أحببته رغم ضربه المبرح وعدم إنفاقه علي بيته.. وولده.. أحببته بل وسامحته علي كل ما اقترفه في حقي لأن ما كان يفعله لم يكن بوعي منه إنما تحت وطأة المرض النفسي الذي أصابه بعد عامين من زواجنا.. كنت في أوائل العشرينيات من العمر حينما رزقني الله منه بمولودي الأول والأخير.. وكان من حقي في ذلك الوقت ومعي كل العذر طلب الطلاق لكني لم أعط أذني لنصائح القريبات والجارات وهن يحذراني من البقاء مع زوج عليل بل كنت أدفع عن نفسي تلك النصائح والوساوس بالنظر إلي عين طفلي الجميل الذي من أجله تهون كل عذابات الدنيا وآلامها.. وظللت أدفعها عني وأنا لا أجد من زوجي سوي كلمات الاعتذار والأسف علي ما بدر منه في حقي وهو تحت تأثير المرض النفسي وهياجه! ما كان لي التخلي عن زوجي وأنا أسمع دعاء أمه في صلاة الفجر بأن يكرمني الله في صحتي ويبارك لي في مستقبل ابني.. تلك السيدة الفاضلة التي كانت تتنازل عن شراء دوائها من أجل مساعدتي في مصاريف البيت فمنذ أن تمكن المرض النفسي من زوجي وهو منقطع عن العمل الأمر الذي دفعني للبحث عن مصدر بديل أتكسب منه لألبي نفقات علاجه ومصاريف تعليم ولدي الوحيد.. فلم أجد سوي المهنة التي تجيدها كل ربة بيت وهي مهنة "الطهي" فتوسعت فيها وصار لي من الزبائن الكثير.. .. ومضت بنا الحياة علي هذا النحو حتي جاءت المحطة الأخيرة بإصابة زوجي بالقلب وظهور حاجته لتدخل جراحي سريع لكن كان للأشعات قول آخر حين كشفت عن أن نسبة نجاح العملية لن يزيد علي 5% الأمر الذي جعل زوجي أسير الأزمات القلبية ليمكث بالمستشفي عامين كاملين ظل فيها ولدنا الحبيب بجواره رغم أنه في السنوات الأخيرة من دراسته الجامعية.. باختصار لم يتحمل قلب زوجي تلك الأزمات المتتالية ليلقي ربه ويتركني أكابد مرارة فراقه وهو الذي كان يواسيني حينما يضيق بنا العيش وأنه لو كان الأمر بيده ما جعلني أخرج للعمل.. وما عرضني لهمزات ولمزات الجارات.. حقيقة كم اشتقت لصراخه حينما كانت تأتيه الأزمة رغم ألمي عليه وحديثه الطيب الرقيق حينما تذهب عنه ويلات الأزمة وسعيرها. .. ورسالتي إليك لم أقصد منها اجترار الماضي أو رثاء زوجي الذي غادر الدنيا منذ خمسة أعوام إنما لأناشد كل زوجة تعاني من نفس البلاء الذي أصابني بأن تصبر وترضي بأقدارها فمن المؤكد انها ستفوز بجائزة السماء ليس في رضاء الزوج عليها فحسب وإنما في رضاء الله عز وجل الذي مازلت أتلمسه في كل خطوات حياتي.. فها هو ابني الوحيد يتخرج في الجامعة رغم كل الظروف.. ورغم إنكار الأهل علينا هذا الحق في الفرح والنجاح!! ب. ع. ع الجيزة û المحررة حقاً.. ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط.. وقد نجحت بامتياز يا ذات الخمسين عاماً في إخبار الدنيا كلها بأنك لم تعش يوماً لنفسك فوهبت سنوات عمرك لرعاية زوج حطمه المرض مبكراً وللسعي علي تعليم ولدك الوحيد رغم كل التحديات التي وقفت في طريقك.. لم تستسلمي لظروفك بل أخذت ترصُدين ما أفاض الله عليك من نعم وقليلات هن اللائي يفعلن مثلك حينما تشتد بهن المحن.. فتحدثتِ عن أم زوجك "حماتك" وابتهالها إلي الله بأن يمنحك الصحة وتقر عيناً علي ولدك.. بل أكبرت فيها تنازلها عن حقها في شراء الدواء الذي تحتاجه وهي السيدة المسنة من أجل مساعدتك.. كذلك تحدثت عن شريك حياتك بأرق الكلمات وأعذبها حين بدأت رسالتك بكلمة "أحببته" وليس تحملته "!!" وحرصك الشديد علي إظهار الجوانب الطيبة في أخلاق زوجك رحمه الله وهو من سمات الزوجة الحكيمة التي لا تريد لأسرتها الضعف والفشل.. بل التماسك والنجاح فما كان من مرافقة ابنك لأبيه بالمستشفي في مرضه الأخير رغم دراسته إلا نتيجة لدفعك الدائم له بالترفق بأبيه والإحسان له. لقد رضيت أيتها الأرملة الوفية بما قسمه الله لك فكان لابد أن يقر عينك علي ولدك وتهنأي برضي كل من حولك الزوج وأم الزوج وكل الناس.. ولعل ما في تجربتك ما فيه شحذ للهمة والانتصار علي اليأس فهل تنتبه كل سيدة ابتليت في صحة زوجها فتصبر وتحتسب لتنل رضاء الله.. قبل رضاء الناس؟.