" عبر الهاتف جاءني صوته ملتمسا تحديد موعد عاجل لمقابلته فهو في أزمة ويحتاج لمن يعينه علي الخروج منها.. رحبت به لأجدني أمام رجل تعكس كل ملامحه وطريقة هندامه حجم الأزمة التي دفعته للمجئ إلينا.. تحدث وأفاض قائلا: أنا علي مشارف الستين من العمر.. متزوج وأب لبنتين وولد.. وقبل عشرين عاما من اليوم ويزيد كنت إنسانا آخر غير الجالس أمامك.. إنسان يرفل في نعيم الحياة.. فقد نشأت في أسرة ثرية بإحدي محافظات قبلي كان لها من الأطيان والأملاك الكثير منه ما تم تأميمه في حقبة الستينيات.. ومنه ما تبقي لي وأمي وشقيقي الوحيد والذي يكبرني بسنوات.. فضلا عن النشاط التجاري الذي كنت أتقاسمه معه كوكلاء وحيدين لإحدي شركات السلع الغذائية علي مستوي المحافظة.. كانت بداية إنجرافي الي بحر المشكلات وارتباك الحسابات حينما تزوجت وشقيقي الأكبر من أختين تلك الزيجة التي تصورنا أنها ستساعدنا علي مزيد من النجاح والاستقرار في حياتنا الاجتماعية لنا ولأبنائنا من بعدنا. مع الوقت والتداخل الأسري الشديد بدأت المشاحنات تزيد بين أسرتي وأسرة أخي وهو الحال الذي أحزن أمي كثيرا وهي تري هذا التشاحن بيننا.. هنا فكرت وعزمت الأمر علي السفر للعمل في الخارج للحفاظ علي الروابط الأسرية بيني وبين عائلة شقيقي الأكبر. تركتهم جميعا "فوق النخل" كما يقولون لا ينقصهم شيء.. فالأرض موجودة والنشاط التجاري قائم والحمد لله.. تركتهم وسافرت الي العراق وكان ذلك في منتصف الثمانينيات وهناك رأيت المجال مشجعا لإقامة مشروع استثماري أثبت فيه كفاءتي كمحاسب ووكيل تجاري.. فأرسلت لأخي بمصر أطلب منه مساعدتي وأرسل لي كل ما طلبته من أموال.. لكن ما أن بدأ مشروعي يخرج الي النور كصاحب أكبر فندق ومطعم بالمدينة التي نزلت بها حتي هبت زوابع الحرب وأعاصيرها علي بلاد الرافدين في أوائل التسعينيات بالغزو الأمريكي للعراق.. زوابع وأعاصير بدلت كل أحوال المغتربين في هذا البلد الشقيق رأسا علي عقب حين غاب الأمن وصرت مستهدفا من المارقين بصفتي مستثمرا وصاحب مال. إزاء هذا الوضع المتأزم المضطرب لم يكن أمامي خيار سوي الرجوع الي مصر تاركا ورائي شقاء العمر أكثر من ثلاثة ملايين دولار دون أن أتمكن من العودة منه بأي شيء.. والحمد لله أنني نجوت بحياتي.. لكن ما طعم هذه النجاة وما جدواها في ظل واقع مرير عدت لأري عليه حال بيتي وأهلي وأولادي.. ذلك الواقع الذي أخفته عني زوجتي حتي لا تزيدني مرارة فوق المرار الذي ذقته منذ أن قامت الحرب في العراق. لقد اسقط في يدي وكدت ألطم الخدود وأم أولادي تروي ما أصابهم في غيابي حين انعدم الدخل ومرض أخي الكبير وتوقف نشاطه التجاري حيث لم تجد ما تواجه به نفقات المعيشة وتعليم أبنائنا الثلاثة سوي بيع ما ورثته عن أبي وحدي من أطيان.. وحدثتني كيف استغل الطامعون جهلها بمثل هذه الأمور حين اشتروا الأرض منها بأبخس الأثمان حتي نفد كل ما لديها وصارت في موقف صعب حال دون ان تواصل ابنتينا مشوارهما الجامعي. باختصار.. وللحفاظ علي ما تبقي لنا من وضع اجتماعي أمام الأهل بالصعيد قررت مغادرة بيت العائلة والقدوم بأسرتي للإقامة بالجيزة حيث لا يعرفنا أحد جئت محاولا بدء صفحة جديدة أعوض فيها أبنائي عن سنوات البعد والحرمان.. وبخبرتي المحاسبية أخذت اتنقل في العمل بين المحلات التجارية عسي ان ألبي مصاريف المعيشة المرتفعة بالمدينة خاصة ايجار الشقة المتزايد.. و.. ونفقات علاج ابنتي الكبيرة التي دخلت في دوامة المرض النفسي نتيجة ما أصابنا من نكسات. سنوات عصيبة أسلمتني لسلسلة من الأمراض حالت دون استمراري في العمل والانفاق علي بيتي وسداد إيجار الشقة المتراكم حتي صرنا مهددين بالطرد منها في أية لحظة.. وهو المصير الذي لا أتحمله علي أسرتي خاصة ابنتي المريضة التي أصبحت أخاف منها ومن ردود أفعالها غير المحسوبة. أشعر أنني احترق رغم أنني أحاول التماسك أمام أولادي ولا أنقطع عن الصلاة بالمساجد.. حقيقة لا أدري كيف أواصل الطريق وأنجو بأسرتي من حياة التشتت والضياع؟ البائس أ. م. ج الجيزة û المحررة اخترت منذ البداية الحل الأسهل حين هربت من المشكلات التي تترتب عادة عند زواج أخين من شقيقتين.. فقررت السفر وأغرتك أحوال العراق آنذاك لتشرع في مشروعك الذي أنفقت عليه الكثير بمدد من أخيك الكبير.. هذا المشروع الذي لم يكتب الله ان تهنأ به حين منعتك زوابع الغزو الأمريكي للبلد الشقيق من الاقتراب أو حتي التصرف فيه بالبيع وأنت الذي وضعت فيه كل هذه الملايين. هبت عليك العواصف بمرض أخيك الوحيد وبتعرض زوجتك لمساومات الجشعين بشراء ما ورثته من أطيان برخص التراب.. وظلت الضربات الموجعة تسدي إليك وأنت تري إحدي بناتك تسقط في دوامة المرض النفسي بعد ما تركت وشقيقاها حياة العز والرفاهية الي البؤس والانكسار.. قتلت حلمها في استكمال مشوارها الجامعي.. وفي شعورها بالأمان إزاء التلويح الدائم من صاحب العقار بطردكم من الشقة وهو ما سأحاول إعانتك عليه بإذن الله. ..وبعد يبقي في قصتك أيها الأب المعذب العبرة والعظة لكل أب يفكر أن يتخذ مثل قرارك.. قرار السفر والعيش بعيدا عن أبنائه ليدفع الثمن غاليا حين يذهب المال.. وتنهار الأسرة. انتظار: مازال صاحب "الورقة الرابحة" ينتظرعطاءكم يا أهل الخير لاستكمال نفقات عملية الزرع المقرر خضوعه لها هذه الأيام وذلك علي حساب مرضي الكبد بمستشفي الساحل التعليمي علما بأن المتبقي من تكاليف العملية عشرون ألف جنيه.. واسم المريض موجود طرف الجريدة.