المتابع لما يشهده ميدان التحرير حاليا من مواجهات دامية بين قوات الأمن ومواطنين من أبناء الشعب المصري – أيا كان توجهم أو انتماءاتهم – لا يملك إلا أن يضع يديه على قلبه ويدعو الله أن يسلم البلاد والعباد من شر هذه الفتنة التي راح ضحيتها عشرات المصابين والقتلى من أبناء مصر. وأبرز الملاحظات على هذه المواجهات، هي القسوة والعنف غير العاديين التي نراها من جانب قوات الأمن في التعامل مع المتظاهرين، حتى أنها طالت النساء ولم تراعي حرمة لحي أو لميت، بشكل يؤكد أن الامر تخطى حدود فض اعتصام وتعامل مع متظاهرين إلى حدود الثأر المبيت. فما نشهده من عنف شديد لم يكن معهودا بهذه الدرجة أو على الأقل كان موجودا ولكنه لم يكن ظاهرا بهذه القساوة يؤكد أن هذه العناصر الأمنية تم شحنها بشكل لا مثيل له لاسترداد كرامة جهاز الأمن وهيبته التي فقدها على مدار الشهور الثمانية الماضية، وتحديدا بعد الانسحاب الكامل من الميدان في 28 يناير ومن ثم الاختفاء وعدم الظهور حتى ساعته وتاريخه، بشكل يوحي بوجود تواطئ من القيادات الأمنية ومن بيدهم الحل والربط وإعطاء الضوء الأخضر لهذه القوى الأمنية من إعادة فرض سيطرتها بالقوة، وإلا بماذا نفسر هذا الصمت الرهيب من قبل قيادات الدولة تجاه ما يحدث. فما يبدو في المشهد الحالي أن عناصر الأمن تم شحنهم للانتقام من هؤلاء المتظاهرين الذين كانوا سببا مباشرا في قصم هيبة رجال الأمن، وأنه يجب عليى هذه القيادات الأمنية أن تسترد كرامتها التي سلبت منهم، وها قد حانت لهم الفرصة مرة أخرى، فقد أتتهم على طبق من فضة. ومن عجائب تصاريف القدر أن الرد جاء في نفس محيط المكان الذي شهد انسحاب الشرطة في يناير الماضي، لكن هذه المرة يبدو أن قوات الأمن قد أخت من الحيطة والتدريب والحنكة والقسوة في التعامل مع هؤلاء المتظاهرين ما أهلها لأن تصمد. الخطورة تكمن في الخوف من أن يتحول الامر من مجرد أزمة عادية إلى أزمة ثأر، فالأزمات السياسية يمكن أن يتم حلها عبر مبادرات سياسية يقرها سياسيون أو شخصيات عامة يثق الناس في رأيها أو حتى عبر قرارات سلطوية تتخذها سلطات الدولة سواء بالانسحاب أو بالبقاء في الميدان دون الرد بعنف وقسوة كلها حلول يمكن الخروج بها من الأزمة الحالية. أما أن يتحول الأمر إلى ثأر مبيت بين عناصر الأمن والمواطنين فهذا سيكون له أسوأ الأثر على مستقبل رجال الأمن في التعامل مع الشأن المصري الداخلي في السنوات المقبلة، فالمثل الشعبي القائل "إن الدم ما بيسوسش" يمكن الاستناد إليه إذا رغبنا في استشراف مستقبل هذه الأزمة المحتدمة بين عناصر الأمن وبين المواطنين المصريين. وينبغي على رجال الأمن ألا ينسوا أن سوء معاملة المصريين وامتهان كرامتهم على مدار العقود والسنوات الماضية كانت سببا مباشرا في تأجيج نار الغضب وحدة التوتر من جانب الشعب على النظام، وكانت النتيجة ثورة شعبية كبيرة أطاحت بالنظام وأدت إلى انهيار جهاز الأمن المصري الذي سيحتاج إلى سنوات طويلة جدا حتى يعود جهازا قادرا على أداء وظيفته الأساسية التي هي حفظ الأمن ومواجهة المجرمين وحماية مقدرات وأملاك المواطنين المصريين. فالمواجهات الدائرة بين المصريين بعضهم البعض في ميدان التحرير ومحيطه بمكن اعتبارها بمثابة مواجهة طبيعية ردا على ما حدث في ثورة يناير، خاصة مع تنامي رغبة عناصر الامن التي أرى فيها رغبة في معادلة الكفة مرة أخرى، وأن يتم الرد الصاع صاعين لجمهور المصريين، والخوف كل الخوف أن تستمر هذه المواجهة طويلا ويقع على إثرها المزيد من الضحايا حتى نصل إلى المرحلة الفاصلة التي يصعب على الجميع التنبؤ بمن سيفوز بها، لكن يمكننا الإجماع على أن الخاسر الوحيد هي مصر. فعلي الجميع أن يعوا خطورة الأمر وأن يرجعوا فهذا أزكى للجميع، فإن كنا وضعنا أجهزة الامن في خانة الأعداء وتحاملنا عليها طوال الشهور الماضية فلا يعني ذلك أبدا أن نستمر على خط المواجهة معها أو نحاول اقتحام مقار وزارة الداخلية والسطو على المراكز ونقاط الشرطة، فهذا خطأ جسيم لا ينبغي ان نقع فيه مرة أخرى. فالمصريون لم يكونوا أبدا ضد جهاز الأمن طالما أنه التزم بروح وظيفته، فنحن في أشد الحاجة إلى جهاز أمني فلسفته الأساسية هي حماية المواطن، وساعتها لن يجد من المواطنين إلا كل قلب رحيم ومساندة ودعم قوي في مساندتهم في أداء مهمتهم الأساسية في حماية أمن البلاد وحقوق العباد والقبض على المجرمين والدفاع عن مقدرات الدولة. على كل ذي عقل وبصيرة أن يدرك أننا جميعا مصريين في حاجة إلى بعضنا البعض، ولكل وظيفته ومهمته الأساسية التي يقوم بها، وأن التظاهر ومعارضة النظام لا يكون أبدا مسوغا لامتهان كرامة الدولة والنيل من هيبتها في مواجهات بائسة سنجني جميعا حصادها المر على أمن مصر واستقرارها.