عندما تقدمت الدول الأوروبية بمشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي يوم 4 / 10 / 2011 بهدف إنزال العقوبات على النظام السوري، كانت تدرك بالطبع أن كلًا من روسيا والصين سوف تستخدمان حق الفيتو، وأن القرار لن يمر، وبديهي أن لدى كل من الولاياتالمتحدة وأوروبا من وسائل الضغط والإغراء لكل من روسيا والصين ما تستطيع به دفعهما إلى الموفقة على القرار لو أرادت ورغبت، فالذي حدث في الحالة الليبية مثلًا أنه تم استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، ليس فقط بتوقيع عقوبات على نظام القذافي، بل السماح بالتدخل العسكري عن طريق حظر الطيران على قوات القذافي، وضربه بالطيران في كل مكان، ولا شك أن هذا التدخل كان له أثره المباشر في نجاح الثورة الليبية، والإطاحة بنظام القذافي، ومن ثم فإن الأمر يستدعي البحث في الأسباب التي تحول دون استخدام نفس الأسلوب، أو حتى أقل منه في الحالة السورية. بداية فإن النظام السوري لا يقل سوءًا عن النظام الليبي السابق، وبشار الأسد لا يقل دموية ووحشية عن القذافي، والمعلن حتى الآن أن النظام السوري قتل حوالي 3000 آلاف سوري مدني، وجرح الآلاف واقتحم المنازل والمدن والقرى، واعتقل ما يزيد عن العشرة آلاف وربما عشرات الألوف، ومنهم من مات تحت التعذيب أو أطلق عليه الرصاص في المعتقلات، ووصل الأمر أحيانًا إلى اختطاف الزوجات والنساء والأولاد الصغار نكاية في المناضلين الهاربين ، وكذا فإن ما تسرب من وسائل الإعلام في الحالة السورية أقل منه في الحالة الليبية، لأن النظام السوري أكثر إحكامًا في قبضته الإعلامية من النظام الليبي السابق، وقد رأينا رغم ذلك من يضرب رأس المعتقلين بأحذية الجيش والشبيحة والشرطة، ويطلب من بعضهم إعلان أن الإله هو بشار أو ماهر. ورأينا أيضًا أن الجيش السوري قد تم استخدامه في قمع المتظاهرين منذ اللحظة الأولى، وأن النظام مستعد لقتل 90 % من الشعب من أجل الاستمرار في الحكم، ومن ثم ضرب مدن وقرى وأحياء ومنشقين عن الجيش – بلغ عدد المنشقين حتى الآن أكثر من 10 آلاف سوري – بالطائرات والدبابات وقطع البحرية من البحر، إذن ماذا ينتظر المجتمع الدولي ليتحرك من أجل شعب تتم إبادته بدم بارد؟ وهل كان النفط الليبي مثلًا هو الذي أغرى الغرب بالذهاب إلى هناك؟ لا أعتقد ذلك، لأن القذافي ذاته كان مستعدًا لإعطاء النفط والذهب وكل شيء للغرب وأمريكا مقابل تركه في الحكم. هل كان التحرك العربي الكبير في الحالة الليبية أحد الأسباب؛ حيث طلبت جامعة الدول العربية من مجلس الأمن التدخل في الحالة الليبية، وقامت حكومات عربية بدفع أموال وبذل جهود في هذا الصدد؟ ليس هذا أيضًا في رأيي هو السبب، لأن هذا التحرك العربي كان بضوء غربي وبتنسيق مع القوى الدولية. هل المصالح الروسية والصينية في سوريا أكبر من ليبيا مثلًا، بحيث لا تقبل الدولتان الضغط في الحالة السورية على عكس الحالة الليبية؟ ربما كان العكس صحيحًا. والحقيقة أنه لا تفسير للتقاعس الغربي، وبالتالي العربي في الحالة السورية، إلا أن استمرار بشار الأسد حاجة أمريكية وصهيونية، وضرورة للحفاظ على أمن إسرائيل، حيث إنه يخدم صيغة الادعاء بأنه مناهض لإسرائيل في حين لا يطلق طلقة واحدة ضدها، وهذه حالة مثالية بالنسبة لإسرائيل، لأن ذلك يمنع الجماهير من التدخل في المسألة، ولو تمت الإطاحة ببشار الأسد ونظامه، ووصلت الجماهير إلى الحكم أو كانت طرفًا في القرار السياسي، فإنه عاجلًا أو آجلًا ستندفع باتجاه إسرائيل لتحرير فلسطين بأي صورة من الصور، ولن تقف تتفرج على إسرائيل تحتل الجولان. أعتقد أن هذا يفسر السلوك الغربي والأمريكي، وفي كل الأحوال، فإن على الشعوب العربية أن تتحرك لمقاطعة المنتجات الروسية والصينية والتظاهر أمام سفارات الدولتين كحد أدنى من تقديم العون للشعب السوري الباسل، الذي يقدم الدم والفداء والبطولة والنموذج. المصدر: الإسلام اليوم