تحتفل مصر في تلك الأيام، بذكرى انتصار حرب أكتوبر المجيدة، حرب العزة والكرامة والتي لقنت فيها القوات المسلحة العدو درساً لن ينسي، بل وأصبحت قدوة لغيرها من الدول العربية في الفنون العسكرية والاستراتيجية، وكان أهم ما تميزت به حرب 1973، هو الخداع الاستراتيجي وعمليات التمويه العسكري التي سبقت لحظة الهجوم . ◄ خطة الخداع الاستراتيجي الخداع الاستراتيجي هو كلمة السر وراء تحقيق نصر أكتوبر عام 1973، أدارت القيادة المصرية خطة عبقرية لإيهام إسرائيل والعالم بأن مصر لا تستعد للحرب، مما أتاح عنصر المفاجأة الاستراتيجية الحاسمة التي جعلت الحرب ضربة قاضية لإسرائيل. تنوعت محاور وأدوات خطة الخداع لتشمل جميع الجوانب: السياسية، والاقتصادية، والإعلامية، والعسكرية، بهدف طمأنة العدو واقتناعه بأن مصر غير قادرة أو غير مستعدة للمواجهة مما يجعلهم يظنون أن نتيجة الحرب محسومة لصالحهم بالنصر. ◄ المستوى العسكري والتعبوي اتبع الجيش المصري خطة "تسريح بعض الجنود" وهي تعني إخراج الجنود من الخدمة العسكرية أو إنهاء مدة خدمتهم، سواء كان ذلك بسبب انتهاء فترة الخدمة المقررة لهم، أو حل الجيش في نهاية الحرب، وهو علي عكس الإجراءات المعتادة وقت الأستعداد للحروب. وتم تسريح دفعات من جنود الاحتياط قبل ساعات قليلة من الهجوم لإيهام إسرائيل بأن الحالة اعتيادية، كذلك تم تكرار المناورات التدريبية الكبرى المشتركة، بشكل روتيني على الجبهة لإخفاء التجميع الحقيقي للقوات والمعدات، مما جعل أي تحرك يُفسر على أنه جزء من تدريب معتاد. وكان الخداع الميداني جزء مهم من الخطة حيث تم إخفاء معدات العبور والقوارب المطاطية، ونقل المعدات الثقيلة والدبابات للجبهة تحت ستار إصلاحها في ورش الصيانة المتقدمة. وتبنت الدولة خطة الخداع الإعلامي ونشر أخبار عن ضعف الاقتصاد المصري، وإظهار الاهتمام بتحقيق حل سلمي، وإبعاد المستشارين الروس قبل الحرب بعام.، أما على المستوى السياسي والدبلوماسي، تبنت الدولة فكرة قبول حالة اللاسلم واللاحرب وإعلان عدم الحسم العسكري أكثر من مرة. تحركات الدبلوماسيين سفر وزراء الخارجية والمالية والنقل إلى الخارج في مهمات اعتيادية قبل بدء العمليات مباشرة، مما يوحي بعدم وجود أي استعداد للحرب. ◄ دور مكافحة الجاسوسية قامت جهود مكافحة الجاسوسية بدوراً محورياً في تأمين سرية الاستعدادات وحماية خطة الخداع، فكشف وتفكيك شبكات التجسس كان ضرورياً لمنع تسريب المعلومات الحيوية التي قد تفشل خطة المفاجأة:وكذلك زراعة شبكة جواسيس لصالح المخابرات المصرية. ◄ الملاك.. أشرف مروان! لا يزال دور أشرف مروان "صهر الرئيس جمال عبد الناصر ومستشار الرئيس أنور السادات للمعلومات" مثار جدل كبير، وتبين أنه تم الاستعانه به لتضليل إسرائيل تحت اسم "الملاك". وحسب تقارير، مروان كان يزود إسرائيل بمعلومات صحيحة في توقيتات خاطئة أو بإلغاء موعد حرب مسبق، ثم قام بإبلاغهم عن موعد الحرب الفعلي قبل ساعات قليلة، مما لم يترك لإسرائيل الوقت الكافي لإتمام التعبئة الكاملة والضربة الإجهاضية، ليتحقق بذلك عنصر المفاجأة الاستراتيجية. ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية تحقيقا موسعا في ملحقها الأسبوعي. بعنوان "رئيس الموساد مُستدرج كالأحمق"، كشفت فيه أن أشرف مروان، لم يكن "الجاسوس الأسطوري" كان رأس حربة خطة خداع مصرية محكمة. اقرأ أيضا| «هنا القاهرة».. كيف وثقت الإذاعة لحظة العبور العظيم؟ وكشفت الصحيفة أن "مروان" كان اللاعب الرئيسي في الخطة المصرية التي استهدفت تضليل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قبل وأثناء حرب أكتوبر (1973). كان يُشار ل "مروان " باسم "الملاك" في إسرائيل، ولا يزال يُنظر إليه باعتباره أحد أهم مصادرهم البشرية، حيث بدأ في نقل كميات كبيرة من الوثائق والمعلومات السرية عن مصر منذ عام 1970. ويرتبط اسمه بالتحذير الشهير الذي نقله إلى رئيس الموساد، تسفي زامير، عشية الحرب. يذكر التحقيق أن مروان شارك في اجتماعات رفيعة المستوى أواخر أغسطس 1973 بين الرئيس أنور السادات والرئيس السوري حافظ الأسد، حيث تم الاتفاق على خطة عسكرية وتحديد موعد الهجوم في 6 أكتوبر. إلا أنه بدلًا من نقل هذه المعلومات المهمة إلى مسؤوليه في الموساد، قدّم مروان سلسلة من التنبيهات المضللة حول تواريخ مختلفة، مصحوبة بتقييمات مفادها أن "الحرب غير مرجحة". وتم نشر بيانات غير مسبوقة، دفعت الجنرال شلومو غازيت، رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق، إلى التصريح في شهادة لم تُنشر إلا بعد وفاته: "كان مروان مُغروسًا في أعماق الاستخبارات الإسرائيلية، يغوي رئيس الموساد زامير ببراعة، ويتلاعب به كما يشاء. كان هو المحرك الرئيسي في خطة الخداع المصرية". ◄ أخطر جاسوسة للموساد تعد شبكة هبة عبد الرحمن سليم الشهيرة ب "هبة سليم " تعد أخطر جاسوسة جندها الموساد الإسرائيلي أثناء دراستها في باريس، ونجحت في تجنيد الضابط المهندس "فاروق عبد الحميد الفقي، الذي كان يشغل موقعاً حساساً يتيح له الوصول إلى معلومات هامة عن مواقع الصواريخ الجديدة والتجهيزات العسكرية. نجحت المخابرات المصرية في الإيقاع بها واستدراجها للقبض عليها، وأعدم الضابط الفقي رمياً بالرصاص قبل الحرب. كان الكشف عن هذه الشبكة عاملاً حاسماً في الحفاظ على سرية خطة الحرب. ◄ عيد الغفران وشهر رمضان "توقيت ذكي" اختيار "ساعة الصفر" في تمام الثانية ظهراً يوم 6 أكتوبر 1973، الموافق "العاشر من رمضان" وكذلك عيد الغفران "يوم كيبور" في إسرائيل، يعد من أذكى عناصر الخداع الاستراتيجي حيث يعد عيد الغفران (يوم كيبور) من أقدس الأعياد اليهودية، وفيه تكون البلاد في حالة شلل شبه تام، تتوقف الحياة العامة، والاتصالات، ووسائل الإعلام، وتكون القوات الإسرائيلية في حالة استرخاء وتراخي تام، وكثير من الجنود في إجازات رسمية لذا اختيار هذا اليوم لشن الهجوم جعل إسرائيل تستبعد تماماً احتمال الحرب. كذلك اختيار شهر رمضان المبارك، الذي يعتبر القتال فيه وقت الصيام ، قد يبدو تحدياً للقوات المهاجمة، إلا أن القيادة المصرية استغلت عامل "التعود والروتين". اعتادت إسرائيل على أن القوات المصرية خلال رمضان تقلل نشاطها بشكل ملحوظ، مما ساهم في بث الاطمئنان وإخفاء الاستعدادات. كما أن التدريب المسبق للقوات على القتال في ظروف الصيام أدى إلى تحملهم وتمسكهم ب "ساعة الصفر" المحددة وتحقيق النصر. اختيار هذا التوقيت عبارة عن ضربة مزدوجة، حيث ضرب الروتين العسكري الإسرائيلي (المتوقع لتدني مستوى النشاط في رمضان) والروتين الديني والاجتماعي (المتعلق بعيد الغفران)، مما أمن عنصر المفاجأة بنسبة تقارب 100%.