُتهَم بلعق هذا الإناء: فإن كان بريئا لم يصبه شيء فى لسانه، وإن كان مدانا يصاب فى فمه.. أخذنا رأى علماء الدين لنتعرف على حكم الدين فيها. يقول د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: فى أغلب الروايات تفترض البشعة تدخلًا من القوى الغيبية للمعاونة فى إظهار الحقيقة بجعل النار تحدث أذى للشخص إن كان مذنبًا، ولا تحدث له أذى إن كان بريئًا ومن الجرائم التى يكثر فيها الاستعانة بالبشعة جرائم القتل والعرض والسرقة وقد يثار حولها الشكوك إلى شخص بعينه دون أن يتوفر دليل ضده، ولقطع هذه الشكوك بالنفى أو بالإثبات يُطلب من المشتبه فى أمره الخضوع لإجراءات البشعة. ويوضح أن دار الإفتاء أصدرت فتوى تؤكد على أن البشعة ليس لها أصل فى الدين الإسلامى فى إثبات التهم أو معرفة فاعلها، والتعامل بها حرام ولا يجوز شرعًا؛ لما فيها من الإيذاء والتعذيب، ولما فيها من استخدام أمور باطلة بدعوى إثبات الحق، وفى ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»، وهذا الحديث يدل على أنه لا يقبل قول أحد فيما يدعيه لمجرد دعواه، بل يحتاج إلى البينة أو تصديق المدعى عليه، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك، فقد رَسَمَت لنا الشريعةُ السَّمْحَة طُرُقَ المُطالَبَةِ بالحَقِّ وإثباته، أو نَفى الادِّعاءِ الباطل، وهذا ما يجب على المسلمين أن يَتمسَّكوا به دون سواه مِن الطُّرُق السيِّئة التى لا أصلَ لها فى الشرع؛ فإن الشرع لم يَجعل إثباتَ التُّهَمِ مَنوطًا بغيرِ ما رَتَّبه طريقًا لإثباتِ ذلك مِن إقرارٍ أو بَيِّناتٍ أو نَحوِها. من أبرز أسباب انتشار هذه الظاهرة فى وقتنا الحاضر شيوع الأمية الدينية بين عدد كبير من أفراد المجتمع، وضعف دور العلماء والخطباء وأهل التربية من التحذير من الالتجاء إلى هذه العادات الخاطئة وبيان الأضرار الناجمة عنها وحتى نتمكن من مواجهة هذه الظاهرة والحد من انتشارها فلابد من اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية والعلاجية التى تقوم بها جميع المؤسسات التربوية، كذلك العمل على سن القوانين اللازمة لمنع مثل هذه الظواهر والعادات السلبية. ويؤكد الشيخ أشرف عبد الجواد من علماء وزارة الأوقاف أن ما يُعرف ب «البشعة» من الموروثات الجاهلية التى لا تمت إلى الإسلام بصلة، فهى بدعة وخدعة محرمة شرعًا، لأن الشرع لم يشرعها لإثبات الحقوق أو دفع التهم، بل جعل البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر.. ويوضح أن الشريعة الإسلامية وضعت وسائل عادلة لحفظ الحقوق دون إذلال أو إيذاء، وأن الإسلام يرفض كل أشكال التعذيب أو الممارسات التى تُهين كرامة الإنسان، استنادًا إلى قوله تعالى: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ». ويشير إلى أن وضع الجمرة المشتعلة على اللسان فيه خطر وضرر بالغ، وقد نهى النبى عن التعذيب بالنار بقوله: «إنه لا ينبغى أن يعذِّب بالنار إلا رب النار». ويختم بقوله إن من يمارس أو يشارك أو يأخذ مالًا مقابل «البشعة» فهو آثمٌ ويأكل مالًا حرامًا، داعيًا الناس إلى نبذ هذه العادات الجاهلية والتمسك بهدى الإسلام الذى يكرم العقل والإنسان.