يلعب الفساد دورا كبيرا في غياب العدالة الاجتماعية وتدني سائر الخدمات مما يؤثر علي معدلات النمو ويعرقل فرص جذب الاستثمارات. من هنا اصبح لزاما علينا إنشاء المفوضية الخاصة بمكافحة الظاهرة والتي تأتي في إطار ضرورة التزام مصر وتنفيذ ما وقعت عليه من اتفاقيات ومعاهدات دولية. الخبراء والمتخصصون اكدوا اننا وصلنا الي مكانة متدنية ولم نحقق أية خطوات تحمي المصلحة العامة وحتي الآن ليس لدينا توجه واضح المعالم. أشاروا الي أن العمل دون وجود جهة لديها الاستقلالية والحصانة هو إهدار لكل الجهود التي تقوم بها الأجهزة الرقابية والتي بلغ عددها 209 أجهزة حسب آخر دراسة اعدتها وزارة الدولة للتنمية الادارية. اوضحوا أنه لدينا الدراسات الكاملة المواكبة لكل الخبرات والتجارب الدولية بشأن إنشاء مفوضية مكافحة الفساد. قالوا لابد من نص دستوري يحدد عمل ودور المفوضية وإلا نكون مخالفين للاعراف الدولية ولحركة التطور التشريعي والتعاون الدولي. * أوضح المستشار عزت خميس مساعد وزير العدل ان الالتزامات الدولية الناشئة عن التصديق علي اتفاقيات اقليمية أو دولية في شأن مكافحة الفساد تجعل من إنشاء المفوضية التزاما دوليا يتعين علي مصر تنفيذه. اضاف أنه علي سبيل المثال اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد التي صدقت عليها مصر في 2005 نصت في مادتها السادسة وكذا في مادتها السادسة والثلاثين علي ضرورة أن تكفل كل دولة طرف في تلك الاتفاقية وجود هيئة أو هيئات منع الفساد ومكافحته وأن تمنحها ما يلزم من الاستقلالية. وهذان النصان يلزمان مصر بإنشاء تلك الهيئة ومعها الحصانة والاستقلال حتي تتمكن من أداء دورها. قال أن التأسيس في الدستور الجديد يجعل من انشائها أمراً ملزماً للسلطة التشريعية وتحصينها من أي أهواء أو تدخلات سياسية أو فئوية. أوضح ان الاستيعاض عن المفوضية بمحاولة اجراء تعديلات تشريعية في قوانين الأجهزة الرقابية علي نحو يمنع التداخل في اختصاصاتها مردود عليه بأن اجراء هذه التعديلات التشريعية سوف يظل أمراً خاضعاً للاهواء السياسية ويحتاج الي الكثير من الوقت والجهد في حين أنه يمكن استثمار ذلك التدخل بشكل ايجابي من خلال اجراءات تنسيقية تتولاها مفوضية عليا لمكافحة الفساد بآليات ملزمة واهداف محددة. مكانة متدنية * أوضح المستشار عادل الشوربجي مساعد وزير العدل ان مصر احتلت مكانة متدنية ضمن الدول العاملة في مكافحة الفساد فبلغ ترتيبها 114 في العام الحالي علي الرغم من وجود العديد من الأجهزة الرقابية والعديد من الأجهزة القضائية المعنية بشأن مكافحة الفساد والحد منه وطبقا لدراسة اعدتها وزارة الدولة للتنمية الادارية فقد بلغ عددها 29 جهازا رقابيا الا أن المؤشرات تزداد علوا. اضاف ان وجود تلك الأجهزة دون تنسيق أو اشراف هو اهدار لجهود عملها دون مردود حقيقي علي منظومة المكافحة. كذلك عدم وجود نصوص دستورية تكفل استقلال الأجهزة الرقابية وانشاء مفوضية مستقلة تتمتع بالحصانة يظل الجميع تابعا للسلطة التنفيذية وخاضعة لاهواء القوي السياسية الغالبة. اكد ان ما وصلنا اليه من جرائم وسلوكيات تستلزم المضي نحو تحقيق كل الدراسات التي اعدت خصيصا من قبل الخبراء والمتخصصين بعد الاطلاع علي كل الخبرات والتجارب الدولية في انشاء الأجهزة المستقلة المنوط بها العمل بما يضمن نتائج ايجابية تعزز من مكانة مصر علي المستوي العالمي. الحريات الاساسية * يري المستشار ايمن الشافعي بمحكمة الاستئناف ان الفساد من أهم الأخطار التي تهدد الحريات الاساسية للمواطنين ومن ثم فإن تضمين الدستور لمبادئ مكافحة الفساد سيكون بمثابة المباديء المكملة لنصوص إرساء الحريات الاساسية باعتبارها ضمانة اساسية لحماية هذه الحقوق وفي نفس الوقت يمثل إرساء لدولة القانون في العهد الجديد لان هنا المفهوم بات المعيار الرئيسي لتعاون الدول مع بعضها البعض. اكد أن عدم ادراج هيئة لهذا الغرض ضمن الهيئات المستقلة بالدستور يخالف الاعراف الدولية والعديد من دساتير الدول التي خصصت بابا مستقلا للاجهزة والهيئات الرقابية وبالتالي نحن بحاجة ماسة لمواكبة حركة التطور التشريعي والتعاون الدولي بعد أن بات الفساد ظاهرة عالمية وجريمة متعدية للحدود. شدد علي ضرورة ان يوضح النص الدستوري كيفية اختيار اعضاء هذا الكيان اما بالتعيين أو بالانتخاب وكيفية الاشراف عليه وكذلك علاقته بالأجهزة الرقابية الأخري مع أهمية الا يكون دوره ثانوياً أو رأيه استشاريا. الاعلانات الدستورية * المستشار اسكندر غطاس يشير الي ان الاعلانات الدستورية المتعاقبة درجت علي تأكيد احترام مصر للاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها بل والتزامها بتفعيل ما قررته من احكام وبالتالي يعد نص المادة السادسة من اتفاقية الأممالمتحدة من الاحكام الملزمة كذلك انشاء هيئة لمكافحة الفساد كان من أبرز النقاط التي تناولتها مؤتمرات الاتحاد الدولي لسلطات مكافحة الفساد بل نص عليها دستور الاتحاد وحث الدول الاطراف في اتفاقية الأممالمتحدة علي الاعتماد عليها كاساس قانوني للتعاون الثنائي وتسليم المجرمين في حالة عدم وجود اتفاقية موقعة في هذا الشأن. اضاف ان كل هذه الاتفاقيات تؤكد أنه بات لزاما ان يتضمن بنيان مصر القانوني الآلية اللازمة لتفعيل احكامها وفاء لالتزامها باحترام ما ابرمته من اتفاقيات دولية. اشار إلي أن الدستور المعطل لسنة 2012 قد استحدث انشاء مفوضية وطنية نص عليها في المادة 204 وحدد اختصاصها بالعمل علي محاربة الفساد ومنع تضارب المصالح ونشر قيم النزاهة والشفافية وتحدد معاييرها ووضع الاستراتيجيات الوطنية بذلك لكننا لاحظنا ان مسودة تعديل الدستور المعطل التي وضعتها لجنة العشرة قد ارتكبت خطيئة كبري حيث حذفت حكم المادة بل تعمدت انتقاص استقلال الأجهزة الرقابية بوجه عام بالغاء حصانة العزل لرؤساء الهيئات. وأخيرا توصي لجنة الخمسين بالعودة ثانية الي النص علي إنشاء المفوضية وعلي النحو الذي يشكل استجابة لثورة شعب ضد الفساد ووفاء لالتزامات مصر الدولية. أفضل التجارب * اوضحت د.سحر الطويلة مدير مركز العقد الاجتماعي انه تم دراسة كل الخبرات الدولية الخاصة بانشاء المفوضية وذلك بهدف معرفة افضل التجارب التي يمكننا تطبيقها وبما يتسق مع ظروفنا واوضاعنا فلا توجد وصفه واحدة تصلح لجميع الدول فلابد أن تقرر كل دولة اولوياتها واحتياجاتها ومطالبها الاساسية لتشكل الاطار للعقد الاجتماعي الذي يجب أن ينص عليه الدستور. اضافت أنه آن الآوان لمواجهة حاسمة نظرا لان الاجهزة المعنية علي تعددها لكنها تعاني من تحديات جمة علي مدار عقود متتالية لغياب الارادة السياسية. قالت ان التواصل مع المجتمع المدني والقطاع الخاص وكافة الأجهزة المعنية من أجل نشر ثقافة جديدة للنزاهة امر لم يعد يحتمل التأجيل. اكدت ان هناك اتفاقاً عاماً علي وجوب اشارة في الدستور الي وجود مباديء اساسية للحكم الرشيد بصفة عامة ومكافحة الفساد بصفة خاصة فمصر الثورة ودستورها الجديد لايمكن بأي حال من الأحوال ان يخرج دون اشارة واضحة وجادة الي مثل هذا الأمر. اشارت الي أن أفضل النظم القانونية لاختصاصات المفوضية هي منحها الحق في الاجراءات الوقائية وجمع الاستدلالات واجراء التحريات وتقديم الاستشارات والمساعدات الفنية والتدريب والتنسيق بين الأجهزة الرقابية. تحديات الثورة * أشار د.أحمد صقر عاشور مدير منظمة العمل العربية الاسبق الي أن قضية مكافحة الفساد تمثل تحديا رئيسيا يواجه ثورتي 25 يناير و30 يونيو وتمثل عملية اعادة بناء نظم الدولة بما في ذلك اعداد دستور جديد لتعزيز النزاهة والتصدي للفساد. قال انه خلال العشرين سنة الاخيرة تصاعد بصورة كبيرة انشاء هيئات مركزية تتصدي للمكافحة ووصل عددها الان الي 150 هيئة منها 8 هيئات عربية وهذا كان نتاجا لتحول مكافحة الفساد الي تيار عالمي وزيادة الاتفاقيات العالمية والاقليمية ولكن من الملاحظ ان عدداً قليلاً جدا من هذه الهيئات يعتبر ناجحا وفاعلا وتعود عدم فاعلية ومحدودية رصيد حالات النجاح الي عدة عوامل منها عدم وضوح علاقة الهيئة بالاطار المؤسسي القائم والقصور في تبعيتها وضعف الاستقلالية التي تتمتع بها وكذلك محدودية السلطات والصلاحيات والوظائف الموكلة اليها ومحدودية الدعم السياسي اضافة الي ضعف الموارد والخبرات ومشاركة الأطراف المجتمعية. اضاف انه لضمان نجاح تلك التجربة في مصر الضروري ان يحتوي الدستور الجديد علي نصوص تتعلق بمقومات ومبادئ النزاهة واستحداث هيئة وطنية نابهة لمجلس الشعب تؤدي هذه المهمة بشرط النص علي استقلاليتها وان يحدد نوعيات وانماط الفساد الذي يدخل في اختصاصها والنص علي الضوابط المانعة للفساد السياسي والاقتصادي وتقوم بالتنسيق بين الهيئات الرقابية ومؤسسات التطوير المؤسسي ولابد أن ترفع الهيئة تقريرا سنويا من اعمالها للمجلس التشريعي ورئيس الدولة.