طغى الغموض على أحداث تجري على الساحة المصرية في الفترة الأخيرة، وخاصة مع بدأ المرحلة الأولى من الاستحقاق الثالث والأخير من خارطة الطريق وهو الانتخابات البرلمانية، فما بين اختفاء المصوتين لحزب النور وقوع الأحزاب الكبرى، واختفاء الشباب عن المشهد والإقبال المتوسط على صناديق الاقتراع خلال المرحلة الأولى، تبقى علامات استفهام عديدة، تقف عندها الأذهان لتبحث عن حقيقة المفاجآت التي شهدتها الانتخابات البرلمانية لهذا العام. لماذا خسر «النور» الأصوات في المرحلة الأولى؟ صفر مقاعد في البرلمان، نتيجة حصاد حزب النور في المرحلة الأولى للانتخابات، إلا أن الهتاف الأعلى في مؤتمرات الحزب كان «بإذن المولى.. حزب النور من أول جولة»، لكن تباينت الآراء في هذا الشأن فالبعض أرجع الأسباب وراء حصاد الحزب هو فقدانه لمصداقيته والبعض الأخر يرى أن الحزب تعرض لحملات تشويه ممنهجة في الفترة الماضية. وهو ما أكده «ياسر برهامي»، نائب رئيس الدعوة السلفية وعضو مجلس الشيوخ، أن هزيمته جاءت بسبب حملة التشويه التى شنتها القنوات الفضائية على حزب النور دون وجه حق، واتهام البعض لهم بالحصول على أموال من قطر والسعودية وألمانيا. وقال «برهامي» إن الحزب لم يترشح سوى على 35% من مقاعد البرلمان، مشيرًا إلى أن المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية لا تعبر عن حجم حزب النور على الأرض. في المقابل، قال عبدالرحمن يوسف، الكاتب الصحفي المختص في الشؤون المصرية، إن انتهازيته أثرت في شعبيته، لافتًا إلى أن الانتخابات تعد بمثابة الاختبار الأول لحزب النور، بعد الانضمام لخارطة طريق الثالث من يوليو، وأنه لم يخضع لاختبار حقيقي يكشف حجم الكتلة المؤيدة للحزب قبل ذلك. وأوضح «يوسف» أن «النور» لا يتبنى موقفًا واضحًا، حيث أعلن تأييده للدولة متبنيًا بذلك خطابًا دولاتيًا يحمل معاني كالحرب على الإرهاب والحفاظ على نسيج الدولة، بدون عمل مراجعة حقيقية لأدبياته السابقة والتي تبنت بعض التحفظات على فكرة الدولة الوطنية بما فيها الانتخابات والديمقراطية وحق التشريع، وأن فكرته التميزية الأساسية كانت الهوية الإسلامية. وأكد أن الحزب قد أحدث تغييرًا في بعض من قراراته الفقهية، كانتخاب الأقباط وترشيح المرأة، دون أن يكون هناك مراجعة حقيقية لتلك المواقف الفقهية، وهو ما يظهره في صورة الحزب الانتهازي، مما أثر في شعبيته بطبيعة الحال، مضيفًا أن وجود بعض الانقسامات في قيادات الحزب؛ أهمها انفصال الدكتور عماد عبد الغفور في ديسمبر 2012، مما تسبب في خروج الكثير من قواعد حزب النور، هو من أحد أسباب فقدان شعبيته. الأحزاب الكبرى.. أين هى في الكوتة؟ أحزاب ذات ثقل برلماني وتاريخي، لم يخلو البرلمان منها منذ عقود، دائمًا وأبدًا هم البارزون، تفاجئ في المرحلة الأولى بابتعاد الأصوات عنها، حيث أشارت نتائج المرحلة الأولى إلى صعود قوى سياسية جديدة متمثلة في الشباب والمستقلين وسقوط الأحزاب ذات الثقل التاريخي من بينها أحزاب ليبرالية ويسارية كبرى، والتي تضمنت حزب الوفد والتجمع والنور السالف ذكره. فلدى حزب الوفد تاريخ كبير وعريق، والذي صمد على مر ما يقارب من خمس عقود، إلا أن الشارع المصري عزف عن التصويت له في الانتخابات القائمة، وعلق السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، بأن البرلمان القادم لن يكون صورة جيدة لثورتين قاموا في مصر، مضيفاً: «أتوقع أن نسبة كبيرة جداً من البرلمان ستمثل ما قبل 25 يناير، وأعضاء الحزب الوطني السابق». وأضاف البدوي، في تصريحات لبرنامج بتوقيت مصر على قناة التليفزيون العربي، أنه لا يتفاءل خيراً بمجلس النواب القادم، مشيراً إلى توقعه أن 60 أو 65 % من أعضاء البرلمان سيكونون من المستقلين، ومعظمهم ممن كانوا ينتمون للحزب الوطني المنحل، بينما المفترض أن تكون للأحزاب الأغلبية حسب الدستور الذي ينص على التداول السلمي للسلطة بينها. وأوضح البدوي أن سبب ذلك هو قانون الانتخابات الذي تم وضعه بشكل غير مقبول من الأحزاب السياسية وكل القوى الوطنية. الاغتراب السياسي للشباب.. أين اختفوا في التصويت؟ رغم اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي بدعوة الشباب في الكلمة التي ألقاها على الشعب في أول يوم للانتخابات، بأن يكونوا في طليعة يوم الاقتراع لحسم الأمر لصالح الوطن، إلا أن عزوف الشباب كان ملفتًا فكان رأي الشباب أن التهميش هو السبب الرئيسي لامتناعهم. وأرجع الدكتور أحمد ذكي بدر، وزير التنمية المحلية، أسباب عزوف الشباب هو لكثرة الأزمات التي يمرون بها وعدم إشراكهم في الحياة السياسية، فضلاً عن عدم وجود فرص عمل لهم وأن الدولة في وقت من الأوقات لم تهتم بالشباب، مشيرًا إلى أن هذا بعض منهم أما البعض الآخر هو تأثير بعض الجهات ذات توجهات معينة كان هدفها الرئيسي شق صف الشباب وتقوموا على بلده لانتماءات معينة. وأضاف «بدر» أن تلك الجهات حاولت استقطاب للشباب لمصالحها الخاصة، مشيرًا إلى أن هذا في الفترة الأخيرة قل بحد كبير. نسبة الإقبال ضعيفة أم متوسطة؟ تباينت الآراء فيما يخص نسب التصويت والتي كانت ما بين ضعيفة ومتوسطة وعادية، فما بين مواعيد العمل وحرارة الطقس وعزوف الشباب صعب على الشارع تحديد النسبة. إلا أنه وفقًا لما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات بلغت نسبة التصويت في المرحلة الأولى من انتخابات البرلمان المصري حوالي 27 في المائة إن أكثر من 7 ملايين ناخب أدلوا بأصواتهم في الداخل يومي 18 و19 من الشهر الحالي، أما عن وسائل الإعلام المحلية والدولية قد أشارت إلى إقبال «ضعيف للغاية» على التصويت. وبحسب اللجنة، فإن عدد الناخبين المسجلين في المرحلة الأولى، التي شملت 14 محافظة من بينها الجيزة والإسكندرية، يبلغ 27 مليون شخص، وبلغ عدد الأصوات الصحيحة أكثر من ستة ملايين صوت. من جانبه، قال اللواء رفعت قمصان، مستشار رئيس مجلس الوزراء لشئون الانتخابات، إن الحديث عن انخفاض نسب التصويت كان بالنصف الأول من اليوم الأول فقط، لكن بالنصف الثاني منه، ثم في اليوم الثاني الحضور كان أفضل واختلف كثيراً، موضحًا أن نسب الحضور بانتخابات البرلمانات العالمية تكون أقل من الانتخابات ذات الطابع القومي. وأكد أن المتابعة الميدانية خلال نهار اليوم الثاني أشارت إلى تجاوز نسبة الحضور 20 و25%، والآن انتقل الأمر إلى اللجنة العليا للانتخابات، مشيراً إلى أن الحكومة منحت تيسيرات للمغتربين خاصة أن عددًا كبيرًا من سكان الوجه القبلي يعملون بالعاصمة، مضيفًا أن تطبيق غرامة 500 جنيه على المتغيبين هو حق خاص للجنة للعليا للانتخابات، وهي صاحبة القرار في تطبيق القانون من عدمه. في المقابل، قال الدكتور أيمن نور، رئيس حزب غد الثورة المعارض، إن الوضع اليوم كاشفٌ لما يحدث في مصر من قتلٍ للحياة السياسية بفعل الاستبداد والأكاذيب التي روجها النظام عن نفسه على مدار عامين منذ وصوله إلى الحكم. وأضاف أن عزوف المواطنين عن التصويت قد لا يكون نتيجةً لدعوات قوى المعارضة للمقاطعة، لكنه بلا شكٍ تعبيرٌ عن استياء المواطنين مما يحدث، وأردف أن الوضع شديد الشبه بانتخابات 2010 سيئة السمعة. ودعا نور فصائل وقوى المعارضة إلى إدراك ذلك والاصطفاف في خندقٍ واحدٍ بالاتفاق على وثيقةٍ وطنيةٍ جامعة للخلاص من هذا النظام واسترداد ثورة 25 يناير وما قامت عليه من مبادئ. هل ضعف الإقبال مؤشر على تعاطف الشعب مع الإخوان؟ إذا كان الإقبال ضعيفًا، فيبقى التساؤل الأهم، هل يعني هذا تعاطف الشعب مع الإخوان، الأمر الذي استبعده الدكتور خالد فهمي، أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والأستاذ الزائر بجامعة هارفارد، معللاً أن ضعف الإقبال ليس مؤشرًا على تعاطف الشعب مع الإخوان، ولكنه رد فعلٍ طبيعي على من أهان ثورة 25 يناير واتهم رموزها بالخيانة وتخريب البلاد.