في الوقت الذي يضع فيه حزب "النور" ، اللّمسات الأخيرة على استعداداته لخوْض انتخابات مجلس النواب، المُقرّر فتح باب الترشّح لها في 13 سبتمبر الجاري، باعتباره الحزب الإسلامي الوحيد على الساحة، في ظل غياب حِزبي "الحرية والعدالة" المُنحَل، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، التي يعتبرها القانون جماعة إرهابية، و"البناء والتنمية"، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية. أطلق نشطاء سياسيون، وقانونيون حملة "لا للأحزاب الدينية"، التي تُطالب بحلّ جميع الأحزاب الدِّينية، وفي مقدِّمتها حزب النور، انطلاقا من مُخالفتهاللدستور المصري، الذي يحظر تأسيس أحزاب سياسية على أساس دِيني، بينما تستعِد بعض الدوائر القضائية لنظر الدعاوى التي رفعها محامون، للمطالبة بحلّ حزب النور. "الأحزاب الدّينية فشلت والحلّ وارد" أوضح الخبير السياسي والأكاديمي الدكتور علاء عبد الحفيظ، أنه "توجد العديد من الحملات الإعلامية والقضايا المرفوعة أمام القضاء، لحلّ حزب النور السلفي خاصة، والأحزاب الدِّينية الأخرى عموما، كما أن الأحزاب المدنية ترفض التعاون أو التحالف معها"، معتبرا أن "السبب في ذلك، هو فشل الأحزاب الدينية في الفصل بين نشاطها السياسي ونشاطها الدعوي، برغم ما تذكره بشأن تحقّق ذلك الفصل"، وأن المصريين "يريدون الإستقرار ولا يرغبون في العودة إلى الاضطرابات السياسية، والتي أنتجت ثنائية الديني/ المدني". ويقول عبد الحفيظ، أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بكلية التجارة بجامعة أسيوط في تصريحات خاصة ل swissinfo.ch: "كما أن الأقباط يروْن في وجود تلك الأحزاب تهديدا للوِحدة الوطنية، فضلاً عن أن موقِف تلك الأحزاب من المرأة وقضايا اجتماعية أخرى، يُثير تخوّف ومعارضة كثير من المصريين"، متوقعا أن "تنجح هذه الحملات في حل تلك الأحزاب أو على الأقل في التقليل من حظوظها في الفوْز بعدد كبير من المقاعِد في انتخابات مجلس النواب المُقبلة". سيحصل على 10% من الأصوات وحول حظوظ حزب "النور" المحتملة في الانتخابات المقبلة، يعتقد عبد الحفيظ أنه لن يحصل على 20% من الأصوات التي حقّقها في الإنتخابات الأخيرة، نظراً للتّراجع النِّسبي في شعبيته، بسبب أداء البرلمان الأخير والذي تمّ حلّه، والإنقسام السياسي الذي ينظر إلى النور على أنه سببٌ أساسيٌ في حدوثه، فضلاً عن عدم وجود كوادر سياسية ذات خِبرة في صفوف الحزب، متوقعا حصوله على 10% من الأصوات، نظرا لِما يقدِّمه من خدمات اجتماعية للفقراء، وللدِّعاية المكثّفة التي يقوم بها، مقارنة بالأحزاب المدنية الأخرى. في المقابل، استبعد أستاذ العلوم السياسية نجاح حزب "النور" في تقديم نفسه كممثل ل "التيار الإسلامي" في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مُرجعا السبب في ذلك إلى أن التيار الإسلامي يتكوّن من تيارات فرْعية متعدّدة، والسلفيين أنفسهم غير متّحدين في تأييد حزب النور، كما أن الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم لن يؤيِّدوه، لأنهم يعتقدون أنه لم يساندهم في أزمة إزاحتهم عن الحُكم ومحاكمة قياداتهم. وحول مصادر تمويل حزب "النور"، والتي سيدعم بها مرشّحيه المُزمَع ترشّحهم في كل دوائر الجمهورية، أوضح عبد الحفيظ، أنه يتِم تمويل مرشّحي الحزب من خلال اشتراكات الأعضاء والتبرّعات التي يحصُل عليها الحزب من المُتعاطفين مع أفكاره في الداخل، معتقدا بأن من معايير اختيار المرشّحين عن الحزب - حتى وإن لم يعلن الحزب ذلك - القُدرة على تمويل الحملة الإنتخابية أو جزء كبير من نفقاتها. الهندسة السياسية للبرلمان المقبل من جهته، يرى الباحث السياسي حمدي عبد العزيز، أن مستوى تمثيل حزب النور في البرلمان المقبل، لا يرتبط بالتمويل أو البرنامج السياسي أو حتى المَطالِب بحلّ الحزب، على إعتبار أنه يقوم على أساس دِيني، وهي المطالِب التي تخلق شعوراً بالتهديد لدى الحزب وتؤثِّر على أدائه، وإنما يرتبِط بالأساس بالهندسة السياسية التي ستقوم بها الأجهزة الأمنية لهذا البرلمان، وسيتحدّد وفقاً لها، حجم تمثيل كافة القِوى الاجتماعية والسياسية، الدينية والليبرالية، التي تستنِد عليها سلطة الأمر الراهن بعد عزل الرئيس الاسبق محمد مرسى فى 3 يوليو". وفي تصريحات خاصة ل swissinfo.ch، يصف عبد العزيز، الحملات والمطالِب الخاصة بحلّ حزب "النور"، بأنها مجرّد مناكفات داخل المُعسكر المؤيِّد لسلطة الأمر الرّاهن، حيث أن إستمرار الحزب داخل مُعسكر السلطة لم يعُد قراراً داخلياً بحْتاً، بل تشارك فيه قِوى دولية وإقليمية، تعتبر أنه البديل المناسِب لِما تُسمّيه الإسلام المعتدل والإسلام الجِهادي، نظراً لأن القِوى السلفية المُشكِّلة للحزب، ليس لديها سوى برنامجا اجتماعيا محافظا، وتساند الممارسات القمْعية، ولا تعترض على أية تحالُفات أمنية وإستخباراتية، بين السلطة في مصر والقوى الغربية. ويستدرك قائلاً، أن هذه الحملات ستشكِّل قيداً كبيراً على طموح الحزب، لكي يحلّ محلّ الإخوان المسلمين أو تمثيل المكوّن الاجتماعي الإسلامي سياسياً في البرلمان المقبل، إذ أنها ستزيد من المناخ المُعادي للإسلاميين لدى الكُتلة الناخبة وستعزِّز لدى صانع القرار السياسي والأمني قناعة بتخفيض التمثيل البرلماني للحزب، بحيث يكون أقلّ من الربع، بما لا يشكِّل مصدر تهديد للقوى الأخرى أو إزعاجا للسلطة. الانتخابات المقبلة و"العرس الديمقراطي" وتوقّع عبد العزيز، أن يكون هناك "تحالف غير مُعلَن في البرلمان المُقبل، كان دعا إليه رئيس سلطة الأمر الرّاهن، وتتشكّل غالبيته من القوى التالية: بيروقراطيين، رجال أعمال، موالين للأجهزة الأمنية من التكنوقراط، والقوى التقليدية في الريف والصعيد، إضافة إلى تمثيل (مناسب) للسلفيين والأقباط (التابعين للكنيسة)، على إعتبار أنهم كانوا من أهَم القِوى الاجتماعية المسانِدة للتغيير بعد 3 يوليو". وشدّد الباحث السياسي على أن الإنتخابات المُقبلة لن تجرى على أساس البرامج السياسية بين القوى الإسلامية والعِلمانية، بل ستكون أشبه بما تُسميه السلطات (عرس ديمقراطي) جديد، وسيكون من السّهل عليها توجيه الناخبين وتقليل التدخّلات والإنتهاكات، حتى لا يتم توجيه الإنتقادات لها من الحكومات الغربية الصديقة، أو منظمات حقوق الإنسان الدولية. واختتم حديثه قائلاً: "في هذا المناخ الإحتفالي سيتِم تحديد عدد المقاعد، التي سيحصُل عليها حزب النور، وسيكون عددها أدنى من طموحاته، ولن يكون للتمويل الكبير الذي سيحصل عليه الحزب من أعضائه أو من حكومات وقوى مدنية صديقة بالإقليم، دورٌ كبير في زيادة حصّته في البرلمان المقبل. حملات تزيد من الاستقطاب السياسي من ناحيته، يؤكد الكاتب والمحلّل السياسي صفْوَت عمران، أن "مِن حق أي مواطن أن يلجأ للقضاء لحل أي حزب يرى أنه مخالف للدستور، الذي يحظر تأسيس الأحزاب علي أساس ديني أو عِرقي أو طائفي أو مذهبي، ويمنع الأحزاب من امتِلاك ميلشيات مسلحة، لكن استخدام الحِراك الشعبي لحلّ حزب سياسي، يمثل خطرا، لأننا سنجد مئات الحركات، التي تُطالب بحلّ مؤسسات، وهو ما قد تنجم عنه فوضى وفِتنة، نحن في حلٍّ منها، مستدِلاً بأن هناك حملات أخرى تطالِب بحل الأحزاب الليبرالية والعِلمانية، وهذا التراشُق لن يخدم الوطن، وإنما سيزيد من الاستقطاب السياسي الذي نرفضه". وحول حظوظ حزب النور في الانتخابات المقبلة، أوضح عمران، رئيس قسم الشؤون السياسية بجريدة الجمهورية في تصريحات خاصة ل swissinfo.ch، أن حزب النور السلفي، من أكثر الأحزاب التي تشتغل على الأرض، مستفيدا من وجود الدّعوة السلفية في مختلف أنحاء الجمهورية، لكن يبقي سوء أداء الإخوان منذ 25 يناير وحتي الآن، ولجوئهم للعنف، له تأثير سلْبي على أحزاب التيار الإسلامي عموما، وفي مقدمتها حزب النور، الذي لن يحصل على أكثر من 10% من مقاعد البرلمان (60 مقعدا)، مستدركا بأن تلك النسبة لن تحصل عليها إلا الأحزاب الكبيرة في مصر، لأن الأغلبية ستكون للمستقلِّين. الدعوة السلفية والدعم الخليجي وفيما يعلن عمران، أمين عام "تكتل القوى الثورية الوطنية"، أن حزب النور هو الممثل الأول لتيار الإسلام السياسي في مصر الآن، فإنه يكشف عن أنه يواجه نفس المأزق، الذي تواجهه جميع أحزاب الإسلام السياسي، بعد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، مشيرا إلى أنه رغم انحياز النور لثورة 30 يونيو، إلا أنه يواجه عداءً من مختلف القِوى المدنية، بعضهم لخوفه من عودة ممارسات الإخوان عبْر حزب النور، وبعضهم يستخدِم تلك الفزّاعة لإضعاف حزب النور كمُنافس يمتلك قاعدة شعبية جيِّدة، تجعله من أقوى الأحزاب في مصر حاليا. أما عن مصادر تمويل حزب النور، يشير المحلِّل السياسي، إلى أن هناك أكثر من مصدر لذلك، أولها تبرّعات أعضاء الحزب والدعوة السلفية في مختلف أنحاء الجمهورية، إضافة إلى فرْض ما يُسمّى ب "النفحة المليونية"، على أثرياء الدّعوة للتبرّع بها من أجل الانتخابات، مشيرا إلى تقارير قوية تفيد بأن الدّعوة السلفية تتلقى دعما ماليا من دول الخليج منذ سنوات طويلة ولا يزال يتلقّى. الحزب الإسلامي الباقي بالمشهد السياسي من جانبه، أوضح الكاتب والمحلِّل السياسي أحمد طه، أنه "منذ بداية الأزمة، حرص حزب النور على النأي بنفسه عن المشاركة فيها، حيث كان الحزب شريكاً في مشهد 3 يوليو، واعترف بخارطة الطريق وشارك في لجنة الخمسين لتعديل الدستور، وابتعاده عن الأزمة الجارية، جعله الحزب الإسلامي الوحيد الباقي في المشهد السياسي، كما استطاع المحافظة على كيانه وتماسُكه الدّاخلي، في حين خسر حلفاءه من التيار الإسلامي". وقال طه المهتم بملف الحركات الإسلامية في "في الانتخابات البرلمانية المقبلة، يراهن حزب النور على قواعِده الشعبية التقليدية، كما يحاول أن يجذب قدرا من القواعد التصويتية الإسلامية والمحافِظة عبْر محاولة تقديم نفسه كمُدافع عن قضايا الهوية والشريعة الإسلامية، إلى جانب محاولة تقديم نفسه كبديل لجماعة الإخوان المسلمين، عند مخاطبته للكتلة الإسلامية، وهو أمر يفعله منذ تأسيسه وظهوره في المشهد". ويختتم المحلِّل السياسي بالقول، بأن حال حزب النور السلفي يعد أفضل كثيراً من أحوال الأحزاب الليبرالية واليسارية، من حيث الانتشار والتنظيم والقواعد الشعبية، بالإضافة إلى القدرات المالية، ولهذا لا أستبعد أن يكون له نصيب لا بأس به في مجلس النواب المقبل.