هل تعتقد الحكومة أننا نحن المصريين سنواصل الغرق فى العبارات والاحتراق فى الطائرات حتى تصدر ذلك التشريع الذى يوشك أن يطبق، والذى يقصر مدة اعتبار المفقود ميتاً على 15 يوماً؟ والمعروف أن القانون لا يصدر لمواجهة حالة نادرة، بل لمواجهة ظاهرة متكررة، أما الحالات الاستثنائية فإن تغطيتها تتم دائماً بقوانين استثنائية، ولا تمتعض.. فعندنا من هذه القوانين "قانون الطوارئ" المهيمن على حياتنا التشريعية منذ نصف القرن! وأمس وافق مجلس الشعب على قانون يعتبر المفقود فى حوادث الطائرات والسفن ميتاً إذا لم يعثر عليه بعد 15 يوماً من تاريخ الحادث، والهدف النبيل من صدور القانون هو التيسير على عائلات ضحايا العبارة المنكوبة "السلام 98"، وسرعة تقسيم ميراثهم وترتيب أوضاع ذويهم حتى لا تبقى تفاصيل حياتهم معلقة لسنوات طويلة. مشروع القانون الذى وافق عليه المجلس ينص أيضا على إصدار شهادة وفاة للمفقود من أبناء القوات المسلحة بعد مرور سنة على فقده. الفرق بين القانون الجديد والتشريعات المعمول بها هو أنه يلجأ إلى التفصيل فى معالجة حالة "المفقود" من حيث المهلة التى تصدر بعدها شهادة "الوفاة الحكمية"، مفرقا بين من فقد فى طائرة ومن تاه فى الصحراء، وبين من فقد فى الحرب ومن فقد خلال مشاركته فى أحداث شغب، والحق أن التفصيل على هذا النحو يخالف "روح القوانين" ويناقض طبيعة القاعدة القانونية التى هى "سلوكية عامة مجردة"، ما يعنى أنها لا تنص على التفاصيل، وإن اتسع نصها بفضل عموميته وتجريده لاستيعاب كل التفاصيل الحالَّة و المستقبلة. وفى هذا الإطار فإن القانون كان ينص على التفرقة فقط بين المفقود فى ظروف يغلب فيها الهلاك، وهذا يحكم بوفاته بعد مرور زمن أقل، والمفقود فى ظروف لا يغلب فيها الهلاك، والحكم بوفاته يحتاج إلى مرور زمن أطول. وهو نص كان ومازال قادراً على استيعاب مختلف حالات المفقودين، حتى لو افترضنا أن هناك من فقد بسبب إقامته فى مستعمرة تحت الماء أو لأنه سافر على مكوك فضاء! وكان الأولى أن نحافظ على قانوننا "العام المجرد" ولا ندخل بالقانون فى دروب التفاصيل وتيه الاختلاف بين الحالات المتعددة، الأمر الذى يؤدى فى النهاية إلى "فوضى تشريعية" نعانى منها بالفعل، والسؤال: ماذا لو طبقنا قانون ال15 يوماً على مفقودين فى حوادث سفن أقل خطراً من نكبة العبارة "السلام 98" ثم ظهر أنهم أحياء وأنهم كانوا تحت العلاج أو فى غيبوبة؟ إن هؤلاء سيعانون الأمرين ليثبتوا أنهم على قيد الحياة فى ضوء التشريع الحالى، فماذا سنفعل؟ هل سنصدر تشريعاً ينص على الحكم بعودتهم إلى الحياة خلال 15 يوماً؟ أما الهدف النبيل .. مرة أخرى الذى يتوخى القانون الجديد تحقيقه، وهو التيسير على عائلات ضحايا العبارة، فكان من الممكن الوصول إليه بقانون خاص، يطبق عليهم وحدهم، ويمكن تجديد تطبيقه إذا استدعى الأمر بإجراءات جديدة، قانون ينص على إصدار شهادات الوفاة للضحايا واتخاذ كل ما يترتب على إصدارها من إجراءات، وبهذا نكون قد يسرنا على عائلات الضحايا ولم نسقط فى فخ "الفوضى التشريعية". [email protected]