لا أدري لماذا تذكرت الزعيم الوطني خالد الذكر الشاب مصطفى كامل في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها مصر. فمصطفى كامل عنوان بارز ورمز كبير للوطنية، منه تعلمنا معان عظيمة في ثقافة حب الوطن وجعلها فوق أية ثقافة أو مصلحة إذا تعارضت الثقافات والمصالح. الوطنية ليست كلامًا أجوفًا مراوغًا ومنافقًا، وهي ليست محاضرات ودروس، ولكنها سلوك ومعدن يظهر وقت الشدائد والمحن ليفرق بين الناس وليميز الخبيث من الطيب، لنجد الوطني الصادق يقدم المصلحة العليا للبلاد على الصفقات المشبوهة وعلى المصالح الخاصة. الناظر إلى ما آلت إليه أحوال مصر يستشعر الخطر والقلق الكبير على مستقبلها، وبغض النظر عن الأخطاء التي ارتكبها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتلك التي ارتكبتها حكومة د. عصام شرف، والأخرى التي وقعت فيها القوى السياسية والأحزاب والقوى الثورية، فإن المنقذ من الخطر الآن وفي هذه اللحظات الفارقة هو أن يستشعر كل ثوري وكل مواطن عادي وكل سياسي وكل عسكري وكل مسئول مصلحة مصر العليا ويقدمها على غيرها من المصالح. وأهم مصلحة لمصر وللمصريين الآن هي الوحدة والوئام والتلاحم وتحقيق الحد الأدنى من التوافق. على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يستشعر المصلحة العليا للبلاد، وهي أعلى درجات الوطنية كما أسلفنا، فلا يعاند ولا يراوغ ولا يسوّف، وأن يبتعد عن الولوغ في الدم المصري الحرام، وأن يكفر عن خطاياه بوضعه البلاد في ثلاجة كبيرة لمدة عشرة شهور، وأن يتوب إلى الله من تقريب مستشاري السوء وترزية القوانين، وأن يخرج من ذهنه تمامًا الرد على مليونيات التحرير بمليونيات العباسية أو غيرها. وعلى القوى السياسية والأحزاب أن تتطهر وتنظف نواياها وضمائرها، فلا يكون تحالفها من أجل إسقاط أو تحجيم قوى بعينها، وإنما يكون رائدها الانحياز لكل ما من شأنه تحقيق الهدوء وعبور الفترة الانتقالية بسلام وعدم الالتفاف على الانتخابات البرلمانية والرئاسية. فالحزب الذي يريد إفساد أمر ما، لأن حزبًا آخر يطالب به، إنما ينطلق من ثقافة انتهازية أنانية وليس من مصلحة وطنية. وعلى القوى الثورية ألا يذهب بها المغالاة والشطط كل مذهب، فأن يستجيب المجلس الأعلى ويقبل استقالة حكومة شرف، ويعلن عن موعد الانتخابات الرئاسية فهذا تقدم يجب الاعتراف به. ود. كمال الجنزوري رجل وطني وكفء وخبير، والواجب الآن عدم وضع العراقيل أمامه قبل أن يبدأ، وإذا كان الضغط لابد منه، فيجب الضغط من أجل أن تكون تشكيلته الوزارية محققة لمطالب الثورة. أما القول بأن ثوار التحرير لن يعترفوا بنتائج الانتخابات البرلمانية إذا ما نجح الجنزوري في تشكيل حكومته، فهذا تعسير وليس تيسيرًا، وهو من شأنه تعقيد الأمور وعدم التهدئة ودفع البلاد إلى مزيد من الأزمات، وكل هذا ضد مصلحة البلاد العليا، وبالتالي فهو ضد الوطنية. وعلى القوى المضادة للثورة، وعلى رأسها فلول الحزب الوطني ورجال الداخلية والكارهين لثورة الشعب، أن يتوبوا إلى الله في الدنيا، وأن ينتهوا على ما اعتادوه من فساد ومؤامرات، وأن ينضموا إلى الصف الوطني، لأنهم لن يستطيعوا تحقيق حلمهم من ناحية، ولأنهم سينكشف أمرهم أكثر مما هو مكشوف من ناحية ثانية. وعلى الفضائيات وإعلامييها وأطقم معديها، أن يتقوا الله، وأن يقدموا مصالح مصر العليا على الغنائم المالية والمرتبات الضخمة والخبطات المشبوهة والموجهة بغير أمانة، فقد طفح الكيل وأصبح واضحًا لغير المتخصصين أن أغلب الفضائيات تلعب الآن لعبة خيانة مصر وتقطيعها، وتقدم ثقافة وإعلامًا مشبوهين، خدمة لتوجهات أصحاب هذه الفضائيات ولنفر من المثقفين غير الأمناء.