مع تزايد تصريحات القيادات الأمنية النافية لوجود حالات اختفاء قسري في مصر، أصدرت المفوضية المصرية دراسة مفصلة تثبت وجود مختفين قسريًا في أماكن تابعة لقوات الأمن. وأكد التقرير المفصل أن جريمة الاختفاء القسري برزت في الفترة الأخيرة لتتصدر قائمة انتهاكات حقوق الإنسان في عام 2015، وتحديدًا مع تعين اللواء مجدي عبد الغفار، وزيرًا للداخلية، في مارس الماضي خلفًا للواء محمد إبراهيم، الذي لم يخل عهده أيضًا من اختفاء المعارضين. المفوضية في تقريرها وثقت عددا من الحالات التي تعرضت للاختفاء القسري داخل مقرات احتجاز سرية تابعة لعدد من الأجهزة الأمنية منها الأمني الوطني والمخابرات الحربية لعدد من الأسابيع والشهور، كما وثقت تعرضها كذلك لأنواع من التعذيب وسوء المعاملة. في المقابلات التي أجرتها المفوضية مع عدد من المختفين قسريًا، الناجين من سجن العازولي، أكدوا أن السجن به كثير من المدنيين، وفي عام 2014 ضم عددا من المحتجزين تتراوح أعدادهم ما بين 400 إلى 600 شخص وفقًا لشهادات الناجيين، بالإضافة إلى وجود عدد من المحتجزين بالدور العلوي بالسجن والمسمى ب"التحريات". وأشارت العديد من الشهادات إلى وجود غرفة حجز تابعة لكل وحدة مباحث في كل قسم شرطة تسمي ال"الثلاجة" يتم استخدامها من قبل ضباط الأمن الوطني لاستجواب الأشخاص عقب القبض عليهم وعزلهم عن العالم الخارجي لمدة تصل إلى 3 أيام، بعدها يقرر الضابط عمل قضية للشخص أو نقله إلى أحد مقار الأمن الوطني لنزع المزيد من الاعترافات. كما أكد التقرير أنه خلال عام 2015، تزايدت شكاوى أسر المختفين قسريا، وتحديدا مع مطلع شهور أبريل ومايو ويونيو، استقبل المجلس القومي لحقوق الإنسان 50 شكوى بشأن مواطنين مختفين بشكل قسري ولم يستدل على أماكنهم. وقال جورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن تقرير حملة "الحرية للجدعان" وثق 163 حالة اختفاء بينها 66 حالة اختفاء وفقًا للمعايير الدولية و64 حالة بدون وجه حق، و31 لم يتمكن المجلس من متابعتها. خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2015 رصدت حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" 11 حالة اختفاء لأطفال تقل أعمارهم عن 18 عاما، وقال أحمد سعد المحامي، خلال مقابلته مع المفوضية، إن اعتقال الأطفال وإخفاءهم سببه اشتباه أفراد الأمن في حصولهم على معلومات، ويرجع اعتقالهم بالأساس إلى اعتراف أفراد آخرين على هؤلاء الأطفال لمشاركتهم في تظاهرات ضد النظام. الجدير بالذكر أن التقرير لم يتطرق لتفاصيل التهم التي تم توجيهها لبعض ضحايا الاختفاء بعد ظهورهم، وتناول التقرير أيضا الآثار الناجمة عن جريمة الاختفاء القسري، حيث تعيش أسرة المختفي بين حيرة وقلق دائم لعدم معرفة مصيره، وخاصة إذا كان الشخص المعتقل هو عائل الأسرة فتتضاعف أعباء الأسرة وتلجأ الأم أو الزوجة إلى تحمل المسؤولية وحدها من أجل تماسك الأسرة. انتهى التقرير إلى عدد من التوصيات أبرزها ضرورة محاسبة المسؤولين عن ممارسة الاختفاء القسري من قيادات قطاع الأمن الوطني والمخابرات الحربية والمسؤولين عن احتجاز أشخاص في تلك الفترات داخل أماكن احتجاز غير قانونية أو سرية، والرقابة الدورية من قبل النيابة والقضاء على المقرات التابعة لجهاز الشرطة ومقار الأمن الوطني والسجون ومعسكرات الأمن المركزي والسجون العسكرية، وتقديم المسؤولين عن إخفاء مواطنين دون سند قانوني للمحاكمة. كما أوصى التقرير بضرورة التفاعل مع الإجراءات التي اتخذها ذوو المفقودين من بلاغات وشكاوى تثبت إخفاء ذويهم من قبل الأجهزة الأمنية والبت فيها على وجه السرعة والرد على أسر المختفين قسريا بخطاب رسمي يتضمن نتيجة البحث والتحقيق، وتشكيل مكتب تابع للنائب العام برئاسة محام عام يختص في التحقيق في حالات الاختفاء القسري بصلاحيات تملك التفتيش على أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية. طالب التقرير أيضا بالسماح للمجلس القومي لحقوق الإنسان بزيارات مفاجئة لأماكن الاحتجاز، والسماح للمنظمات الحقوقية بزيارة السجون وأماكن الاحتجاز للتأكد من تطبيق القانون وتمتع المحتجزين بحقوقهم، وتجريم الاختفاء القسري في القانون المصري واعتباره جريمة لا تسقط بالتقادم. المفوضية اختتمت توصياتها بضرورة الانضمام للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لسنة 2006، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب لسنة 2002. من جانبه أكد حليم حنيش، الحقوقي بالمفوضية المصرية، وعضو مؤسس بحملة أوقفوا الاختفاء القسري، أنه وفقا للشهادات التي جمعتها المفوضية المصرية للحقوق والحريات، فقد تعرض المحتجزون خلال فترات اختفائهم لأساليب مختلفة من التعذيب وسوء المعاملة والحط من الكرامة الإنسانية من أبرزها الصعق بالكهرباء، والتعليق من اليد والرأس لأسفل، وتعليق الضحية كالذبيحة، والتهديد بالاعتداء الجنسي وذلك بغرض انتزاع اعترافات أو جمع معلومات عن أفراد أو كيانات تقوم بتنظيم التظاهرات أو مشتبه بصلتهم بهجمات إرهابية، وأضاف أن عددا من الضحايا ظلوا خلال فترة احتجازهم معصوبي العينين ومقيدي اليدين في ظروف احتجاز قاسية، وبعض المختفين في أعقاب 30 يونيو ما يزال مصيرهم مجهولا حتى الآن. وأشار إلى أن الشهادات أثبتت تورط بعض الأجهزة الأمنية كقطاع الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية وإدارة المخابرات الحربية التابعة للقوات المسلحة في اختطاف أشخاص وإخفائهم بمعزل عن العالم الخارجي في أماكن احتجاز سرية أو غير قانونية، كمقر الأمن الوطني في لاظوغلي بالقاهرة، ومعسكر الأمن المركزي، والأمن الوطني بطنطا، والسجون الحربية ومنها سجنا العزولي، والعزولي الجديد، داخل معسكر الجلاء بالإسماعيلية بمقر قيادة الجيش الثاني الميداني.