ماهية حروب الجيل الرابع : هي حروب تهدف إلى استخدام الأزمات الداخلية و الاختلاف في العلاقات بين الأفراد ، والإشكالات القائمة داخل الدول بغرض تضخيمها، وتكوين حالة من عدم الاستقرار بين الأطراف المختلفة دينياً أو ثقافياً أو سياسياً بما يؤدي إلى إفشال الدولة وهي حرب ليس لها شكل معين أو أسلوب منهجي ، و تهدف إلى تحقيق حالة من الانقسام الحاد الدائم في النسيج المجتمعي ، بحيث ينظر أفراده نظرة عدائية للآخر كبداية للدخول في حرب أهلية طويلة الأمد ، و يصبح الاستقرار و تحقيق تنمية داخلية ضربا من ضروب الخيال ، فلا تقدر على العودة إلى نفس المسار التنموي مرة أخرى عوضا عن التركيز على حل المشكلات الحقيقة التي تهدد المجتمع لتواجه معارك داخلية متمثلة في الفقر و المرض و الجهل و الوعي ، و معارك خارجية متمثلة في استخدام ميليشيات أو تنظيمات شبابية من داخل الدولة تحارب كيانها، بحيث تتغير موازين القوى الإقليمية ، فتتفكك الجيوش النظامية لهذه الدول و يتحول دورها إلى حفظ الأمن الداخلي تماما كما تفعل قوات الأمن المركزي في أفضل الأحوال ، أو تنتهي كميليشيات منفصلة تحارب بعضها البعض. و تأتي تسميتها بالجيل الرابع نظرا لأنها تأتي بالترتيب بعد حروب الجيل الأول و الثاني و الثالث ، كما أن حروبا جديدة عرفها العالم بعد الجيل الرابع امتدت حتى الجيل السادس ، و لكن هذا المقال يُعنى بالجيل الرابع لأن بصماته تنطبق على أحوال الربيع العربي عامة و على أحداث منطقة سيناء خاصة . تعمل تلك الحروب على استقطاب الشباب تحت بريق فكرة أو عقيدة أو رغبة في تحقيق العدالة ،و هو مسار يفترض أن يفضي إلى استقرار يتبعه تنمية شاملة ، إلا أن ما يحدث فعليا هو فوضى يتبعها حالة من الانقسام المجتمعي ، اللهم إلا فيما ندر ، حسب الحالة التعليمية لشعب الدولة المراد إفشالها ، و مدى إدراكهم ووعيهم لما يحاك ضدهم من مؤامرات حقيقة تهدد وحدتهم و تماسك صفوفهم . إذا ، الهدف من حروب الجيل الرابع هو القضاء على الدول القوية و استغلال أزماتها الداخلية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية المزمنة و إضعافها بحيث لا تمثل أي خطر إقليمي جاء الربيع العربي محملا بالآمال لدى الشباب التواق للحرية و العدالة ، عطشى للمسار الديمقراطي الذي ارتبط لديهم بأحلام اليقظة ، ليروا مستقبلهم حاضرا كواقع جميل لين ، يطوّعوه بأيديهم كيفما شاءوا ، و مشوا خلف سراب من وعود سياسية بتمكينهم من تخطيط مستقبلهم الذي بدا في حينها واعدا جدا ، إلا أن الأمور في أغلب دول الربيع العربي لم تأت كما تشتهي السفن و لم يكن غريبا أن نشهد انقسام دول قوية إلى دويلات صغيرة مكونة من قبائل و عشائر ، فأصول تلك الدول كان في الأساس قائما عليها ، و لم تنهي الحدود السياسية التي رسمها الاستعمار من الانتماء القبلي الذي ظهر بقوة من جديد عند أول بادرة اختبار لها و ذلك بعد تغذية المستعمرين للنعرات الطائفية فيما بينهم و إضعاف الحاكم المستبد الذي كان الملجأ الأخير للحفاظ على وحدة وهمية لم تكن موجودة في الأساس. تعمل تلك الحروب على إنهاك المجتمع واستنزاف الدولة في معارك داخلية ، في قضايا قد تكون عادلة ولكنها تقدَّم في إطار من تحدي الدولة وتعميق الخلافات في المجتمع، ليصبح الجميع في حالة اقتتال داخلي ولا نلتفت لكوارث أخلاقية واقتصادية واجتماعية وسكانية أخرى من شأنها تدمير مقومات الدول على المدى البعيد. و من صفات تلك الحروب ، صعوبة التفريق بين المقاتلين وغير المقاتلين، بين الجندي والمدني ، وعلى الصعيد الحربي فإن القبائل أقوى من الدول في الحرب لان القبائل تستخدم أسلوب حرب الشوارع و تدور رُحاها على أراضها و شوارعها و أزقتها حسب شروطها هي و بأدواتها التي تجيدها ، في ظروف يتم اختيارها بصورة غير ملائمة للجيش النظامي ، فيجروه إلى معارك صغيرة ذات أهداف إستراتيجية يحددونها هم بحيث يكون تأثيرها فعال و موجع ، بحيث لا يضمن الجيش النظامي الانتصار إلا بترجيح كفة الطيران الحربي .
التربة الوحيدة الخصبة القادرة على إنبات جذور حروب الجيل الرابع هي إيجاد أماكن داخل حدود الدولة ليس لها سيادة عليها . و بالتطبيق على الحالة المصرية في سيناء ، نجد أن خلق مناطق عازلة و تهجير المواطنين قسرا من بيوتهم ، و تجريف الأراضي ، هو ما يحتاجه للنمو و الازدهار و نشر سمومه بين القبائل و العشائر و كان الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز أول من أمر ضباطه أن يتعلموا «الجيل الرابع من الحروب »، وأن يطوروا عقيدتهم العسكرية للتعامل معه . والهدف من هذه الحروب ليس تحطيم المؤسسة العسكرية أو القضاء على قدرة أمة بشكل عاجل، وإنما الهدف هو الإنهاك ببطء عن طريق دعم مجموعات محاربة وعنيفة للسيطرة على هذه الأماكن، إذاً المعادلة لها هدفان هما الإكراه ثم الدولة الفاشلة , فتتآكل مفهوم السيادة خصوصا في الأماكن التي لا تخضع لها ، وتتحكم في هذه المناطق مجموعات عنيفة غير تابعة للدولة، وهذا هو ما يخلق الدولة الفاشلة إذا نستنتج عن الجيل الرابع من الحروب ، ما يلي :
1- لتحطيم دولة : عليك تحطيم تماسكها الاجتماعي انتو شعب و إحنا شعب 2- الحرص على وجود أماكن غير مسيطر عليها داخل الدولة سيناء 3- يرى خبراء أن أحد كوامن القوة في حروب الجيل الرابع أنها لا تتقيد بسيادة القانون، وتستخدمه عندما يكون في مصلحتها فقط؛ بمعنى توظيف القانون مثلاً للتشهير بالأعداء ولفت انتباه الرأي العام العالمي إلى خروقاتهم القانونية لرفع غطاء الشرعية و لتغاضي الطرف عن حقوقهم الإنسانية التي تكفلها الدولة 4- تعتمد تلك الحروب على المال في شراء الأسلحة و العتاد و الغذاء لعناصر تنظيماتها المسلحة 5- صدق أو لا تصدق ، قد يكون النظام الحاكم نفسه أحد أدوات الجيل الرابع بإرادته، وهو إن وجد يعد الأخطر على الإطلاق، فهذه الحرب تهدف إلى خلق دول فاشلة وأن تصل إلى درجة من الانحلال يكون فيها أخر طرف باق هو الحاكم و الذي يعاني من فراغ فكري وإمكانات شبه معدومة، فتعمل على القضاء على المسارات السياسية الصحية لتجنب نهايتها المحتمة خارج إطار السلطة ودوائر النفوذ .
في النهاية ، يمكن الانتصار على حروب الجيل الرابع إذا توافرت الإرادة الصادقة و الرغبة الأكيدة في إصلاح النسيج المجتمعي و الانتباه إلى القضايا الأساسية كالتعليم و الصحة و الاهتمام بالشباب و الاستماع لهم عوضا عن اعتقالهم ، و بناء المؤسسات الفكرية عوضا عن السجون ، و إحكام سيطرة الدولة على كل شبر من أراضيها بتوطين و تمكين سكانها من أراضيها كلما أمكنها ذلك بعمل امتداد أفقي و استصلاح الأراضي في سيناء و عمل تنمية شاملة بخطط اقتصادية قصيرة و طويلة الأمد ، و الأهم هو العودة إلى ركائز الأمن القومي في الاعتماد الداخلي على زراعة المحاصيل الإستراتيجية و تشجيع الصناعات المحلية .