تقرير: الاحتجاز بالسجون السرية يتم بتنسيق بين "الداخلية" وأجهزة سيادية حساسة شهود: قرابة 800 معتقل سرًا في أحد السجون حتى بداية 2014 تجمعهم "البورنيكة" الأمن يختطف أطفالاً وبنات وأفرادًا ليس لهم انتماء سياسي للحصول على معلومات الصعق والتعليق والجلد وحلق لحى الإسلاميين.. أبرز طرق التعذيب
"إن كنت تريد استجوابًا جادًا، فإنك ترسل السجين إلى الأردن، وإن أردت تعذيبه، فعليك إرساله إلى سوريا؛ أما إن كنت تريد أن يختفي شخص ما فلا يراه أحد مطلقًا بعد ذلك فإنك ترسله إلى مصر". جاءت هذه العبارة منسوبة لمسئول سابق بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية يدعى روبرت باير في افتتاحية التقرير النهائي الذي أصدرته المفوضية المصرية للحقوق والحريات بشأن الاختفاء القسري في مصر؛ لتوضح مدى انكشاف الأمر داخليًا وخارجيًا، وإلى جانب تعريف التقرير لموقف القانون الدولي والمصري بجريمة الإخفاء القسري والجذور التاريخية لها.. فقد رصد أبرز حالات الإخفاء القسري الواقعة منذ منتصف العام الماضي مع عرض شهادات لعائدين من سجون جهات سيادية حساسة و"لاظوغلي" تحدوا الخوف والتهديد من الحديث للإعلام عن فترة اختفائهم وقرروا أن يبوحوا بالسر، بالإضافة إلى كشف الأنماط البارزة في عملية الاعتقال المؤدي لجريمة الاختفاء القسري وما يتعرض له المختفون من تعذيب وسوء معاملة.
استغرقت عملية جمع المعلومات الموثقة بشأن الجريمة قرابة العام والنصف، بحسب تقدير "عبدالرحمن جاد" الباحث ببرنامج العدالة الجنائية التابع للمفوضية والذي قام بالتحري والبحث لإعداد التقرير من خلال إجراء مقابلات مع أسر تعرّض ذووها لجريمة الاختفاء القسري وجمع شهادات لناجين من جريمة الاختفاء القسري ومحامي الضحايا، في الفترة منذ 1 أبريل 2014 وحتى 18 ديسمبر 2015. وبعد عرض تاريخ الجريمة عالميًا وداخليًا وموقف القانونين الدولي والمصري منها، حمّل التقرير كلاً من "الأمن الوطني" و"جهات سيادية" مسئولية ارتكابها وتفاقم حدوثها في مصر، مشيرًا إلى أن انتهاكات قوات الأمن لم تختلف كثيرًا عن أواخر التسعينيات، ولكن برزت جريمة الإخفاء القسري على نطاق واسع مع بداية صعود موجات العنف التي شهدتها مصر في النصف الثاني من عام 2013 والتي يعود أقدمها إلى أحداث الحرس الجمهوري وأحداث المنصة وفض اعتصامي رابعة والنهضة.
وأوضح التقرير أنه لم يكن الإسلاميون وحدهم هم المعرضون لجريمة الاختفاء القسري، فقد تطور الأمر ليصل لإخفاء الأشخاص عشوائيًا؛ حيث توسعت أجهزة الأمن في اختطاف أطفال وبنات وأفراد لم يكن لهم انتماء سياسي لمجرد أنهم ربما يكونون أصدقاءً لأشخاص لهم انتماءات سياسية، فيتم اعتقالهم لجمع معلومات عن أشخاص ويتم احتجازهم في أماكن التحقيق تابعة لجهات سيادية والأمن الوطني لنزع الاعترافات منهم بالإكراه تحت ضغط التعذيب وتوريطهم في قضايا تصل أحكامها للإعدام والمؤبد. وأضاف أن الأجهزة الأمنية بما فيها قطاع الأمن الوطني والجهات السيادية توسعت في استخدام استراتيجية الاختفاء القسري في عام 2015 ضد المعارضين للنظام القائم وتحديدًا الذين تشتبه فيهم الشرطة بما فيها قطاع الأمن الوطني بأنهم يحصلون على معلومات عن أشخاص من منظمي المظاهرات أو كيانات تزعم السلطات أنها تقوم بعمليات إرهابية ونوعية. وبعد عملية الاعتقال ترفض تلك الأجهزة الإفصاح عن مكان احتجازهم، وتحتجزهم بشكل غير قانوني بدون توجيه أي اتهامات، بجهات شرطية وعسكرية، كمقار الأمن الوطني ومعسكرات الأمن المركزي والسجون التابعة لجهاز سيادي حساس، مما يعرضهم لخطر التعذيب والمعاملة غير الآدمية، ليظهروا بعدها بعدة أيام أو شهور على ذمة قضايا باتهامات منها؛ الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، والتظاهر، وتورطهم في عمليات إرهابية. وبعض الضحايا يتم إطلاق سراحهم دون عرضهم على أي جهة قضائية. وبينما استعرض التقرير شهادات عدد من العائدين بعد اختفائهم لفترة من الزمن وكذلك أسر المختفين قسرًا الذين لم يتم العثور عليهم حتى الآن، تم استخدام أسماء مستعارة لبعض مَن أدلوا بشهاداتهم بعد خروجهم من لاظوغلي بناءً على طلبهم وللحفاظ على سلامتهم. قال "عبدالرحمن جاد" ل"المصريون" إن أكبر المعوقات التي واجهته خلال البحث والتحري والتوثيق هو خوف الضحايا وذويهم ورفضهم الإفصاح عن شيء بشأن فترة الاختفاء، وخصوصًا في منطقة شمال سيناء التي أصر ضحايا الاختفاء القسري فيها على رفض الحديث عن تجربتهم؛ لأن احتجازهم تم في مكان يعد الحديث عنه من أخطر "الخطوط الحمراء". وبحسب جاد، فقد تعقب الأمن هناك باحث المفوضية الذي كان يعمل على جمع شهادات الضحايا في شمال سيناء؛ حيث كان بمنزل أحدهم وورد إليهم معلومات بأن أفراد من الأمن علموا بوجود "صحفي قاهري غريب" بمنزل أحد المفرج عنهم مؤخرًا من هناك وأنه عليه المغادرة فورًا، فاستطاع مغادرة المكان قبيل وصولهم وإلقاء القبض عليه إلا أنه ترك أوراقه وأدواته ولم يستطع إجراء المقابلة. وأكد التقرير أنه من شدة الخوف من تبعات الإفصاح عن تجربتهم كضحايا انتهاكات، 3 أشخاص فقط هم مَن تمكنت المفوضية من سماع شهاداتهم وأدلوا بما عانوه أثناء اختفائهم واعتقالهم هناك. فتم حجب أسمائهم الحقيقية واستخدم التقرير أسماءً مستعارة، ووصف أحدهم الحياة هناك وكأنها "مقبرة الأحياء"، وقدر الشهود عدد المعتقلين في أحد السجون التابعة لجهاز سيادي حساس بما بين 600 و800 معتقل فيما بين نهاية 2013 وبداية 2014.
الانتهاكات: وبحسب التقرير، يتعرض الأشخاص للتعذيب داخل هذا السجن بأشكال مختلفة بداية بالصعق بالكهرباء والتعليق، والجلد، وفي بعض الأحيان يتم حلق (دقن) المنتمين للتيار الإسلامي؛ حيث أكد أحد ممن قامت المفوضية بمقابلته، أنه بعد القبض عليه من مكان عمله نهاية شهر أكتوبر 2013، الساعة الخامسة عصرًا، الإسماعيلية، من قِبل أفراد مباحث يرتدون الزي المدني، وفي هذا اليوم كانت هناك اعتقالات عشوائية، ليتم اصطحابه إلى مديرية أمن الإسماعيلية. وهناك أخذوا بياناته الشخصية فقط، وفي صباح اليوم التالي تم نقله إلى أحد المعسكرات شديدة الحراسة. وعن ظروف الاحتجاز داخل أماكن الاحتجاز السري، قال التقرير إنها حاطة لكرامة الإنسان، فمن خلال مقابلتين أجرتهما المفوضية مع الناجين من الاختفاء في 2014 والذين كانوا بسجن الإسماعيلية: "بعد الفجر بساعة يتم فتح الزنزانة ونقلنا لزنزانة أخرى للإفطار وهو عبارة عن رغيف خبز أو بسكويت بالملح ومربى منتهية الصلاحية أو مربى بدون غطاء بها حشرات، وفي حوالي الساعة الثانية أو قبل العصر يتم فتح الزنزانة مرة أخرى للغداء وهو عبارة عن أرز طري ممزوج بأرز مستوي وبعض الخضراوات، وهناك ثلاثة أيام يقدم للمعتقلين داخل السجن في الغداء لحم أو دجاج، وفي العشاء يتناولون وجبة عدس أو فول بجانب الخبز وتكون قبل المغرب بساعة، والاستحمام مرة واحدة شهريًا، وميعاد دخول (دورة المياه) في الثالثة صباحًا مرة واحدة يوميًا؛ حيث يقف المعتقلون في طابور ومدة الحمام لا تتجاوز الدقيقتين ويتم فتح الباب على من لم ينتهِ، ويتم صعقه بالكهرباء وضربه بالعصى". ومن خلال مقابلة أجراها الباحث مؤخرًا مع "حامد" وهو أحد الناجين من الاحتجاز السري داخل معسكر على مشارف الإسماعيلية تأكد لدى المفوضية معلومات تفيد بوجود سجون أخرى داخل ذات المعسكر لاحتجاز المدنيين، فبجانب هذا السجن ذو الثلاثة طوابق والذي تحدث عنه 2 من الناجين للمفوضية في 2014 يوجد سجن آخر انتقل بعض المحتجزين إليه في يناير 2015، وهو مكون من طابق واحد بارتفاع 6 أمتار، لا تختلف المعيشة فيه عن القديم، فكانت الزنزانة بحجم 9 أمتار في 5 أمتار وعدد المحتجزين بها 137 شخصًا، وجميعهم يقضون حاجتهم في (البورنيكة) عبارة عن برميل متوسط الحجم حوالي 15 لترًا وكان ال137 شخصًا يقضون حاجتهم في هذا البرميل وتراوحت أعمار المحتجزين داخل الزنزانة ما بين 15عامًا إلى 76 عامًا، بجنسيات مختلفة ما بين سوريين وفلسطينيين وشخص واحد أردني، وآخر من أصول إفريقية. وبالإضافة إلى ضرورة الانضمام لجميع الاتفاقات والبروتوكولات التي تجرم الإخفاء القسري وتعديل قانون العقوبات بحيث يتم اعتماد تعريف التعذيب الموجود في اتفاقية مناهضة التعذيب لسنة 1984، طالب التقرير في توصياته الرئيس "السيسي" بإعلان رفضه لظاهرة الاختفاء القسري وممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو الحاطة بالكرامة وأنه ستتم محاسبة المسئولين عن هذه الجرائم، كذلك طالب بتشكيل مكتب تابع للنائب العام برئاسة محامٍ عام يختص في التحقيق في حالات الاختفاء القسري بصلاحيات التفتيش على أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية. كما طالب بإصدار قانون يمنع احتجاز المدنيين في مناطق أو سجون غير مدنية، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة للمعتقلين في السجون السرية التابعة للجهات السرية وفي مقرات الأمن الوطني والسجون وغيرها من أماكن الاحتجاز، وعرضهم فورًا على النيابة إن كان مشتبهًا بهم في أي جرم أو غير ذلك فالإفراج الفوري عنهم، بالإضافة إلى النظر في الإجراءات التي اتخذها ذوو المفقودين من بلاغات وشكاوى تثبت إخفاء ذويهم من قبل الأجهزة الأمنية والبت فيها على وجه السرعة والرد على أسر المختفين قسريًا بخطاب رسمي يتضمن نتيجة البحث والتحقيق في اختفاء ذويهم. من جانبه، أكد عبدالرحمن جاد، الباحث بالمفوضية والقائم على إعداد التقرير وجمع المعلومات والشهادات الواردة به، أنه سيتم إرسال نسخة منه إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان، وستبدأ المفوضية في إعداد مسودة أولية لمشروع قانون يجرم الإخفاء لقسري لطرحها على المنظمات المهتمة يتم بعدها عقد ورشة عمل للخروج بالمشروع النهائي وتسليمه إلى مجلس الشعب، كما أكد أن الحملة ستستمر في نشاطها وستبدأ في تحركات أكثر قانونية من خلال محاميها مع أسر الضحايا.