كثير من مشايخ وقيادات السلفيين قرروا اعتزال العمل السياسي والعودة إلى المساجد "ما أشبه اليوم بالبارحة" هذه الحكمة تنطبق على قطاع كبير من السلفيين في مصر الآن، فحتى قبل ثورة يناير، لم يكن للسلفيين علاقة واضحة بالسياسة، إذ اقتصرت أنشطتهم على الدعوة فقط، وكان لذلك فضل كبير في انتشار الفكر السلفي داخل المجتمع المصري، خاصة مع التضييق الذي كان يمارسه نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك على العمل الدعوي ل "الإخوان المسلمين"، وتراجع دور المؤسسة الإسلامية ممثلة في الأزهر والأوقاف، حتى أتت ثورة يناير وانخرط السلفيون فى السياسة، وكان لهم حضور قوي في أول برلمان منتخب عقب الثورة. التطورات التي شهدتها البلاد عقب عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسى فى 3يوليو 2013، كان له انعكاساته على التيار الإسلامي والسلفي خصوصًا، والذي انقسم على نفسه، فهناك من اتخذ موقفًا داعمًا لعزل أول رئيس منتخب ممثلاً في حزب "النور"، بينما وقفت أحزاب مثل "الأصالة" و"الجبهة السلفية" في معسكر "الإخوان" الرافض للاعتراف بالسلطة الحالية. وبدا أن السلفيين في النهاية خسروا كبيرًا من دورهم وتأثيرهم بين المصريين، في ظل حالة التضييق عليهم، ومنعهم من الصعود إلى المنابر، ووجدوا أن السياسة لم تضف إليهم بقدر ما جعلتهم يخسرون أرضيتهم الواسعة في الشارع، ما دفعهم إلى العودة إلى العمل الدعوي، في ظل أنباء عن استقالات لمشايخ "الدعوة السلفية" من عضوية حزب "النور"، وتقديمها لوزارة الأوقاف كإثبات لاعتزالهم العمل السياسي، واستعدادهم لخوض اختبارات الوزارة للحصول على تصاريح الخطابة داخل المساجد. يقول عمار على حسن، الباحث المتخصص فى الحركات الإسلامية، إن "الدعوة السلفية قبل الثورة كانت فى منأى عن السياسة، ولم يحاول نظام مبارك التضييق على تلك الجماعات، طالما لم تتدخل فى أى أمور سياسية، وفى نفس الوقت استغلها فى بعض الأحيان لمناهضة الإخوان؛ كتيار ديني منافس يسعى إلى الإصلاح دون البحث عن السلطة كما هو الحال مع الإخوان". وأضاف أن "انتشار الفكر السلفي فى مصر جاء تعبيرًا عن نزعة المواطن المصرى للتدين فقط، فقد أثرت الأنشطة الخيرية والاجتماعية، خاصة فى المناطق الفقيرة، على انتماء العديد من المصريين إلى الجماعات السلفية، خاصة فى ظل تراجع اقتصادى واضح، وارتفاع معدل البطالة". وتابع: "لقد توفرت كل الظروف لنشر الفكر السلفى فى المجتمع المصري، فبين مجتمع يعانى من جهل وفقر، ونزعة تاريخية تجعله يميل إلى الدين وأهله، ومصالح دول تسعى لنشر فكر معين، ومؤسسات دينية غابت عن الواقع فغاب عنها، واستطاعت التيارات السلفية أن تغزو مصر بأفكارها، وأن تكون حاضرة تنتظر الفرصة، وقد جاءت لتقدم رؤيتها للمجتمع، بل وتحاول فى بعض الأوقات أن تفرضها". ما إن قامت ثورة يناير وخلع الرئيس الأسبق حسنى مبارك حتى بدأ التيار السلفى التواجد فى الحياة السياسية؛ ففى 29 يوليو 2011 أظهر التيار السلفى قدرته على الحشد بتنظيم مظاهرة كبيرة اقتصرت على التيارات الإسلامية دون غيرها. لم تكتف الجماعات السلفية بإظهار قوتها من خلال المظاهرات، فقامت بالمشاركة فى انتخابات مجلس الشعب، ففى الوقت الذى حصل فيه حزب الحرية والعدالة على نسبة 37.5%، وهو حزب ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين، حصل التحالف السلفى على 27.8% ليحل ثانيًا بالرغم أن التحالف لم يكن له أى خبرة سياسية سابقة. وقال الدكتور شعبان عبد العليم، عضو المجلس الرئاسى لحزب "النور"، إن الحزب له شعبية فى الشارع المصرى بدليل أنه من الأحزاب الأكثر حصولًا على المقاعد فى البرلمان الماضى. وأكد أن أعمال الحزب تختلف تمامًا عن مهام الدعوة السلفية، موضحًا أن الحزب يمارس دوره السياسى ولا علاقة له بالعمل الدعوى الذى تمارسه الدعوة السلفية، نافيًا وجود أى خلط بين دور الدعوة الاجتماعى والحزب السياسى. وبعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى في 3يوليو 2013، وإقصاء جماعة الإخوان المسلمين من الحياة السياسية، فضل الكثير من الإسلاميين وخاصة السلفيين منهم الابتعاد عن السياسة، خاصة بعد حملات الاعتقالات الواسعة فى صفوفهم والتضييق عليهم وعلى أسرهم. وقال الدكتور كمال حبيب، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إن تراجع الدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب النور، عن ممارسة العمل السياسى وتوجهها للعمل الدعوى بشكل ملحوظ بعد أحداث 3 يوليو إلى جانبين، الأول هو حملات التشويه التى مارستها ولا تزال جماعة الإخوان المسلمين وباقي الأحزاب الرافضة للمسار الذى اختاره الحزب بعد 30 يونيو وتكوين فكر نمطي لدى كثيرين بأنه "حزب الزور" وليس "نور". وأوضح أن السبب فى ذلك يرجع إلى مواقفه الأخيرة الصادمة للإسلاميين، مشيرًا إلى أن أغلبهم قيادات الحزب أنفسهم غير راضين عن موقف الحزب، والثانى هو أن الدولة لديها حساسية من حضور الإسلاميين فى الفضاء المعلوماتى كوسائل الإعلام، والانتخابات الرئاسية، والبرلمانية وغيرها، ومن ثم يمارس وزير الأوقاف دوره فى محاولة التضييق عليهم دعويًا بالمساجد والخطابة نظرًا لأن المزاج العام للحكومة هو حرمان الإسلاميين. وقال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الحياة السياسية تعانى من كساد سياسى فى الوقت الراهن، موضحًا أنه لا توجد حياة سياسية بالمعنى الحقيقى نتيجة لاستبعاد فصيل كامل من الحياة السياسية. وردًا على التراجع الملحوظ للدور السياسى لحزب النور والدعوة السلفية بعد ثورة 25يناير، قال نافعة، إن هذا الأمر سيتضح عقب الانتخابات البرلمانية القادمة، مشيرًا إلى صعوبة مقياس التراجع إلا بعد مرور الحزب باستحقاق سياسي. وأكد أن البرلمان المقبل سيوضح مدى فعاليات كل حزب سياسى ومقدار شعبية كل القوى السياسية.