حين قرر نعمان جمعة رئيس حزب الوفد المفصول خوض انتخابات الرئاسة ضد الرئيس مبارك تذكرت ساعتها عبارة ( أطلق النار على قدميهshooting his foot ) وهي عبارة غربية تطلق على الشخص الذي يؤذي نفسه بنفسه ، فنعمان أراد أن يصنع لنفسه تاريخا ويبني له مجدا ولم يراع الظروف والعوامل الأخرى ومن بينها وربما أهمها العوامل الداخلية في حزب الوفد نفسه. لم يدرك رئيس الوفد أنه يتعين على أي سياسي أن يدفع ضريبة العمل السياسي وأن الأمر ليس مقصورا على التمتع بالشهرة والتقاط الصور التذكارية. اندفع السيد نعمان جمعة وراء حلمه الشخصي رغم أنه ووجه بسيل من الأسئلة التي لم تفلح إجاباته في إقناع الرأي العام بجدية موقفه خصوصا وأن (الأحزاب الكبيرة) !!! قد قررت المقاطعة ، لم يجد السيد رئيس الحزب سوى القول (لقد نزلت على رغبة الهيئة العليا للحزب .). ولما تبين للهيئة البرلمانية للحزب أن رئيسها قد فرط في الأمانة أو أهمل في أدائها أو أنه قد أساء استخدام سلطاته أو أنه ورط الحزب رأت هذه الهيئة التي منحته شرف المنافسة في الانتخابات الرئاسية ! أن تطالبه بالاستقالة فكان ما كان وحدث ما حدث ووضع الجميع أيديهم على قلوبهم خوفا من أن يدخل الوفد ثلاجة الأحزاب المجمدة... فصل رئيس الحزب يعطينا مؤشرا عن حجم الاحتقان أو الاختناق الذي يعانيه منتسبي الأحزاب السياسية من جراء سياسات رؤسائهم ، لقد ذهب كل رئيس حزب بما لديه وترك حزبه خواء فالمهم أن يبقى وحده في الصورة ، خصوصا إذا كانت هذه الصورة قد كتب تحتها مرشح لرئاسة الجمهورية ! وكما كان شعار حملة نعمان جمعة الرئاسية ( أتخنقنا ) يبدو أن الهيئة العليا للوفد عبرت عن نفسها بنفس الطريقة وربما بنفس الشعار ، المؤسف هو التفاصيل غير المسئولة لواقعة فصل رئيس الوفد فالمفروض أن الرجل وبمجرد فشله في الوصول إلى كرسي الرئاسة أن يستقيل ولكنه استمر بحجة أن الانتخابات كانت ضد الدولة بأسرها وليست ضد الرئيس وهذا مبرر ومفهوم ، ولكن جاءت نكسة الانتخابات البرلمانية والتي حصل فيها الحزب على ستة مقاعد ورأينا الرجل مستمرا بل متشبثا بالكرسي وضاربا عرض الحائط بأبسط القواعد الحزبية حين قرر فصل أحد قيادات الحزب – منير فخري عبد النور رغم معارضة قيادات الحزب ودون الرجوع لقواعد الحزب وجماهيره. مصيبة الوفد أنه حزب صاحب تاريخ لكنه في ظل ما شاهدناه في فترة رئاسة السيد الرئيس نعمان جمعة كان حزبا بلا مستقبل على الإطلاق ، وهذا لا ينطبق على الوفد وحده بل يمتد إلى كافة الأحزاب إن اعتبرنا ما هو موجود أحزاب بالفعل ، ويمكنك تطبيق نموذج الوفد على التجمع والناصري أما البقية فلا أحد يمكنه تذكرها ناهيك عن أسماء رؤسائها . المثير والمدهش أن يكتشف السيد رئيس الحزب أنه لا أحد يريده ولم يبكيه أحد .. تأخر السيد الرئيس في التقاط رسالة جماهير الوفد ، تأخر كثيرا مع أنه كان لديه من الوقت ما يسعفه ومن التقارير ما يكفيه من أن الوفد لم يعد في حاجة إليه .... هذه هي مشكلة الرؤساء والمسئولين في الأحزاب، يزعمون أنه يفهمون كل شيء ويعرفون دقائق الأمور ويتجاوبون مع مطالب الجماهير إلا مطلبا واحدا هو المطلب اليومي المتكرر بالابتعاد عن السلطة. ما حدث في الوفد يطرح سؤالا عن مدى قدرة هذا الحزب على الحياة ! ومدى تأثير تلك الأزمة على صحة الوفد وإن كنت أشك كثيرا في قدرته على ممارسة نشاطه بطريقة صحية وسليمة بعدما أصيب الحزب في مركزه وأعني به هنا رئاسة الحزب ... ولكن ولأنه خلف كل مصيبة توجد أية أو عبرة أو جانب مضيء .. فالجانب المضيء هنا هو الرسالة التي وجهتها جماهير الوفد لرئيس الحزب ( كفاية- اتخنقنا ) ، وهذا يمنحنا بعض الأمل في إمكانية بروز جيل جديد قادر على قلب كافة المعادلات الموروثة في الحياة السياسية لكي تبدأ مصر رحلة العودة الى السياسية بعدما توقفت لقرابة نصف قرن...... [email protected]