أكد عدد من الخبراء الإستراتيجيين والقانونيين أن لقاءات النخب السياسية الليبرالية فى مصر بمسئولين غربيين تكشف عن مدى رغبتهم فى تدخل الغرب فى الشئون الداخلية، مما يمثل خطرًا على الأمن الوطنى، وطالبوا بمحاسبتهم سياسيًا وتساءلوا عن مدى قانونية ما يقومون به، والنية التى دفعتهم لطلب هذه اللقاءات؟! بالإضافة إلى العلاقة التى كانت تربط النظام السابق بهؤلاء المسئولين. وقال الدكتور محمد السعيد إدريس، الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية ب "الأهرام"، إن النظام البائد فرط فى السيادة المصرية بمثل هذه اللقاءات "المشبوهة" والتى كانت تتم بشكل متواصل ومستمر، فى مقابل معونات عينية ومادية والتغاضى عن فساد داخل المؤسسات الحاكمة ودعم مشروع التوريث، فى مقابل تنازل مصر عن السيادة فى سيناء وعلى الحدود مع قطاع غزة، وفى بعض المواقف الدولية، فضلا عن تنازله عن مصالح وطنية وقومية. وأضاف: استمرار مثل هذه اللقاءات عقب الثورة، يعد امتدادًا فى هذا التفريط عن طريق إرسال معلومات إلى إدارات هذه الدول وسفاراتها بدون وجه حق، مما يضر بالمصالح الوطنية والقومية على المصريين، ويعتبر تجاوزًا فى حق بلد عريق من المفترض أن لها سيادة. وتساءل: ما معنى أن يحتمى أى مصرى بسفارة أجنبية؟ ويطلب منها معونات أو دعمًا، أو يطالبها بالتصدى للصعود الإسلامى، أو حماية الأقباط؟ وهل تقبل هذه السفارات أن يتواصل مواطنيها مع الإدارة المصرية ويطلبوا منها مثل هذه الطلبات؟" "وأين دور المؤسسات الأمنية فى مصر من هذه اللقاءات السرية؟ وأين دور الأمن الوطنى؟ وأين حماية مصر من التدخلات الأجنبية؟ وهل تسمح الولاياتالمتحدة أن تطلب أى مؤسسة حقوقية مرخصة بأمريكا من مصر دعم الإسلاميين فى أمريكا؟ أو عمل دعاية لمرشح ضد آخر؟ ولماذا لا تقبل المعاملة بالمثل؟". وأوضح إدريس أن مثل هذه الأعمال إن كانت تتم قبل الثورة، فلا يجب أن نسمح بها بعد الثورة، خاصة أن أهدافها الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، والسيادة الوطنية. وأشار إلى أن عددًا من الأحزاب السياسية ذات التوجه الإسلامى قابلت مسئولين فى الإدارة الأمريكية، لكن الأمر اختلف تماما، فهؤلاء المسئولين هم من سعوا لمقابلة هذه الأحزاب، وكانت زيارتهم فى العلن، ولم يتم فيها طلب دعم أو حماية، إنما كانت لعرض وجهات النظر فى القضايا المختلفة". وفسر الدكتور محمود عبد الظاهر الخبير الاستراتيجي، هذه اللقاءات بأنها تأتى فى إطار سعى الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول الغربية لرسم خريطة مصر وطريقة التعامل معها فى الفترة المقبلة، بعد سقوط النظام السابق، فضلا عن محاولاتها الاتصال بكل القوى السياسية لضمان حضور قوى داخل البلاد كما كان فى العهد البائد. وقال أن هذا التركيز على مصر يأتى لانها دولة محورية، ذات تأثير سياسى فى الشرق الأوسط والوطن العربي، حيث تحاول هذه الدول أن تزرع نوع من القوى المؤيدة لها داخل البلاد، لفرض كلمتها أو التأثير بها. ورفض د. عبد الظاهر، وصف مثل هذه اللقاءات بالتجسس، ولكنها تدخل فج وغير مقبول من هذه الدول، وتفريط لا يليق من هؤلاء النخبة، على غير المعتاد فى العالم كله، قائلا "لو أدركت هذه النخبة جرم ما تفعل، ما فعلوه". ودعاهم إلى أن تكون هذه اللقاءات فى العلن وبمحاضر يتم الكشف عنها فى كل وسائل الإعلام، عن كانوا فعلا حريصين على مصلحة الوطن، خاصة أن السرية التى تحيط بالزيارات ومحاضرها تزيد الشكوك حولها، وقال اللواء دكتور نبيل فؤاد مدير مركز البحوث والدراسات السياسية والإستراتيجية أن هذه اللقاءات خروج من السفيرة الأمريكية عن العرف الدبلوماسى الذى يكفل لها لقاءات فى العلن وليس فى السر، فضلا عن عدم السماح بمقابلة معارضة لتقوديها ضد النظام. وأوضح أن ليس من حق الدبلوماسى أن يقبل دعوة هؤلاء الليبراليين إلى التدخل فى الشئون الداخلية، أو فى دفع طائفى، أو تقويض طرف سياسى على آخر، أو دفع داخل الدولة، وأنه ليس مسموح له إلا بتلقى وجهات النظر والرؤى السياسية. واعتبر اللواء ممدوح عطية، الخبير الإستراتيجى، أنه من العار أن يتم فى مصر الثورة مثل هذه الاجتماعات السرية دون علم أحد، مشيرًا إلى أن السفيرة تجاوزت الحدود الدبلوماسية، والنخبة الليبرالية تجاوزت الحدود السياسية. وأضاف أن مثل هذه اللقاءات تعد خطرًا على الأمن القومى المصرى، خاصة لعدم علم الخارجية أو الداخلية بما يدور فيها، مناشدًا هؤلاء النخبة إن كانوا فعلا يريدون مصلحة مصر فليتعاملوا بشفافية ووضوح مع الجميع وأن يخرجوا فى العلن ليعلنوا عن هذه اللقاءات وما يدور بها. لكن اللواء دكتور محمد قدرى سعيد، رئيس قسم الشئون العسكرية والتكنولوجية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية ب "الأهرام" قلل من خطورة هذه اللقاءات على الأمن القومى المصرى، لضعف المعلومات الأمنية عند هؤلاء النخبة، مشيرًا إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ترغب فى أى شكل من الأشكال الإجابة عن سؤال "مصر إلى أين؟"، وهو ما يدفعها للقاءات علنية وسرية للتعرف على وجهات النظر المختلفة وإيجاد سبل للتواصل معها. وقال إن بعض السياسيين المصريين هم من طلبوا "سرية" هذه اللقاءات، خوفًا على مكانتهم، أو مصلحتهم السياسية، أو تخوفًا من ردة الفعل ضدهم. وطالب الدكتور عبد الله الأشعل، أستاذ القانون الدولى والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، بمحاسبة هؤلاء النخبة سياسيًا إذا كانت هناك أدلة دامغة. وأكد أنه من الناحية القانونية لا جرم على الجلوس مع السفراء أو الدبلوماسيين، ولكن طلبات هؤلاء النخبة من هذه السفارات هى ما تجرم قانونًا فى حال ثبوتها، مشيرًا إلى أن طلب التمويل أو الدعم أو الاستقواء بالخارج تحاسب صاحبها بعقوبات رادعة، باعتبارها طلبات غير مشروعة. واتفق معه على كمال، عضو مجلس نقابة المحامين، قائلا: اللقاءات فى حد ذاتها لا غبارًا قانونيًا عليها، ولكن يبدأ التجريم فيما تشهده هذه اللقاءات من مناقشات، مشيرًا إلى أن ما نشرته وثائق "ويكيليكس" حول ما دار فى الاجتماعات يحتاج إلى دلائل لتقديم هؤلاء النشطاء إلى محاكمة عاجلة.