سقط حزب الحرية والعدالة «الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين» ،جراء تجاهل صوت المعارضة وإفساح المجال أمام مزايدات قيادات الأحزاب الإسلامية التي دأبت على ترسيخ فكرة «لاصوت يعلو فوق صوت غرور السلطة» ، تلك التي منحتها صناديق الاقتراع ذات الأغلبية المزعومة ،على ذات الخطى يسير رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي في أعقاب خطابه الذي تصاعدت حدته ضد مصر بدءا من رفضه لما سماه «انقلابا عسكريا» على السلطة الشرعية المنتخبة الممثلة في الرئيس «المعزول «محمد مرسي ،مرورا بتجييش الرأي العام الدولي ضد مصر دعما لتظاهرات الإخوان المسلمين ومؤيدي الشرعية، وانتهاء ب«إشارة رابعة العدوية» وفتح المجال أمام أنصار حزب العدالة والتنمية لإقامة اعتصام موازٍ ل«نظيره» في مصر تحت شعار «رابعة العدوية». تلك الممارسات التركية التي لاقت في البداية تماشيا مع تحرك الرأي العام الأوروبي، بعثت برسائل ضمنية للأحزاب المعارضة التركية تشير إلى أن البساط لم يعد يتسع إلا ل«أردوغان» فقط، بعدها سعت تلك الأحزاب مجتمعة إلى تحركات شعبية تستهدف تغيير وجهة نظر القاهرة إزاء الأتراك، حفاظا على عمق العلاقة بين «أنقرة»والقاهرة ،وبلغ الرفض التركي المعارض ل«أردوغان» مداه بعد إساءة الأخير ل«شيخ الأزهر»،متبوعا بزيارة لرئيس حزب الشعب التركي ل«مصر» تضمنت تأكيدا على أن «العدالة والتنمية» لايعبر عن موقف الشعب التركي. دبت الاضطرابات في الشارع التركي جراء ممارسات رئيس الوزراء التي أزاحت المعارضة عن المشهد السياسي ،مثلما فعل نظراؤه في السلطة المصرية «المعزولة»، وبات «أردوغان» الذي كان يواجه بالأمس القريب توترات المشهد المصري بصوت صاخب منتقدا ما أسماه «الممارسات القمعية»تجاه المتظاهرين السلميين ،في موضع المواجهة مع متظاهري «تركيا» الرافضين لتصاعد مواجهات قوات الأمن لدرجة أودت بحياة أحدهم جراء العنف المتزايد. «أردوغان»الذي كان في موقف الهجوم على الدولة المصرية ،صار الآن في موضع الهجوم من جانب منظمات حقوقية داخلية وخارجية ،جراء استخدام «قوات الأمن»التابعة لنظامه العنف والقمع،وبذات اللهجة التي استعملها حزب الحرية والعدالة قبيل سقوطه ،توعد «أردوغان» معارضيه باعتبارهم يسعون إلى إثارة الفوضى والشغب في البلاد. الاحتجاجات في تركيا ليست كسابقتها متركزة في ميدان «تقسيم» ،وإنما امتدت إلى عدة مدن ،من بينها أنقرة التي تظاهر فيها الآلآف اعتراضا على إنشاء مركز ديني يضم مسجدين أحدهما للسنة ،والآخر لإحدى الطوائف الشيعية، وتبدو الاحتجاجات التي انطلقت تزامناً مع نظيرتها في مدينتي «أنطاكيا» و«أنطاكية»، مؤشراً على تراجع حزب «العدالة والتنمية» التركي إزاء اقتراب الانتخابات المحلية التي ستتبعها بالضرورة انتخابات البرلمان والرئاسة التركية بما يعني إمكانية سقوط الحزب ذى المرجعية الإسلامية، الذي يسعى لإحياء الخلافة الإسلامية حسبما يصوره أنصار جماعة الإخوان المسلمين في مصر. عنترية «أردوغان» دفعت بحزب العدالة والتنمية إلى مهب رياح الأحزاب التي تنادي ب»الحفاظ» على علمانية تركيا ،وأصبح النظام الذي كان محل تأييد أغلبية الأتراك محل اعتراضات جماهيرية ،فيما يبدو أن خطى الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية متشابهة في دول الربيع العربي، و«تركيا» التي تسعى لاحتضان الأنظمة الناشئة استناداً إلى عمق تجربتها التي يصنفها «إسلاميو» دول الربيع باعتبارها «نموذجا» يمكن معه بناء أنظمة ذات تأييد شعبي. النظام التركي ينفي صفة «الربيع» عن احتجاجات واسعة معارضة تمتد في المدن المختلفة ،في الوقت الذي تستثمر فيه دول الجوار التي نال منها «أردوغان» ،الحراك التركي مسلطة الأضواء على قمع الأجهزة الأمنية، والترويج ل«عدم استقرار» اسطنبول، جزاء وفاقا لمواقف «أردوغان» التي ظل خلالها يعزف على التوترات. وبحسب محللين معنيين بالشأن التركي فإن أسباب تزايد الاحتجاجات تجاه نظام «أردوغان»، تأتي في الخطاب المتعجرف الذي تسبب في إثارة الرأي العام، عبر تعمد رئيس الوزراء التركي وصف معارضيه بأنهم «مهمشون» ومنحرفين، وهي ذات الأوصاف التي أطلقها قيادات تيار الإسلام السياسي لمعارضيهم قبيل مظاهرات 30يونية. واعتبر المحللون أن غياب المعارضة السياسية ل«أردوغان» أسهمت في اختزال تركيا في شخص رئيس الوزراء وحزبه الحاكم ،معتبرين أن جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة ،استعملا ذات المصطلحات التي استعملها أردوغان في مواجهة المتظاهرين عبر تلويحه بقدرته على الحشد في مواجهة المعارضين والتي لخصها في عبارة «إذا حشدوا 20 شخصاً سأحشد 200، وإذا حشدوا 1000 سأحشد مليوناً من أنصار الحزب» ،تلك اللغة التي عجلت بنهاية الجماعة في أول عام حكم، ربما تدفع بأردوغان إلى ذات المصير خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية. وأشار المحللون إلى أن الشخصنة المفرطة للسلطة وهيمنة «العدالة والتنمية» ،ستحول ميادين تركيا إلى مايشبه ميدان التحرير في القاهرة ،للمطالبة بإسقاط حكومة «أردوغان» أو دفعها لإجراء انتخابات مبكرة للتخلص من الهيمنة والعودة إلى مسار ديمقراطي يعبر عن الشعب التركي بعيدا عن سيطرة فصيل بعينه على الحكم. رهان «أردوغان» على ديمقراطية الصناديق ،تلك التي كان يعزف عليها قيادات «الإخوان» قبيل سقوطهم ،لن تفلح في تهدئة الغضب الشعبي ضد السيطرة أحادية المصدر ،وهو مايعني أن حدود الديمقراطية الانتخابية لم تعد وحدها قادرة على حسم غضب الشعوب.