يبدو أن المجتمع قد وصل إلى مرحلة من الهراء لا حد له، مجتمع سكنه عدد كبير من أصحاب النظرات الفتّاكة، والأذان اللقاطة، والألسن الناقدة، التي لا تهدأ بل تروس حركاتها في شغل دائم بأحوال الناس، حاشرين أنوفهم في أدق تفاصيل غيرهم، محكمين آراءهم السطحية بالكي القاتل على أفئدة غيرهم الملكومة. والمرأة الكائن الملائكي الذي يشكل الحياة برقته وحنانه ودفئه، أكثر ما ينال من النقد والنقض، والعجب أن الناقدات اللقطات من جنس حواء مع قلة من الذكور الفارغين روحا وقلبا وعقلا.
فتجد المجتمع حاشرا أنفه في حياتها منذ أن ولدت إلى أن تموت، منشغلين بصراخها وفرحها، عازمين على تكدير حياتها بلسانهم المسموم، وما تجد المسكينة إلا أن تتكيّف، تريد أن تصرخ: «كفوا!»، ولكن صراخها في قاموسهم قلة أدب، عصبيتها قلة تربية، ملكمش دعوة قلة ذوق..، سيبوني في حالي، هبلة، وأخيرا تبتسم ولسان حالها يقول كما قال الشاعر: ولربما ابتسمَ الوقورُ من الأذى ... وفؤادُه من حره يتأوهُ
تكتم في نفسها آلامها، فتصاب المكلومة بالأمراض النفسية والعضوية التي تنهشها صباحًا ومساءً..
والمرأة التي لم يقدر لها الإكمال في زيجة فاشلة أكثر ما تُعاني، ينظرون لها أنها انتهت، أنها رخيصة، أنها معيوبة.. وما ذنبها في أنها ولدت في حضانة مريضة، فتزوجت مريضًا، فأرادت أن تُعالج نفسها، وتنقذ روحها من وحل ذكر لا يملك من الدنيا إلا ما اقتات عليه من مجتمع ناقص، علموه أن المرأة لابدَّ وأن تُجرح، لأن في جرحها قوة، وفي ضربها رجولة، وفي تعنيفها ذكورة، ولم يعلموه أن في قربها أنس، وفي صوتها همس، وفي حضورها رحمة، وفي ابتسامتها واحات خضراء، وفي تدليلها تَجْنِي خير الثمار.. طفلة يا رجل، وما أجمل براءة الطفولة!
أنت مطلقة، لفظة سامة، وجدت في معجم كبير، لم يختاروا منه إلا هذه الكلمة القاسية، لم يختاروا لقب" ملاك اختار النجاة"، فالمرأة المطلقة في نظر مجتمعنا خلاص انتهت، خلاص لا رجاء فيها، خلاص تتزوج الأرمل وكبير السن الذي انتهت مدة صلاحيته.
ما ذنب فتاة، تزوجت لصًا ينهش ويضرب ويُعاقر الخمور، ذكرًا لا يَدري عن ذكوريّته إلا مشاهدة الإباحيات، ناقصًا ينظر إلى ثقافة زوجته وتعليمها شيئًا يقلل من شأنه، لماذا من الأساس ذهبت لها؟ لماذا لا تكون على قدر البراءة التي أتيت بها، حاملًا شيكولا النفاق، ودباديب الغدر، وورد الخيانة الحمراء!!
نعم مطلقة ولكن إنسانة، مطلقة ولكن ابنة آدم وحواء، من لحم ودم، عندي أحاسيس وكرامة، عندي طموح وغاية، مطلقة، ولكن جمال الحياة في روحي، براءة الدنيا في قلبي، مطلقة ولكن اخترت لنفسي النجاة من سجن زواج فاشل، مطلقة ولكن عفيفة، اخترت الانفصال عن الخيانة، مطلقة ولكن كخديجة وصفية زوجتا النبي صل الله عليه وسلم..
مطلقة ولكن سأكمل طريقي، معتصمة بربي، طائعة لهديه، طالبة نجاتي، طامعة في رحمته، مطلقة ولكن لا يهمني كلام المرضى من مجتمع سطحي جاهل بدينه وبأساليب الذوق، مجتمع لا رحمة فيه ولا مودة، يجرح ولايُدواي، يحكم دون أن يعرف أو يحاول أن يفهم.. نعم مطلقة ولكن سأواصل دراساتي، وسأحقق أحلامي، وأثبت للعالم ذاتي. هل ابتدعت شيئًا من عقلي، أليس الطلاق شرعًا كما الزواج شرعًا! أليس الطلاق حلالًا كما الزواج حلالًا! قولي دائمًا: «نعم أنا مطلقة وافتخر» عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.