أكد د.سعد الدين هلالي أستاذ ورئيس قسم الفقة المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن مصر تمر بمرحلة خطيرة بعد الثورة تحتاج فيها لمصادر تمويل مختلفة بعد زيادة عجز الموازنة. وأن "الصكوك" تعد من أدوات الاستثمار باعتبارها نشاطاً تجارياً متعدد الصيغ. وهي اختراع إنساني لم يأت بها الإسلام الذي جاء من أجل وضع ضوابط للمعاملات دون أن يحدد اتباع لهذا الأسلوب أو ذاك. أوضح أن المرابحة هي أقوي هذه الصيغ وأكثرها أماناً للتجارة. وأن 95% من الفقهاء قالوا إنها حلال بينما أشار 5% خاصة المالكية والحنفية إلي أنها حرام. وتعد الشراكة من صيغ "الصكوك" في العصر الحديث. حيث إن 90% من الفقهاء يرون أنه من حق الشريك الانسحاب من المشروع وأن 10% يرون أن ذلك لا يجوز.. فالعقد ملزم. أضاف أن 98% من الفقهاء اتفقووا علي أنه لا يجوز لصاحب "الصك" الحصول علي جزء من الأرباح إلا بعد استرداده لرأس ماله وتصفية المشروع. لما جاء في حديث البيهقي عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "مثل المصلي مثل التاجر لا يخلص له ربحه حتي يخلص له رأس ماله. كذلك المصلي لا تقبل منه نافلة حتي يؤدي الفريضة". أكد د.هلالي خلال ندوة "الصكوك في الشريعة وأثرها علي الاقتصاد المصري" التي نظمتها جامعة المنوفية تحت رعاية د.أحمد زغلول رئيس الجامعة بحضوور د.عاطف أبوالعزم نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة أن كافة المؤسسات المالية الإسلامية تسير علي رواية أحمد بن حنبل التي وافق عليها ابن تيمية باعتبار أن تقدير جزء من الأرباح يتم بناء علي لجنة من الخبراء والمتخصصين.. مشيراً إلي أنه تم الأخذ بهذا الرأي في مشروع "الصكوك". أوضح أن أهل الحجاز والعراق اعتبروا أن المقارضة والمضاربة مرادفان لمعني واحد من صيغ "الصكوك".. وقال إن 5% من الفقهاء الحنفية والحنابلة أجازوا تقييد العامل في أوجه نشاط معينة والآخرون رأوا أن العامل "سيد" يدير المشروع كما يري وليس من حق أحد التدخل في عمله.. مشيراً إلي أن البنوك الإسلامية والمؤسسات الاقتصادية تأخذ بالرأي الأول. قال د.سعد الدين هلال إن العباس رضي الله عنه عم النبي صلي الله عليه وسلم كان من كبار تجار قريش وكان يقارض في ماله ويشترط علي عامله ألا يخوض به بحراً أو يشتري به شيئاً ذا روح. لأنه قد يموت. أضاف أن أبي حنيفة رضي الله عنه وتلميذه "ظفر" قالاً إن العقود الثلاثة "المساقاة والمزارعة والمغارسة" حرام عنده أو 6% من الفقهاء وبعض الحنابلة وأن الدخول فيها دخول في عقود محظورة شرعاً.. مشيراً إلي أنه في رواية البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال إن النبي صلي الله عليه وسلم عامل أهل خيبر علي نصف العائد من المزارعة. وقال رافع بن خديج رضي الله عنه: كنا نخابر أي نزارع علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم نهانا عن أمر كان لنا نافعاً. وإن طاعتنا لرسول الله أنفع. فقال: "من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يجتريها". أوضح د.هلالي أن أبي حنيفة رضي الله عنه قال: الأخذ بالتحريم احتياط. أما الآخرون فأخذوا بالتحليل. وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: "ما أديت زكاته فليس بكفر".. لافتاً إلي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتقل إلي الرسول صلي الله عليه وسلم يسأله قائلاً: "نحن في حاجة إلي ادخار بعض أموالنا" فقال له صلي الله عليه وسلم: "ما فرضت الزكاة إلا طهرة للمال" وقال تعالي "خذ من أموالهم صدقة تزكيهم وتطهرهم بها". ودائع البنوك أضاف أن مصر هي الدولة الوحيدة التي تضمن ودائع البنوك حتي البنوك الإسلامية من خلال البنك المركزي بنسبة 100% وأن تجفيف هذه الودائع سيؤدي إلي كوارث مستقبلاً ويقوم بتنشيطها واستثمارها علي قدر جهده يقول تعالي: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم".. موضحاً أن مشكلة الصكوك أنها تتحمل عبئها بنفسها وأن الدولة تتجه إلي رفع يدها عن ضمان الودائع والاستثمارات بإنشاء صندوق لتغطية المخاطر في حال وقوع خسائر. وقال إن رجال الأعمال هم قاطرة التنمية في كل مجتمع ناجح ومن الواجب تقديرهم وتمكينهم بدلاً من تعرضهم للحبس. طالب الدولة بتشجيع الاستثمار من خلال الصكوك وضمان رأس المال مثل ودائع البنوك أو علي الحد الأدني. وقال إن الصكوك وأذون الخزانة جاءت من أجل بناء المستقبل للأجيال القادمة من خلال تطوير مشاريع تنموية أو إقامة مشروعات جديدة وتنشيط حركة الاستثمار محذراً من استخدام الصكوك في مشاريع قائمة مثل قناة السويس أو مياه النيل تعتبر خطاً أحمر. مشيراً إلي أن الصكوك تتفق مع الفقه الإسلامي في بعض المذاهب. وأن رأي هيئة كبار العلماء أمر استشاري وليس ملزماً ووجهة نظرهم غير واجبة الاتباع. يقول تعالي: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" "35: التوبة". وأكد د.حسين حنفي وكيل كلية الحقوق جامعة المنوفية أن هذه الصكوك ليست بدعة في هذا العصر. لكنها موجودة في العالم الإسلامي وبعض الدول تستخدمها بهدف الاستثمار. وقال إنه كان من الواجب تعديل مشروع الصكوك عند رفضه من هيئة كبار العلماء حتي ولو تم حذف كلمة "الإسلامية" وأن يطابق الدستور الذي نص في مادته الثانية علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع وأنه عند إقرار أي قانون لابد أن يطابق هذا النص من الدستور ولا يجب تمريره بدون ذلك. مشيراً إلي أن هذه الصكوك منذ بداية قراءتها تمس أصولاً ثابتة للدولة مثل مرفق قناة السويس. أضاف أن بيع ما هو قائم وتملك أفراد لأصول موجودة ولو بهدف تطويرها يعد تحايلاً علي القوانين القائمة. لافتاً إلي أن مشروع الصكوك سيحول المال العام إلي خاص في حال عجز الدولة عن سداد مستحقاتها ودهن موارد طبيعية وسيادية للدولة مقابل هذه الصكوك فإنها تؤول ملكيتها من أيدي الشعب المصري إلي أصحاب تلك الصكوك إذا حان ميعادها ولم تتمكن من دفع قيمتها. مطالباً باحترام الدستور ورأي هيئة كبار العلماء. وأن تضمن الدولة الصكوك كما تضمن الودائع في البنوك بإيجاد غطاء مالي لكافة المشاريع لدي البنك المركزي. أكد أن قانون الصكوك يصطدم مع قانون رأس المال العربي والأجنبي مما يتيح لهؤلاء المستثمرين حق التملك وإقامة مشاريع بمصر لذلك لابد من مصاحبة هذه القوانين لحزمة من القوانين الأخري مثل حق الامتياز. موضحاً أن قانون الصكوك بقراراته سيئ حيث إنه بمعزل عن بقية التشريعات الأخري وأن إعطاءه أولوية وإهمال التشريعات الأخري يعني إجهاضاً لممتلكات الدولة في هذا الوقت الحرج الذي تعيشه مصر. مشاريع البنية التحتية وقال د.أحمد اللحلح عميد كلية التجارة جامعة المنوفية مقرر الندوة إن هناك مخاوف من إصدار الصكوك تتمثل في استيلاء جهات عربية وأجنبية علي الأصول السيادية للدولة ومحاولة خصخصة الممتلكات العامة لصالح تلك الجهات. رغم أن هذه الأصول هي ملك للشعب لا يجوز التفريط فيها بأي شكل من الأشكال وتحت أي دعوي من الدعوات. اقترح د.اللحلح أن تقتصرر هذه الصكوك علي المشاريع الجديدة لفترة مؤقتة تؤول بها لملكية الشعب والدولة مع التركيز في المشروعات التي يتم تمويلها عن طريق هذه الصكوك علي مشاريع البنية التحتية والمشاريع التنموية بدلاً من الاعتماد علي سندات الخزانة والدين العام لتمويلها. وأنه يجب أن تتفق هذه الصكوك مع الشريعة وأحكامها.