يبدو أن أشهر العسل بين جماعة الإخوان المسلمين وأنقرة، أوشكت على النفاد، ظهر ذلك خلال تصريحات عدد من سياسيى أنقرة، لأسباب عدة لكنها تصب معظمها حول فشل الجماعة فى تحقيق أى إنجاز يذكر على المستوى السياسي، لاسيما فيما يتعلق ب"سقوط نظام 3 يوليو"، فضلًا عن الضغوط الدولة والعربية التى تمارس على اسطنبول الرافضة لعودة الإسلاميين لسدة الحكم، بخلاف المشاكل الداخلية التى تعصف بالدولة التركية وخلافتها مع الأكراد". تركيا حاضنة الإخوان تعد تركيا الدولة الوحيدة التى فتحت ذراعها لمطاريد جماعة الإخوان المسلمين - بعد أن تخلت عنهم قطر بترحيل قياداتها فى أواخر 2014، على خلفية المصالحة التى أجرتها القاهرة والدوحة بوساطة سعودية- ودعمت أنقرة جماعة الإخوان المسلمين سياسيًا وماليًا وعالميًا لعلهم يستطيعون زعزعة وانهيار النظام المصرى الذى جاء بعد ثورة 30 يونيو؛ لكن رغم كل ذلك لم ينجحوا. وإعلاميًا احتواء تركيا قنوات الجماعة، التى تبث الآن من العاصمة أنقرة ك"الشرق ومكملين والوطن" وغيرها، كما استقبلت طاقم قناة الجزيرة مباشر مصر، الذين رفضوا استكمال مشوارهم مع القناة القطرية بعد تغيير سياستها. سياسيو تركيا يلمحون بضيق صدورهم بمعارضة العرب وفى رسالة شديدة اللهجة وجهها عمر فاروق قورقماز، مستشار رئيس الوزراء التركي، إلى العرب المقيمين فى تركيا والذى يشكل الإسلاميون المصريون قسمًا كبيرًا منهم، قال: "إنهم يهددون الديمقراطية فى تركيا بالفشل بعد أن أفشلوها فى بلدهم". وتعد هذه أقوى رسالة من مسئول تركى منذ فتحت تركيا أراضيها لاستقبال المواطنين العرب من دول "الربيع العربي"، وفى القلب منهم الإسلاميين المصريين، الذين توجهوا إلى تركيا عقب الإطاحة بالإخوان فى 3يوليو 2013. وأضاف قورقماز، فى مقابلة مع قناة "الحوار": "من يريد أن يساعد أو يخدم المصالح التركية من إخواننا العرب أتمنى ألا يتجاوز سياسة حزب "العدالة والتنمية"، فى إشارة إلى خروج بعض الإسلاميين المقيمين فى تركيا على سياسات الحزب الحاكم ذى الجذور الإسلامية. وتابع: "هناك نعرات وشعارات أكثر بكثير من حجم تركيا عند بعض إخوتنا العرب، وبالتالى هذا يجعل بعض الأصدقاء الغربيين يخافون من تركيا أكثر من اللزوم.. فتركيا دولة وطنية فى نهاية المطاف.. دولة ديمقراطية وستبقى ديمقراطية ولن تتجاوز المعايير الإنسانية ولا المعايير الدولية". وأشار إلى أن "بعض الأطراف الصغيرة تطلق بعض الشعارات المسيئة لتركيا.. وهذا سيكون مرعبًا"، فى حين أن "هذا المشروع الذى نادى به قد فشل وأفشل المشروع الديمقراطى فى بلده والآن لا أريدهم أن يفشلوا مشروع الديمقراطية فى تركيا. وفى وقت سابق قال الدكتور ياسين أقطاي، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية التركي، إن "الأتراك ينتخبون حزبه لأنهم رأوا فيه حزبًا وطنيًا بالأساس يحرص رجاله على قوة تركيا ومصالحها، وطالب العرب الموجودين فى تركيا والمعارضين لسلطات بلادهم أن يكون ولاؤهم لأوطانهم أولا"- فى إشارة واضحة لضيق صدرهم بالمعارضة التى يرونها فاشلة فى تحقيق أى إنجاز يذكر. قيادات إسلامية بتركيا: الملف المصرى أثر سلبًا على تركيا يرى بعض الإسلاميين، أن تركيا قد تضيق صدرًا بالقيادات الإسلامية الموجودة، لاسيما وأن ملف المعارضة هناك لم يقدم جديدًا يذكر. يقول مصطفى البدري، القيادى بالجبهة السلفية، وأحد القيادات الإسلامية المعارضة بتركيا إن "تركيا تتعرض لضغوط خارجية وداخلية كبيرة بسبب موقفها المبدئى من قضايا فلسطين وسوريا ومصر، وتحملت الكثير فى سبيل مناصرة أصحاب الحق ومواجهة الظالمين". ويضيف البدري: "إن الملف المصرى كان له تأثير سلبى جدًا على الدولة التركية، حيث يقيم فيها أكبر قيادات رافضة للنظام، وتم افتتاح عدد كبير من القنوات الفضائية المطالبة بعودة الشرعية، لكن للأسف لم تظهر أى رؤية أو مشروع عند هذه القيادات لإسقاط النظام". وتابع القيادى بالجبهة السلفية: "رغم ذلك فإننا لم نشعر بأى ضغوط تركية علينا من أجل القبول بتسوية معينة، وكونهم يرفضون انتقال الفشل من القيادات المصرية حتى يؤثر بالسلب على الحياة السياسية فى تركيا فهذا حقهم ولا لوم عليهم فيه أبداً". وفى هذا السياق يرى الدكتور أشرف عبدالعفار أن تخلى "تركيا" عن الجماعة حتى الآن غير وارد قائلاً: "الأتراك كانوا يتمنون أن تكون المعارضة المصرية قويه ذات توجه واحد وقيادة واحدة و فى القلب منها الإخوان و اعتبار أن المعارضة المصرية قيمة مضافة ولكن للأسف الأنشطة والتعامل السياسى من قبل المعارضة المصرية لا يرقى إلى حد اهتمام تركيا به"- حسب قوله. ويؤكد عبدالغفار ل"المصريون"، أن السبب المباشر وراء هذا الضعف هو القيادات الحالية لإخوان الخارج والتى قسمت الناس وأبعدت الفصائل الأخرى و تريد ألا يحدث أى شيء إلا من خلالها و هى غير قادرة على وضع تصور أو استراتيجية واعدة تجمع كل القوى تحت رآية واحدة. ويعلق الإعلامى المعارض طارق قاسم، الموجود بتركيا على ما قيل سلفًا بقوله: "خروج كلام فاروق وأقطاى فى نفس الوقت تقريبًا يعنى أن "العدالة والتنمية" سئم سخافات وأوهام كثير من المعارضين العرب، وأوهامهم التى يروجونها عن تركيا وأردوغان، ومنها أسطورة إعادة الخلافة". ويضيف قاسم على صفحته ب"الفيس بوك": "عندما أسقط كلام د. ياسين أقطاى على حالنا كمصريين بتركيا أرى عجبًا، فمنذ أحداث 3 يوليو، انحرفت بوصلة كثير من سياسيينا هنا و فى غير هنا، إلى الدعوة لتدمير مصر عبر دعوات منكرة منها مثلاً الدعوة لتفكيك الجيش وغير ذلك، وصار البعض أيضًا أشبه بمبعوث للبلد الذى يقيم فيه الآن للتفاوض فى ملف بلده"، مستكملًا "الخلاصة أنه رغم فداحة أوضاع بلادنا فهى أوطاننا". وتابع:"حتى لو كنت راغبًا فى خدمة أردوغان وتركيا فلن تخدمهما وأنت مجرد لاجئ وعبء، وليس من حقك أن تطالب المصريين بالتضحية والتظاهر ضد السيسى وأنت أصلاً قد نسيت القضية أو تحولت لديك لمجرد بيزنس سياسى أو مالي". أنقرة والإخوان جدير بالذكر، أن تركيا هى التى "صنع" بها "شعار رابعة" وانطلقت منها حملة الإخوان، وغدت المركز الدولى الأكثر استضافة لأعضاء جماعة الإخوان. كما شكلت أنقرة مركز تدريب وتأهيل قيادات الإخوان سياسيًا خلال الشهور التالية على ثورة 25 يناير، فضلاً عن اضطلاعها بدور الضلع المركزى فى المحور التركي- القطرى الداعم لحركة الإخوان المسلمين إقليميًا. ومنذ وصول محمد مرسى إلى الحكم، تحاول تركيا استغلال علاقاتها ب"التنظيم الدولي" للإخوان لتعميق العلاقات مع مصر بهدف إعادة ترتيب المشهد الإقليمي، ونمط التحالفات السائد، لبلورة ما يمكن تسميته بتحالف تيارات "الإسلام السياسي"، لتتحول بعد ذلك ومع سقوط حكم مرسى إلى الدولة "الراعية" لتنظيم الإخوان. كما دافع أردوغان، الرئيس التركي، عن الإخوان وسالت دموعه جراء فض قوات الأمن لاعتصام رابعة، كما أن الإقدام على التضحية بالعلاقات مع مصر بسبب التطورات الداخلية وسقوط حكم الإخوان، يكشف عن حقيقة الروابط بين النخبة الحاكمة فى تركيا وحركة الإخوان المسلمين.