تفاعل الكثيرون مع قصتها وتوالت المكالمات التي راح أصحابها يعبرون عن شدة إعجابهم - وتقديرهم في نفس الوقت - بصحابة "اشتقت لصراخه" تلك التي قدمت النموذج المثالي للمرأة حينما تعلي من مصلحة أسرتها وتقدمها علي نفسها.. فتحدث صديق النافذة الشاعر أحمد جعفر عن هذا الوفاء النادر لتلك الأرملة لذكري زوجها الراحل.. وكيف كان لغيرها أن تتنكر له في حياته قبل مماته بالبحث عن صاحب السلامة النفسية التي تستقر معه بدلاً من أن تفني حياتها في خدمة زوج حطمه المرض النفسي!! ومن المعادي بدأت قائلة: لقد أوجعت قلوبنا في هذه القصة التي لمستي فيها مناطق كنت أحاول نسيانها فتذكرت أخي الحبيب حينما أصابه المرض النفسي لتتبدل معه حياتنا رأساً علي عقب.. لقد استطاعت هذه السيدة ا ن تنتصر علي نفسها حين تفهمت حقيقة مرض زوجها فأخرجت أفضل ما لديها لتقابل هياج الزوج المريض بالصبر الجميل. وتواجه عجزه المبكر عن العمل باستثمار مهارتها في الطهي لتحقق منها دخلاً لهما وولدهما الوحيد الذي غرست فيه كيف يكون البر بالأب المريض هذا الغرس الذي أزهر وأينع حينما تنازل عن حقه.. في التنازل عن حقه في التفوق الدراسي بالجامعة مقابل مرافقة أبيه بالمستشفي علي مدار عامين ليكون بجواره في مرضه الأخير؟! لقد استطاعت هذه السيدة ان تنجو بسفينتها مبكراً فظلت تدفع بها إلي الأمام حتي كتب الله لها السلامة حين هيأت لولدها الوحيد حياة طبيعية بين أبوين متحابين لم يفرق بينهما مرض!! ومن أبرز المكالمات ما استمعت إليه من الحاج "أ.ع من القاهرة" يقول: أديت رسالتي نحو أولادي علي خير وجه فلم أفكر بعد وفاة أمهم بالزواج بأخري وتفرغت لرعايتهم وتعليمهم حتي تزوجوا جميعاً واستقروا في بيوتهم وبعد الستين والخروج إلي المعاش بدأت أعاني الشعور بالوحدة وعدم الاستسلام وقسمت أوقاتي بين العبادة والقراءة وصلة الأرحام وطردت من رأسي فكرة الزواج لأن من أبحث عنها منذ وفاة زوجتي لم أقابلها بعد حتي استوقفتني رسالة هذه السيدة العظيمة التي أثبتت معدنها الأصيل ليس فقط في حياة زوجها البائس وإنما أيضاً بعد وفاته فكان حديثها عنه يفيض حباً ووفاءً حين ذهبت لتعدد صفاته وكيف كان يعتذر لها ويطيب خاطرها بعد ما تذهب عنه عاصفة المرض.. رحمه الله؟! ينهي الحاج مكالمته قائلاً: إنني أري في هذه السيدة النموذج الذي أبحث عنه فهل تقبل بي زوجاً؟ وبعد مرور يومين من تلك المحادثة حضرت إلي مكتبي صاحبة القصة فصارحتها برغبة الرجل في الزواج منها فما كان منها إلي ان تبسمت ضاحكة ثم أردفت معلقة: هذا أمر فات أوانه ويكفيني ابني الذي رغم انشغاله عني بالبحث عن عمل إلا ان عودته إليَّ آخر اليوم تبدو عني الوحدة ثم ما كانت كتابتي إليك سوي بقصد الأخذ بيد هؤلاء الزوجات اللتي اختبرهن الله بمرض أزواجهن.. وما يشغلني اليوم وإلي ان يجد ابني العمل المناسب. هو كيفية تدبير مصاريف المعيشة وسداد ايجار الشقة المتراكم علينا فكما حدثتك أنني طباخة ماهرة وهي المهنة الوحيدة التي أعانتني طويلاً علي مواجهة أعباء الحياة حينما حال المرض دون عمل زوجي الراحل ولكي استأنف نشاطي فيها احتاج إلي "500" جنيه علي الأقل فهل يملك صاحب العرض الكريم مساعدتي في ذلك؟! هذا هو رد السيدة ع.ع.ب من الجيزة والتي عندما تجلس معها وتتحدث إليها تعرف أنه مهما حاول الإنسان ان يبدو أقوي من ظروفه فإن طريقة كلامه وحركات يديه ونظرات عينيه تكشف عن أنه لم يسلم من أثار المرض الذي سكن حياته لسنوات لتنتقل إليه بعض من عدواه.. دون أن يشعر.